السبت, 24-فبراير-2007
أمينة خيري -
الحرية الالكترونية ساحة صراع
لم يزد الأمر عن اعتقال شخص بسبب آرائه الفكرية والسياسية، وذلك شيء «مألوف» في بلاد العرب، لكنه أدى الى اعتصامات لمجموعات من الشباب الأوروبي على أبواب السفارات المصرية في عدد من دول أوروبا الغربية. صنعت الانترنت هذا المشهد «المختلف»، إذ دعا موقع منظمة «صحافيين بلا حدود» مناصريه الى المشاركة في حملة تضامن مع «البلوغر» المصري عبدالكريم سليمان الموقوف لدى نيابة أمن الدولة، بسبب الآراء «الجريئة» التي يُعبّر عنها في مُدوّنته الالكترونية.

وفي زمن الانترنت، اتسعت آفاق التعبير عن الرأي وتنوعت، وكذلك اتسعت سبل حماية الرأي من التسلط والقمع.

وليس ما ورد حادثاً مفرداً؛ وليس ببعيد من الذاكرة أن «حزب العمل» نقل جريدته «الشعب» الى ألياف الانترنت عندما ضاقت بها السلطات الرسمية ومنعتها. وصار نافلاً القول ان أعداداً متزايدة من شباب مصر تنظر الى الانترنت باعتبارها بديلاً لقنوات الإعلام الرسمية والقومية التي لا تخرج عن إطار كونها لسان حال النظام القائم الذي ما زال يسيطر سيطرة كاملة على أكبر الصحف والقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ويعتبرها أدواته الإعلامية التي يجب ألا تعبر إلا عن وجهة نظر أصحاب القرار.

وكما في السياسة، كذلك في الأُسرة. إذ ينفرد الأبوان، بل غالباً الأب في مجتمعاتنا الذكورية، بالقرار، ويُصادران حق الأبناء في استـــخدام الهاتف، إلا ضمن حدود السيطرة العائلية ورقابتها.

وأحياناً، يُمنع حتى الابن، من الاتصال بالأصدقاء الذين يصنفهم الأهل تحت بند «أصدقاء السوء». ويتكرّر اقصاء الشباب عن القرار في المدارس والثانويات أيضاً، فلا يقرأون إلا ما يجده النُظّار والمُديرون «مناسباً»!

وفي المقلب الآخر من الصورة، لعب الخليوي دوراً حــــيوياً في كسر الكثير من القــيود على حق المعرفة بالنسبة الى ملايين المراهقين والــــشباب في مصر.

والمعلوم أن عدد أصحاب الهواتف المحمولة في مصر يبلغ حالياً نحو 19,6 مليون، يتوقع أن يصلوا إلى 22 مليوناً في منتصف العام الحالي. ويُمثّل الشباب نسبة كبيرة من هذا الرقم. وبالنسبة الى الانترنت، يمكن الحديث عن حال من التنبّه المرتفع مصرياً بالنسبة الى الآفاق والقدرات التي تتيحها تلك الشبكة في مجال التعبير عن الرأي وحمايته، وبالتالي التفلّت من قيود القمع والمصادرة والكبت والمنع وغيرها.


صراع على الحريات الالكترونية

تتحدث المُعيدة في قسم المكتبات في كلية الإعلام في جامعة القاهرة السيدة نرمين عبدالقادر عن دراسة أعدّتها تحت عنوان: «رقابة شبكة الإنترنت: دراسة لتطبيقات برامج الحجب في المكتبات»، أشارت فيها الى مجموعة من الظواهر السلبية مستجدة مصرياً بالنسبة الى الانترنت. وبرزت تلك الظواهر مع تزايد انتشار الإنترنت واستخدامها من شرائح اجتماعية عدّة؛ إضافة الى الخبرة المتراكمة زمنياً في تعامل الجمهور مع تلك الشبكة. وتشير الى نجاح هذه الوسيلة التكنولوجية كنظام اتصالات جديد متطور له امكانات واسعة، يضعها بسهولة بين يدي الجمهور الالكتروني. وفي المقابل، فإنها تنظم ذلك الجمهور في مجتمع واسع من الأفراد المتنوعين. وبذا، تظهر التفاوتات بين أفراد جمهور الانترنت، فيظهر بينهم من يحترم قيمة وسائل الاتصالات الحديثة المبنية على العلم، ومن يستغله ويُسيء استخدامه.

