الإثنين, 26-يونيو-2006
مادلين أولبرايت -
اولبرايت تتأمل في السلطة والله والعالم
.يثير هذا الكتاب جدلاً واسعاً لأن مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة تقدم لنا فيه رؤيتها حول دور الدين في الشؤون العالمية، وكذلك مدى حدود القوة والدبلوماسية. وتتساءل المؤلفة من خلال تجربتها الواسعة في العمل الدبلوماسي والأكاديمي عما إذا كان الرئيس الأمريكي جورج بوش يقوم فعلا بتنفيذ مهمة خاصة يستمد الايحاءات فيها من الله كما يدعي؟ ولا تتردد المؤلفة في شجب نفوذ اليمين المسيحي المتطرف على السياسة الخارجية الأمريكية وخصوصاً بالنسبة لغزو العراق.وبالرغم من أن رجال السياسة يسعون على نحو تقليدي إلى التقليل من تأثير الدين في الشؤون الدولية، إلا أن أولبرايت تشدد على ضرورة تفهم مكانة الدين وتأثيره في السياسة.

وتعرض الوزيرة السابقة التي تعتبر من أشهر الشخصيات في تاريخ أمريكا الحديث تجاربها ورؤيتها حول كيفية التعامل مع الأزمات الدولية المزمنة وكذلك التحديات التي تتمثل في القوة العظمى المتوافرة لواشنطن، وتندد أولبرايت بشدة بالأشخاص المحيطين بالرئيس بوش الذين يستغلون الوازع الديني لتحقيق أهداف سياسية يمينية، وتطالب بضرورة التوصل إلى توازن دقيق يسعى إلى تجنب المنافسات الدينية من خلال القيادة الجريئة والحكيمة، وتؤكد أن الدين والسياسة لا ينفصلان ولكن عندما يتم التوصل إلى نوع من المشاركة بينهما فإنهما يصبحان قوة كبيرة تهدف إلى تحقيق العدالة والسلام حول العالم.



تركز أولبرايت في الجزء الجديد من هذا الكتاب ايضا على العواقب المأساوية الأخرى التي ترتبت على الحرب في العراق سواء بالنسبة للعراقيين الأبرياء أو قوات التحالف، وكذلك الآثار الخطيرة التي لحقت بالمنطقة.

ويبدو أن الوزيرة السابقة التي كانت من أبرز الوجوه النسائية في ادارة الرئيس كلينتون وفي العالم كله تريد ان توضح في صفحات هذا الكتاب الثاني لها ان ما قامت به حكومة الرئيس بوش في العراق هو مثال على ما لا ينبغي ان تقوم به الدول سواء بالنسبة لغزو دول أخرى أو التخبط الكبير في مرحلة ما بعد الحرب. وكان كتابها الأول “المدام الوزيرة” قد صدر في العام الماضي.

وقد تحلت اولبرايت بالشجاعة الكبيرة هنا لأن التقاليد الثابتة في امريكا هي التزام كبار المسؤولين الصمت لمدة طويلة قبل ان يعلقوا على سياسات الادارات الجديدة سواء كانت تنتمي الى الحزب الديمقراطي أو الجمهوري.

وقد قام الرئيس السابق كلينتون نفسه بخرق هذه القاعدة الذهبية بعد ان هاجم بشدة الحرب في العراق والآثار الخطيرة التي نجمت عن ذلك، وحاول ان يجد الاعذار لصديقه القديم توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الذي شارك بحماس في الغزو بسبب العلاقات الاستراتيجية الحميمة بين واشنطن ولندن وكذلك للوقوف مع امريكا بعد ان تخلى عنها معظم حلفائها في اوروبا القديمة بالنسبة لرفضهم المشاركة في الحرب.

وتقول اولبرايت: ان العمليات العسكرية في العراق والأوضاع الأمنية المتدهورة حاليا قد جعلت القوات المسلحة الامريكية تعاني من تأثير الضغوط الهائلة التي جعلتها مكشوفة.

