المؤتمرنت - الشرق الاوسط - حوالي الساعة 8:15 من يوم صباح مشمس في سان فرانسيسكو، تلقيت مكالمة من جينا بيندر الناطقة بلسان "داش نافيغيشن"، لتبلغني من سيارتها انها متأخرة ولتقل لي: "لقد تلقينا للتو انذارا عن حالة السير، يبدو ان هناك حادث مرور صغيرا، او ما يشبه ذلك. لن اصل اليك قبل الساعة 8:48".
قد يبدو هذا الامر تافها، لكن التقنية القابعة وراء تلك المكالمة، تمثل تغييرا كبيرا في نظم الملاحة الخاصة بالسيارات. فقد قام جهاز الملاحة الخاص بالآنسة جينا من طراز "داش اكسبريس"، بأمر لا تستطيع الاجهزة الاخرى ان تفعله حاليا. فهو لم يقم بالإعلام ان هناك مشكلة في السير فحسب، لكون العديد من الاجهزة الاخرى تفعل ذلك، لكنه قام بالإبلاغ ايضا كم يستغرق الوقت لتجاوز الازدحام اعتمادا على تقارير السير في ذلك اليوم وعلى سجل الرحلات السابقة.

الذي يجعل جهاز "داش" مختلفا عن غيره، هو انه لا يتلقى فقط معلومات تتعلق بالموقع من الاقمار الصناعية التابعة للنظام العالمي لتحديد المواقع مثل سائر وحدات الملاحة الاخرى، بل انه يقوم ايضا ببث المعلومات التي تتعلق بالجولات التي يقوم بها وارسالها الى شبكة "داش".

* قياس وتقييم ومثل هذا البث ذي الاتجاهين يتيح للنظام تنفيذ امور عديدة، فبمقدوره قياس سرعة المرور في طريق معين واستخدام ذلك لتجميع قاعدة معلومات مفصلة ودقيقة جدا عن حركة السير. وبإمكان وحدات "داش" تنبيه احداها الاخرى عن طريق الشبكة في اللحظة التي تدخل فيها منطقة ذات سير بطيء. ولكون هذه الآلات موصولة الى الانترنت، لذلك تتوفر معلومات فورا عن النقاط القريبة ذات الاهمية كالمطاعم وغيرها. وجهاز "داش" صممه مايك فارموولد رجل الاعمال ذو النشاطات المتعددة الذي يحمل شهادة الدكتوراه في علوم الكومبيوتر عندما كان محشورا في سيارته في احد زحامات السير على الطريق 280 الذي يربط بين الولايات الاميركية في منطقة "باي ايريا" الموصل الى جامعة ستانفورد. ويقول فارموولد "كان هناك تباطؤ في حركة السير لسبب مجهول. وفكرت لنفسي ان هذا امر سخيف، لماذا لم اعلم بذلك مسبقا؟، وكان امامي رتل طويل من السيارات، وفكرت لماذا لا تستطيع السيارات ان تتحدث الواحدة منها الى الاخرى".

وهكذا أسست الشركة في عام 2003 بدعم رئيسي من فارموولد ذاته، وعدد من الشركات الاخرى. والجهاز لا يزال في مرحلته الاختبارية، لكن الشركة تأمل في ان تجعل وحدات "داش" متوفرة عبر المحلات الكبرى لبيع الالكترونيات في اوائل العام المقبل بسعر 600 دولار للجهاز الواحد.

ولعرض كيفية عمل الجهاز، قامت الآنسة بيندر وروبرت ايكر، نائب رئيس قسم التسويق بالشركة، باصطحابي بالسيارة من وسط مدينة سان فرانسيسكو الى مطار المدينة. وشرعت بيندر بطباعة عنوان المطار على شاشة جهاز "داش" التي تعمل باللمس، ليقوم الجهاز بعد ذلك بإجراء حسابات، وقدمت بعد ذلك ثلاثة اختيارات للطرق مع تقدير للوقت الذي يستغرقه كل طريق. وعلى الرغم من ان الطريق السريع الرئيسي 101 كان يعاني من بعض الازدحام، الا ان الجهاز قدر انه سيكون الاسرع.

وكانت وراء هذه الحسابات ثلاثة مصادر من المعلومات، الاول كان عبارة عن معلومات عادية عن تدفق حركة السير مصدرها "إنريكس" المؤسسة التي تقوم بجمع المعلومات في الزمن الحقيقي، الخاصة بنحو 50 الف طريق رئيسي سريع في الولايات المتحدة يمتد طولها مجتمعة الى نحو 4 ملايين ميل. وهذه هي المعلومات ذاتها التي تستخدمها العديد من اجهزة "جي. بي. إس" المماثلة في ما يتعلق بحركة السير.

علاوة على هذه كانت هناك ايضا المعلومات المنفردة التي قام جهاز "داش" بجمعها. ومثل قاعدة المعلومات هذه من شأنها المساعدة على تعديل الوقت المقدر للرحلة اعتمادا على عادات القيادة الشخصية للسائق.

اما المصدر الثالث فكان المعلومات التي قامت بجمعها وحدات "داش" الاخرى، التي جرت اضافتها الى قاعدة المعلومات الخاصة بالمجموعة.

* بحث آني وبينما كنا نغادر المدينة قام ايكر بالبحث عن مطعم قريب باللمس على الشاشة. واغلبية وحدات "جي. بي. إس" حاليا مزودة بمواقع ملايين المطاعم والمخازن ومواقع التسلية والترفيه المبرمجة جميعها من المصنع. لكن معلومات "داش" تأتي من البحث الآني على "ياهو لوكال" (ياهو المحلي)، بحيث تكون اللوائح والقوائم اكثر حداثة، وليست مقصورة على شروط بحث خاصة مدرجة في لائحة (مانيو) المطاعم، مثل مطاعم "مكسيكية" او "آسيوية".