وبالتالي هناك عواقب وخيمة ومخاطر عدة يمكن أن يتعرض لها المستفيدون أثناء اتصالهم بالخطوط الرقمية بصورة مباشرة. ومن أهم تلك المخاطر إتاحة المواقع التي تعرض المعلومات (المصحوبة أحياناً بالصوت والصورة) والتي تتعلق بموضوعات شائكة مثل التعصب الديني والعنصرية والعنف والسياسة والجنس. وترى ان تلك الأمور ربما تستغلها، وبطريقة قد تصل الى الجريمة المعنوية، جهات قد لا تهتم سوى الزواج والشهرة والكسب المادي.

وفي سياق متصل، ترى الدكتورة رشا عبدالله؛ أستاذة الإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة وصاحبة عدد من الكتابات عن الإنترنت وآثارها في العالم العربي؛ إن الإنترنت مصدر مهم جداً للمعلومات، وحين تكون في العالم العربي فهي تكتسب قدراً أكبر من الأهمية وذلك في ظل شح مصادر المعلومات المتاحة أصلاً.

وتقول عبدالله: «جميعنا يعلم مدى صعوبة الوصول إلى المعلومة في بلادنا... حتى الصحافي يواجه صعوبات جمة في سبيل الوصول إليها... ولا يسعني إلا أن أنظر الى الإنترنت باعتبارها نافذة جديدة للمعلومات انفتحت على عالم بالغ الاتساع ومتاح لكل من لديه إمكان استخدام هذه التقنية».

وترفض عبدالله تماماً أي حديث عن منع أو مصادرة لما يرد على الشبكة العنكبوتية تحت حجة حماية جمهور الإنترنت من المعلومات المغلوطة أو الكاذبة أو المضللة. وتشرح رأيها بالقول: «هناك العشرات من الوسائل للتحقّق من صحة المعلومة وصدقيتها. فمثلاً طبيعة الموقع الذي ينشر المعلومة وهوية القائمين عليه يساعدان في تحديد مدى صدقيته. فإذا كان موقعاً مثل «مراسلون بلا حدود» أو «منظمة العفو الدولية (أمنستي)»، فإن الوضع يختلف عن وجهة نظر فردية».
اعطت الانترنت النساء قوة «غير تقليدية»


وتنبّه عبدالله الى أن «حتى في حال قيام شخص ما بكتابة محتوى أو معلومات على الإنترنت، فقد تكون ذات قيمة كبيرة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك عالم المدونين المصريين الذين أثبتوا أن الكثير مما يدونونه على شبكة الإنترنت معلومات حقيقية، بل انهم فجروا عدداً من القضايا التي لم يسمع بها أحد مثل فضيحة التحرش الجنسي في شوارع وسط القاهرة، وذلك إما بسبب عدم التفات الإعلام لها أو لعدم معرفته بما حدث».

ويذهب جمال عيد المدير التنفيذي لـ «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» الى رأي مُشابه. ويرفض الحديث عن سلبيات في استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة للوصول إلى المعلومات، قائلاً: «الإنترنت وسيلة في ايدي الجميع. أما القول بأن المعلومات المغلوطة سلبية يجب وضع القيود عليها فهو مستحيل».