ومرة أخرى تتحدث اولبرايت عن نظرية ادارة بوش الخاصة “بالحرب العادلة” وتؤكد الحاجة لتحقيق ذلك الى توافر “النيات السليمة” ومع ذلك فإنها تحاول التماس الاعذار للرئيس الأمريكي فتقول: إنه بلا شك كان صادقا في ان يبلغ مبعوث البابا أنه يعتقد ان الحرب “ستجعل الأمور أفضل مما هي عليه”. وكان بوش يؤمن بشدة بسلامة وجهات نظره لدرجة إنه قد تجاهل نصائح الاصدقاء سواء داخل امريكا أو خارجها. وتحاول اولبرايت ان تتناول المسألة من منظور بوش من باب الجدل فتقول: إن منطقه كان يستند الى ان الشر والخير موجودان في العالم وان صدام حسين شرير ولذلك فإن إزاحته من الحكم سيكون أمرا طيبا. وكان بوش يرى ايضا ان العراق الديمقراطي الجديد سيكون نموذجا للدول العربية الأخرى. ولكن الصعوبة الرئيسية مع مثل هذا المنطق ان بوش قد تجاهل أمورا أخرى مهمة مثل التعقيدات التاريخية والدينية القائمة في العراق مثل وجود ثلاثة عناصر ومكونات رئيسية للبلاد مثل الاكراد والعرب السنة والعرب الشيعة.

وتشير الوزيرة السابقة الى الأوضاع التاريخية التي ترتبت على قيام بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الامبراطورية العثمانية بتوحيد العراق داخل دولة واحدة ذات كيان مميز.

وكان البريطانيون يتوقعون بعد قيامهم بتلك الخطوة المهمة ان يلقوا ترحيبا حارا من العراقيين، مثلما كان الامريكيون يتوقعون بعد عام 2003 ان يستقبلهم العراقيون بالورود والعناق. وتعيد اولبرايت الى الاذهان ان القائد البريطاني اللفتنانت جنرال السير فردريك مود عند ضم العراق في كيان واحد كان قد اعلن خلال مقابلته للمسؤولين المحليين، ان الجيش البريطاني لم يدخل مدنكم واراضيكم كقوة غازية أو كعدو ولكن كمحرر. وان رغبتنا هي ان ينعم العراقيون بالرفاهية مثلما كنتم في الماضي عندما كانت اراضيكم خصبة وعندما كان اسلافكم قد قدموا للعالم الآداب والعلوم والفنون، وعندما كاتب بغداد من بين عجائب العالم. ولكن كلمات الجنرال البريطاني الراحل أخفقت في تهدئة مشاعر العراقيين فإنهم لم يكونوا يرغبون باستبدال الحكم العثماني بحكم بريطاني لأنهم كانوا يريدون ان يحكموا أنفسهم. ومع حلول صيف عام 1920 كان التمرد قد اشتعل في معظم أنحاء البلاد. وهاجم المتمردون خطوط السكك الحديدية والمدن وقتلوا جنودا بريطانيين. وجاء رد فعل البريطانيين فظا بإلقاء القنابل والغازات السامة وذبح المتمردين والمدنيين على السواء كما تقول الوزيرة السابقة. ورفض الشيعة ان يخضعوا للحكم البريطاني، وعندما تمكن البريطانيون من استعادة الأمن فإنهم أقاموا ملكية دستورية كانت تنحاز الى السنة الذين كانوا يمثلون الاقلية في البلاد، وبذلك اصبح الشيعة على الهامش ويشعرون بالمرارة. أما بالنسبة لنفط العراق فقد كان مقسما بين البريطانيين والفرنسيين والهنود وكذلك المصالح الامريكية. وعلى الرغم من ان الانتداب البريطاني على العراق انتهى في عام 1932 فإن البلاد ظلت تحت حماية التاج البريطاني حتى عام 1958عندما وقع انقلاب عسكري ضد الملكية. وجاء صدام بعد ذلك بفترة الى الحكم في عام 1979. وقام بأعمال وحشية ضد كل من عارضه أو أثاروا اسئلة حول حكمه، وكان قد ارتكب كما تقول اولبرايت مجازر وحشية ضد الشيعة والاكراد على نحو خاص. وبعد هذه الخلفية التاريخية تقول اولبرايت: إنه مع حلول ربيع عام 2003 عندما سقطت بغداد فإن القوات الامريكية واجهت شعبا منقسما على نحو حاد. وكان العراقيون يتشككون على نحو عميق ازاء الغرب وكذلك فإنهم كانوا معادين على نحو فطري بالنسبة لوجود قوة عسكرية مسيحية كبيرة تقوم باحتلال مدينة ظلت لقرون طويلة عاصمة وحاضرة للعالم الاسلامي اثناء العصور الذهبية للاسلام.