وقام ايكر على سبيل العرض بطباعة "ديم سم" (نوع من المطبخ الصيني الذي يتميز بتقديم أطباق متنوعة صغيرة) ليقوم "داش" فورا بإرسال الطلب مع موقع السيارة الى خادمات الشركة.. (وبمقدور السائقين الاختيار بين البحث عن الاماكن القريبة من وجهاتهم، او الموجودة في اي مكان آخر). وجاءت نتيجة البحث من "ياهو" التي قامت شركة "داش" بقولبتها وصياغتها لكي تناسب الجهاز على شكل خط من الخطوط الذي حال لمسه ظهرت المزيد من المعلومات مثل وصف المطعم ورقم هاتفه وتقدير جودته حسب النجوم الممنوحة له.

* خصائص تقنية ويجري ارسال معلومات "داش" عبر شبكات المعلومات الخليوية التي تستخدم ايضا لتلقي الأمور مثل التحديثات الصغيرة التي تجري على البرامج والتنبيهات الخاصة بالسير. وتأتي كميات كبيرة من المعلومات مثل الخرائط الكبيرة عبر مستقبل "واي ـ فاي" المدمج في الجهاز. والجهاز هذا يقوم اتوماتيكيا بالكشف عن اي شبكة مفتوحة من شبكات "واي ـ فاي" ليتصل بها. اما السائقون الذين يعارضون الاتصال او استغلال شبكات "واي ـ فاي" الغريبة عنهم، فيمكنهم ضبط جهاز "داش" لكي يتصل فقط مع شبكات "واي ـ فاي" معينة.

ويستخدم "داش" ايضا مصدرين متخصصين للمعلومات: خدمة المعلومات الخاصة بأسعار البنزين التي تقوم بتثبيت اسعار الوقود الحالية في محطات محددة، ومصدرا خاصا بالسينما من "ويست وورلد ميديا" يدرج الافلام المعروضة واوقات عرضها.

اما "غارمن" الشركة المنتجة الكبيرة لوحدات "جي. بي. إس" الملاحية، فتقدم ايضا معلومات عن المحروقات والسينما وحركة السير والطقس عن طريق خدمة "إم إس إن" المباشرة، بالتعاون مع "مايكروسوفت"، لكنها تعمل بطريقة مختلفة كليا، اذ يجري تلقي المعلومات عبر نطاق موجات "إف إم" في نحو 150 مدينة التي تتوفر فيها. وهي تذيع المعلومات في دورة مستمرة قد تستغرق نحو يومين لكي تنتهي كلها.

في اي حال ما ان اقتربنا من المطار حتى اظهرت شاشة "داش" قطاعا اصفر من الطريق لندخل في منطقة سير بطيئة فتساءلت ما إذا كان ينبغي علينا الالتفاف او نقفل عائدين؟.

واشار ايكر الى شاشة الجهاز قائلا "إن الطريق امامنا اخضر. وهذا يعني انه سينفتح بعد مسافة نصف ميل تقريبا. ولو كان هناك طريق احمر بعد الاصفر، لكان ذلك يعني ان هناك ازدحاما، والسير متوقف هناك، وربما قد يحتاج الامر الى العودة". ومع ذلك قام الجهاز بتقديم طرق بديلة، لكن تقدير كم يستغرق من الوقت لقطعها اظهر انها ليست اسرع من الطريق التي نسير عليه حاليا. وما ان اجتزنا ممرات الدخول الى الطرق البديلة التي قدمها "داش" كخيارات حتى اختفى الطريق الواحد تلو الآخر.

وما إذا كان تحذيرات وتنبيهات السير، مصدرها المستشعرات على الطريق او السيارة التي امامنا فهو امر لا يمكن تحديده. ولجعل النظام يعمل بشكل جيد جرى توزيع 2014 وحدة على السائقين بغية اختبارها، وعلى الاخص في 25 مدينة كبيرة. وكان هناك نحو 350 جهازا في منطقة "باي ايريا" وحدها في سان فرانسيسكو التي ساعدت على تجميع قاعدة المعلومات لاغراض العرض.

والشبكة هذه هي التي تميز جهاز "داش" عن غيره من الاجهزة المنافسة، لكنها قد ترى كنقطة ضعف ايضا نظرا الى ان المنافع الحقيقية للنظام لا تظهر حتى يقوم عدد كاف من الوحدات بجمع المعلومات.

ويقول ايكر "لقد شرعنا نرى ان المعلومات اصبحت مادة فعلية مع المئات من الوحدات الموجودة في منطقة واحدة". ولكي يصبح هذا الامر فعالا جدا. يضيف فارموولد، يتوجب ان يكون الرقم بالآلاف. ويقول فارموولد إن الجهاز لن يكون أسوأ من الاجهزة الاخرى في اي حال.

لكن مسألة قيام الجهاز بالتواصل مع الاجهزة الاخرى قد اثار جانب الحذر من قِبل بعض السائقين الآخرين. لكن بيندر تقول إن المعلومات ترسل بشكل مجهول من دون معرفة المصدر، او السيارة التي أتت منه. واذا ما جرت سرقة الجهاز يمكن للشركة ارسال اشارة لمحو الذاكرة، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالقيادة وكتيب العناوين، بحيث لا يمكن استخلاصها