الجوع المعرفي عربياً

ويُشبّه عيد المعلومات المتاحة من خلال الوسائل التقنية الحديثة بمن ظل جائعاً لسنوات طويلة، وفجأة أتيح له الطعام، ويصعب أن نتوقع منه اتباع قواعد الإتيكيت في تناول ما وجده من طعام في المرحلة الأولى. ويرى أن هذا الجائع أشبه بالمواطن العربي الذي ظل يعاني القمع والكبت سنوات طويلة، وفجأة وجد المعلومات متاحة أمامه وبوفرة. ويضيف: «وعلى من يرى خطأ في معلومة ما أن يصححها». ويؤكد أن تقنية شأن المدونات أشبه بالصحافة الشعبية شأنها شأن الرسائل القصيرة والفضائيات التي تتيح للمشاهد التعليق على الخبر أو المعلومة أو الرأي بلغته وطريقته الخاصة ومن ثم التواصل الفعلي مع قضاياه اليومية، وهي أمور كانت غائبة تماماً في ما مضى.

ويقول: «في واقع تهيمن عليه ثقافة التشكيك في الآخر والحذر من الجديد، تصبح شبكة الانترنت في موضع هذا «الآخر» بما تتيحه من تواصل وتعدد في الآراء ووجهات النظر وتداول للمعلومات من دون إذن «أولي الأمر» الذين دأبوا على طرح رؤاهم هم والسماح بتداول المعلومات التي لا تتعارض مع هذه الرؤى، وذلك عبر إحكام السيطرة على وسائل الإعلام التقليدية والتضييق على حرية الصحافة وحرية التعبير. ومن الواضح أن رؤى الكثير من قطاعات المواطنين الذين يعيشون في هذا الجزء من العالم مثل الصحافيين والناشطين السياسيين والحقوقيين بل ونسبة كبيرة من الشباب العربي، تأتي متعارضة مع رؤى «أولي الأمر» أو الحكومات العربية بتعبير آخر».


للحرية الالكترونية جوانب سلبية

هذا الاتجاه يخالفه تماماً كثيرون يرون في وسائل الإعلام المتطورة «هدماً للقيم وإفساداً للعقول» قبل أن يروا فيها إثراءً للمعلومات وتعويضاً لعقود طويلة من الجفاف المعلوماتي. فمثلاً، يرى أستاذ الاجتماع الدكتور عدلي حسن أن وسائل الاتصال الحديثة عامرة بقدر هائل من المفسدات، لا سيما بالنسبة الى الشباب. ولذا، يُعبّر حسن عن عميق قلقه من «عدم خضوع الإنترنت لقواعد منظمة لنوعية المعلومات الواردة عليها، سواء تلك التي تندرج تحت بند المواد الإباحية أم التي تروج لقيم وأفكار مناهضة للقيم الشرقية الأصيلة والعادات والتقاليد التي تميز مجتمعاتنا، وبهذه الطريقة سنتحول إلى مسخ للمجتمعات الأخرى التي لا هوية لها».

ويستمر حسن في التعبير عن مخاوفه من آثار التقنيات المعلوماتية الحديثة قائلاً: «إن الهواتف المحمولة المتداولة بين أيدي الشباب عالم مخيف بما تحويه من رسائل بالصوت والصورة لا يعلم فحواها إلا الله».

وفي سياق متصل، أنشأ المكتب الإقليمي لـ «اليونيسف» في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أخيراً موقع «أصوات الشباب باللغة العربية». ويتوقع مسؤولو تلك المنظمة الدولية زيادة مستمرة في عدد مُستخدمي الإنترنت في المنطقة العربية، ما يفيد في تزويد المراهقين والشباب بفرصة للتواصل مع الناطقين باللغة العربية، والانخراط في حوارات مع أندادهم، إضافة إلى استخدامها كمرجع للمواضيع المختلفة التي تتعلق بهذه الفئة العمرية.