ولهذا فإن الوزيرة الامريكية السابقة تقول: إنه لا عجب بأن النيات الطيبة وحدها والكلمات المعسولة لن تحقق النتيجة المطلوبة مع الشعب العراقي.

وبصراحة مطلقة وبلهجة غير دبلوماسية أو منمقة تشجب اولبرايت غزو العراق وما تترتب عليه من مآس قائلة: “انه قد يصبح أسوأ الكوارث بالنسبة للسياسة الخارجية على مدى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية”.

وتوضح بلهجة تهكم “بأن قرار غزر العراق قد أصبح بمثابة نموذج صارخ للعواقب غير المقصودة التي يمكن ان تترتب على اجراءات مصيرية من هذا النوع “لم تتم دراستها على نحو كافٍ”.

وتقول وزيرة الخارجية الامريكية السابقة: انه من الأمور الغريبة جدا أن امكانية نجاح أكبر مقامرة قامت بها ادارة الرئيس بوش بالنسبة للشؤون الدولية يعتمد على مدى ليونة وصبر رجل دين بارز وآية الله ايراني الأصل يبلغ من العمر 75 عاماً ومصاب بمرض في القلب، وهي تقصد بذلك آية الله علي السيستاني الزعيم الشيعي البارز في العراق الذي أبدى سعة أفق ومرونة وحنكة سياسية كبيرة. وتوضح ذلك قائلة انه بعد الاطاحة بحكم صدام حسين فإن الأوضاع في العراق “انقلبت رأسا على عقب” حيث فقدت الاقلية السنية التي كانت تسيطر على مقاليد الأمور السلطة لمصلحة الأغلبية الشيعية التي عانت لفترة طويلة من القهر. وزعيم الشيعة القوي النفوذ هو آية الله العظمى علي السيستاني كما تؤكد أولبرايت، وتذكر ان السيستاني رجل يتميز بالهدوء وينتمي الى التيار الرئيسي الشيعي الذي يظل رجال الدين فيه بعيدين عن روتين الحياة العامة، الا أنهم احتفظوا بحق التدخل في اللحظات الحرجة. وقد قام السيستاني منذ سقوط حكم صدام حسين بأداء هذا الدور على نحو خلاق وبارز وبدلا من تكرار الاخطاء القديمة العراقية بالتمرد على نحو سافر ضد قوة عسكرية غربية قوية، كما حدث بعد احتلال بريطانيا للعراق في أوائل العشرينات، فإن السيستاني تمكن من الوصول الى صيغة تجعل المحتلين الجدد للعراق يعملون في خدمته. وقد مارس السيستاني هذا النفوذ من على بعد وبمهارة وذكاء. فعندما كشفت أمريكا في عام 2003 عن خطوة من عدة مراحل للعراق وذلك لاختيار مجلس تأسيسي وصياغة دستور جديد للبلاد فإنه قام بعرقلتها ليس لأنها تتميز بالديمقواطية ولكن لأنها لم تكن ديمقراطية على نحو أكبر، وكان الامريكيون يريدون قيام عملية يتم السيطرة عليها بعناية وتهدف الى إرساء القوانين قبل إجراء الانتخابات، وعندئذ قال السيستاني ان الدستور الذي سيقوم بصياغته ممثلون غير منتخبين سيكون غير مشروع، وأصر على ضرورة اجراء الانتخابات أولا قبل صياغة الدستور.

