محمد الجرادي* - اعتادت الساحة الثقافية هنا في اليمن، أن تظل مشاريعها رهن التصريحات الإعلامية، ونادراً جداً ما حدث أن جاوزت ذلك إلى الفعل على أرضية الواقع منذ زمن ليس بالقليل مضى.

• ومن حق المسئولين على أمور الثقافة أن يصرحوا، ويتحدثوا، إنما من حقنا عليهم أن "يفرملوا" في أغلب الوقت، وهم يدركون واقعهم وإمكانياتهم، وحدود قدراتهم المادية والبشرية في الواقع.

• الأسبوع الماضي قالت قيادة وزارة الثقافة إن التحضيرات جارية والاستعدادات على قدم وساق بشأن إنشاء وتأسيس قناة ثقافية!!

• يأتي هذا لتصريح بعد أسابيع من تصريح مماثل عن إنشاء قناة شبابية سياحية ثقافية كان مقرراً أن يبدأ بثها مطلع الشهر الجاري كما جاء في التصريح.

• لا يهمنا هذا الأخير، يهمنا هنا القول عن استعدادات الثقافة لإنشاء قناة ثقافية " وهل كان على قيادة الوزارة البوح والتصريح بهذا" السر" وبهذه الصورة المبكرة!!

• ما نعتقده أنه كان يجب أن تكتفي الوزارة بما ورد في التصريح من إشارات أخرى لمشروعات تتعلق بالمراكز الثقافية و توسيع إنشائها وتأسيسها وكذلك توسيع انتشار المكتبات العامة في المدن والمديريات. وإعطاء الثقافة المحلية الاهتمام الكبير خلال المرحلة المقبلة انسجاماً مع التوجهات السياسية بشأن الانتقال إلى الحكم المحلي واسع الصلاحيات.

• مغامرة: وقفز على الواقع:
أما الحديث عن إنشاء قناة ثقافية، فإنه يبدو كنوع من المجازفة والمغامرة، والقفز على الواقع وإمكانياته، بما لا يعني أننا نحجر على الثقافة هذا الطموح، فهو طموح مشروع بلا شك.

• وبالمناسبة، لا ندري كيف تسنى للوزارة أن تؤكد مثل هذا الأمر، في حين هي تعلم كم هي نواقص واحتياجات المشهد الثقافي والفني عموماً.

• معظم هذه النواقص والاحتياجات هي أساسية، وتقف وراء تعثر كثير من أشكال العمل الثقافي الحقيقي حتى اليوم.

• تتحدث الوزارة أيضاً عن خطط وبرامج محددة خلال الفترة المقبلة، لكنها تعجز فعلياً عن توضيح وتحديد ماهيتها، وفترتها الزمنية الكافية للتنفيذ.

• ربما دخلت مسألة إنشاء قناة ثقافية كجملة عارضة أو اعتراضية في الحديث عن خطط وبرامج مستقبل الثقافة، وإلا كيف يمكن الحديث عن قناة ثقافية ونحن حتى الآن لا نتوافر على خشبة مسرح نقول عنها " خشبة مسرح كما الناس" ولم نستطع حسم ما يمكن حسمه من دور السينما والمراكز الثقافية، والبيوت الفنية والثقافية كبنى تحتية لعمل ثقافي جيد وصحي.

• أيضاً كيف يكن إنشاء قناة ثقافية، في الوقت الذي لم تحسم الوزارة بعد منذ سنوات طويلة قضية قناة إعلامية مقروءة " بمجلة الثقافة" وهي المجلة التي يمكن أن نقول عنها لسان حال الثقافة.. ناهيكم عن قنوات مطبوعة متخصصة في ثقافة الطفل أو الفن أو الفكر أو التاريخ أو التراث، الخ.

• المعقولية والمنطقية تقتضي هنا أن نفكر ونبحث عن تطوير ما توافرمن مشروعاتنا الثقافيةـ بدلاً عن خلق الارتباك والاضطراب بالتعلق بأكثر من مشروع لا يزال في علم الغيب.

• ولنا أن نتأمل في تجارب سابقة في هذا الصدد.. أحد الوزراء السابقين للثقافة صرح ذات نشوة لوسائل الإعلام أنه تجري الاستعدادات والترتيبات لإنشاء وتأسيس " أوبرا" يمنية!!
أين هي" أوبرا" الوزير؟!
والحال كذلك مع الوزير اللاحق له أعلن عن استعدادات لإنشاء "المدينة الثقافية"
أين ذهبت هذه المدينة؟!
ولا نريد بالمناسبة الإشارة بإسهاب حكاية تحويل أو انتقال "صحيفة الثقافية" "التعزية" إلى مجلة ذات وزن وقيمة محلية وعربية!! وأظنكم تذكرون التوجيه الحكومي بهذه المسألة قبل أكثر من ثلاث سنوات.

• إذاً.. المسألة ليست إطلاق مشروعات ثقافية للاستهلاك الإعلامي.. المسألة يجب أن تكون محكومة بالتحرك في مشاريع تتفق وتتواءم مع ما هو متاح وممكن في الواقع.

• ولا بأس من المغامرة عندما تتحقق بعض شواهدها على أرضية الواقع.