ويسعى هذا الموقع الى جذب المراهقين الى نقاشات حول حقوق الأطفال، وتنظيم نشاطاتهم بطرق مبتكرة، وتحفيز المراهقين العرب وأقرانهم على إثراء المناقشات الخاصة بالقضايا التي تمس حياتهم كأفراد وكجماعات. كما تأمل المنظمة أن «يسهل الموقع التواصل بين الشباب وصناع القرارات المتعلقة بهم في المنطقة».

وفي المقابل، تعي منظمة «اليونيسيف» أن للانترنت وجوهاً سلبية. فيورد موقعها أن: «لسوء الحظ لا يمكنك أن تثق بكل ما تقرأه أو تسمعه أو تراه... فالمنظمات والمؤسسات والأفراد يميلون إلى أن تكون لهم أهداف ومعتقدات تؤثر في المعلومات التي يختارون تقديمها وكيفية تقديمها... وحتى المصادر التي تهدف إلى تقديم جميع جوانب القصة قد تشوّه الحقيقة نتيجة عوامل عدة مثل محدودية الموارد (لذا قد لا يعرفون كل الحقائق)، أو القيم التي يحملها كاتب المادة (مثل الرغبة في جعل القصة مشوّقة أو ذات علاقة بالجمهور المحلي)، أو الانحياز اللاواعي، أو ببساطة لأنهم ارتكبوا أخطاء! إذاً يتوجب عليك أن تستخدم مصادر عدة للتحقق من المعلومات والنتائج وللحصول على جميع جوانب القصة».

وثمة مساحة خاصة للمرأة في مسألة الحرية الالكترونية. مثلاً، ادّخرت شيماء (طالبة جامعية من أسرة متوسطة)، من مصروفها الشهري الضئيل أملاً بشراء جهاز كومبيوتر ولو كان مستعملاً. ولكن والدها اعترض بشدة قائلاً: «لم نحل كل مشاكلنا ولم نُلبِ كل متطلباتنا الحياتية حتى نشتري مثل هذا الجهاز الترفيهي. وإذا كان أخوك لا يستخدم الكومبيوتر، فمن سيكون المسؤول عن متابعتك أثناء استخدامه»؟

ويشي واقع الحال بأن النساء والفتيات يحتجن هذه الوسائل المتطورة للحصول على المعلومات، وكذلك للتعبير عن أنفسهن.

ويرى مسؤول «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» أن وسائل الاتصال الحديثة لا سيما الإنترنت خدمت المرأة في شكل واضح في الكثير من الدول العربية، لا سيما مصر والسعودية. ويقول: «المجتمع في مصر ذكوري بطبيعته، والانترنت أتاحت للمرأة وجوداً أقوى وصوتاً أعلى». ويضيف: «أقف أحياناً مبهوراً أمام مشاركة المرأة السعودية الواضحة جداً في منتديات الإنترنت والتي أثبتت من خلالها قدرة فائقة على التعبير عن نفسها والمشاكل من حولها».

تعمل السيدة نجاة رشدي منسقة إعلامية لبرنامج «اقتدار» التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي يهدف إلى خفض نسب الفقر باستخدام وسائل الاتصال الحديثة، لا سيما لدى الشباب والنساء من خلال تكنولوجيا المعلومات. وترى رشدي أن: «لو لم نمكن الأفراد، فإن المجتمع سيقف مكانه من دون حراك».

وتتحدث رشدي عن الشباب العربي الذي يعاني دوماً من ثقافة الإسكات إلا بأمر «أولي الأمر»، وهي الثقافة التي من شأنها أن تزيد من إغراق هذه المجتمعات في مزيد من التأخر وعدم اللحاق بالركب العالمي».

أما الدكتورة عبدالله فترفض تصنيف الاستفادة من الإنترنت على أساس النوع. تقول: «الفائدة من وسائل الاتصال الحديثة تعود على الكل، وإن كان الشباب من الجنسين هم الأكثر استفادة بحكم الفئة العمرية. إذاً فالمجتمع اول المستفيدين».


*الحياة
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 12:04 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/40788.htm