وقد حاول المسؤولون الامريكيون في البداية تجاهل مطالب السيستاني وفشلوا بعد ذلك، في التوسط من اجل الوصول الى تسوية وبالتالي فإنه لم يكن امامهم من خيار آخر سوى ان يخضعوا لمطالب السيستاني وخاصة بعد ان كانوا قد تشدقوا كثيراً بأهمية قيام نظام ديمقراطي في العراق كما تقول أولبرايت.

وقد ضمن الدعم الذي قدمه السيستاني في ما بعد لعملية الاقتراع والانتخابات نجاح هذا المشروع على الرغم من التهديدات الأمنية الكثيرة التي شهدها العراق، وتشير أولبرايت الاكاديمية المدافعة عن حقوق المرأة الى ان السيستاني أصدر ايضا تعليماته بأنه من واجب المرأة ان تدلي بصوتها سواء رغب زوجها في ذلك أم لا، وقد تمكن المرشحون المفضلون من السيستاني من إلحاق الهزيمة بهؤلاء الاشخاص الذين كانوا يرتبطون على نحو أوثق بالولايات المتحدة الامريكية، وتلاحظ أولبرايت أن آية الله السيستاني يعمل على النمط نفسه لأسلافه القدامى منذ قرون طويلة مضت الا انه يستخدم أساليب اتصالات أكثر تطوراً، وهو يقيم في منزل صغير في النجف ويتحلى بالتقشف والزهد في حياته ويمتنع السيستاني عن الحديث او القاء المواعظ علناً، وهو يرفض ايضا ان يلتقي مباشرة مع أي مسؤولين امريكيين، وتقوم مجموعة من المستشارين المهرة المحيطين به بدعم صورته التي تتسم بالهيبة وهو يتمتع بنفوذ رائع من خلال شبكة المنظمات الاجتماعية والخيرية التي يشرف عليها.

ولكن أولبرايت تنوه بأن السيستاني لا يتمتع بنفوذ وقوة كبيرة تمكنه من ان يرسم الاجندة الوطنية للعراق، ولكن ليست هناك أي جماعة أخرى يمكن ان تحقق اهدافها من دون الحصول على موافقته.

وتقول الوزيرة الامريكية السابقة في ملاحظات دقيقة تعكس بعدها الاكاديمي البارز: إن السيستاني يستخدم نفوذه لكي يضمن ان الدين الاسلامي يلعب دوراً بارزاً في صياغة المجتمع والقانون في العراق. وسيتم اختبار مدى حكمة وحنكة السيستاني مراراً بينما يتنافس المسلمون المحافظون الذين عانوا لفترة طويلة من القمع مع اشخاص معتدلين ومدافعين عن حقوق المرأة وذلك من أجل تحديد مدى تسامح وتنوع ألوان العراق الجديد المنشود.

وهو دور مقتدى الصدر تقول المؤلفة: ان هذا الزعيم الديني المثير للجدل الشاب يعتبر منافسا من نوع ما للسيستاني. وينحدر الصدر من عائلة دينية رئيسية ولها دورها التاريخي سابقا، فقد كان جده الأكبر قد اكتسب شهرة كبيرة عندما قاد التمرد الشيعي المعروف ضد القوات البريطانية في العشرينات وقد اغتال بعض “الأوغاد” والده في عام ،1999 وكان هو أيضا شخصية دينية مهمة جدا.

وقد أصر مقتدى الصدر على أن يتمسك بتقاليد عائلته الخاصة بالتمرد ولكنه لم يحسم أمره حول الطريقة المثلى لتحقيق ذلك.

وتعلق أولبرايت على تصرفات مقتدى الصدر فتقول: إنه اتبع استراتيجية تتسم بالتخبط والغرابة: وكان يدعو أحيانا أنصاره في جيش المهدي الذين لا يتمتعون بتنظيم جيد، إلى شن هجمات على قوات التحالف، وأحيانا أخرى كان يتخذ مواقف الدفاع. وفي بعض الأحيان كان يعد بالتخلي عن العنف و الدخول في مجال العمل السياسي. ولكن أولبرايت ترى أن دوره يعتبر حرجا بسبب إسلوبه الديماغوجي الذي يجعله أكثر شعبية بالمقارنة مع شخصيات أخرى بين الفقراء والمحتاجين في بغداد سواء كانوا من الشيعة أو السنة. و يتيح هذا الموقف لمقتدى الصدر دوراً مهما لكي يقوم بترجيح كفة الأمور، من حيث اختياره للمساعدة في لم شمل العراق أو فصم عراه. ولذلك فإنه يعتبر بمثابة “بوتقة اختبار” لمدى تقدم العراق. وإذا كان اسمه يرتبط بالجهود الرامية إلى تعزيز الوحدة الوطنية فإن هناك عندئذ أسبابا تدعو إلى التفاؤل والتشجيع. وإذا ما كان اسمه يرتبط من ناحية أخرى باندلاع القتال، فإن التوقعات التالية ستكون متسمة بالخطر المتزايد.

وتعيد أولبرايت إلى الأذهان مرة أخرى أن الشيعة والأكراد قد تمكنوا من السيطرة على مقاليد الأمور عندما تمت الإطاحة بحكم صدام وعلى العكس من ذلك فإن السنة العرب فقدوا سلطاتهم السابقة.

وللمرة الأولى بعد أكثر من ثمانية عقود من الزمن فإن السنة أصبحوا فجأة خارج اللعبة السياسية الرئيسية. وفي عام 2003 قام المسؤولون الأمريكيون في العراق بحل الجيش العراقي ومنعوا أعضاء حزب البعث الحاكم من قبل من تولي أي وظيفة عامة.

وتضم أولبرايت صوتها إلى المنتقدين في جميع أنحاء العالم لهذا الإجراء وتصف هذا القرار بأنه كان يفتقد إلى الحكمة حيث أدى إلى حرمان البلاد من هياكل أمنية وكذلك أصبح عشرات الآلاف من السنة بلا عمل في وقت كانت البلاد محتاجة فيه إلى موظفين أكفاء يديرون دولاب العمل. وقد أصيب عدد كبير من السنة العرب بصدمة كبيرة نتيجة لانهيار مكانتهم. وكان بعضهم يعتقد على نحو صادق حتى الآن بأنهم يمثلون أغلبية الشعب العراقي. ولكن الخبراء يتفقون على أن نسبتهم تقرب من 20 في المائة من مجموع السكان العراقيين.

وتتحدث الوزيرة الأمريكية السابقة عن افتقاد الطائفة السنية إلى زعيم له مكانة كبيرة مثل السيستاني. وقد تم اغتيال بعض أبرز الناطقين باسمهم، بينما تلوثت سمعة بعضهم الآخر بسبب ارتباطهم السابق بصدام حسين، وهناك أيضا مجموعة أخرى منهم من بين المثقفين السابقين الذين ليس لهم أنصار في العراق.

وقد حض بعض أكثر أعضاء الطائفة السنية نفوذا على المقاومة ضد الاحتلال، على الرغم من أن هناك خلافا داخل صفوفهم حول مدى درجة العنف التي يمكن أن يكون لها مبرراتها. وقد تم في الوقت نفسه تجنيد أعداد غير معروفة بالضبط من “الإرهابين” للعمل داخل العراق ومن أجل شن الحرب ضد الأمريكيين (الكفرة). وتوجه الاتهامات إلى قوات الاحتلال بأنها تسعى إلى سلب خيرات العراق والهجوم والاساءة الى الدين الإسلامي، وتتطرق أولبرايت هنا إلى أبومصعب الزرقاوي الذي لقي مصرعه مؤخرا في العراق. ومن الواضح أن هذا الكتاب كان قد تم الانتهاء منه قبل هذا الحدث الذي يعتبره البعض بمثابة نقطة تحول بالنسبة لتوفير الأمن والاستقرار في البلاد. ولكن أولبرايت كانت حذرة جدا بالاشارة إلى أن هناك جماعات أخرى عديدة لها رؤوس متعددة تعتبر مسؤولة عن بعض أبشع الأعمال الارهابية ضد العراقيين الأبرياء ومن بينها عصابات قامت بأعمال التفجير والهجمات ضد قوات الأمن وكذلك الاغتيالات وممارسة أعمال التخريب. وتحذر أولبرايت من أن هذه الجماعات الارهابية تبدد موارد البلاد وتهدد بالزج بالعراق في صراع طائفي أكثر اتساعا.

وفي المقابل فإن الزعماء الأمريكيين يصفون المواجهة في العراق كمعركة بين قوى الحرية وقوى الطغيان. ويحاول المسؤولون الأمريكيون من دون أن يحققوا النجاح الكبير أن يقللوا من أهمية البعد الديني كما تقول أولبرايت.

ولكنها ترى أنه من الخطأ القول إن كل العراقيين متدينون وخاصة لأن الملايين منهم تركز على الصراع من أجل البقاء يوما بعد يوم.

ولا يتوافر لهذه المجموعة الكبيرة من العراقيين الوقت الكافي للتركيز على اهتمامات أخرى. ومع ذلك فإنها توضح كلامها بالتأكيد على أن الدين والعقيدة يعتبران أمراً محورياً بالنسبة لهوية معظم العراقيين.

ومنذ سقوط بغداد فإن الزعماء الدينيين قد أظهروا مراراً مقدرتهم على جذب أعداد كبيرة من الناس إلى الشوارع لدعم قضية مفضلة بالنسبة لهم هنا أو هناك. ولا تكف أولبرايت عن توجيه النقد اللاذع إلى سياسات بوش في العراق فتقول: إن إدارة بوش المعروفة بمبادراتها التي تستند على العقيدة المسيحية تشعر بأنها أكثر ارتياحا للعمل مع زعماء علمانيين بدلا من التعامل مع عراقيين يعتبرون الدين أمرا محوريا بالنسبة لهم، وكذلك فإن إدارة بوش لا تشعر بالارتياح بالنسبة للتعامل مع الاحزاب السياسية العراقية: ويمكن أن نلمس مدى صحة هذا الكلام حتى إذا كان الزعماء الدينيون من المعتدلين في توجهاتهم وإذا ما كانوا يقبلون بصفة عامة الأهداف الامريكية.

وتشير الوزيرة الأمريكية السابقة إلى أن الدلائل على صحة ذلك برزت خلال الاستعداد للجولة الأولى للانتخابات في يناير/ كانون الثاني عام 2005. وقالت إن المعهد الوطني الديمقراطي الذي ترأسه قد عمل على نحو مباشر مع الأحزاب السياسية العراقية “وهي تستعد لهذا الحدث التاريخي”.

وكان البرنامج الذي رسمه المعهد يستهدف مساعدة الأحزاب السياسية على تفهم آليات العملية الانتخابية وتنظيم أفكارها وأساليب الدعاية الخاصة بها وإعداد قوائم للناخبين وضمان اتاحة الفرص لمشاركة المرأة، وكانت مقدرة المعهد على ممارسة العمل في مكان تسوده الصراعات مثل العراق تعتمد عندئذ واليوم على ممارسته للحياد ولا يمكن أن ينظر إلى المعهد على أنه يؤيد طائفة ضد أخرى.

وستروي لنا أولبرايت في الفصل المقبل إحساسها بالصدمة لما اكتشفته من تصرفات لوزارة الخارجية الأمريكية!!




تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 06:16 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/32151.htm