المؤتمر نت -

الأربعاء, 01-يوليو-2009
القاصة السعودية / سعاد الحلمي -
الرف المهجور.. قصة قصيرة لـ(سعاد الحلمي)
في ليلة قمرية ، حيث انتظمت النجوم السمائية كعقود جوهرية ، وحل فيها الظلام على دولنا العربية ، قالت لي جدتي بنبرتها الشجية ، بينما كانت تمسح بيدها على شعيراتي الغجرية :_ هل تريدين سماع قصة واقعية ، ياطفلتي الشقية ؟
أجبتها : _ نعم يامؤنستي الأبدية .
فأصدرت زفرة قوية، ثم صلت على نبينا محمد واله خير البرية، وحكت لي هذه القصة الشرقية حيث قالت:
عاش في إحدى القرى في الناحية الغربية, شيخ من أهل التقية ، وقد انشغل بالأمور الدينية ، كدراسة الروايات النبوية والعلوم الفقهية ، والآيات القرآنية ، والكتب الثقافية, والموسوعات العلمية ، وكان لهذا الشيخ قصر عظيم كأنه من عهد الخلافة الأموية ، أو لسلاطين الدولة العباسية استلمه كورثة عائلية استلمه كورثة عائلية .

وفي القصر غرفة جانبية وهي مكتبة أثرية حوت الكثير من الكتب العالمية، وكان شيخنا يجلس فيها للمطالعات اليومية، والقراءات المسائية، وقد حرم دخولها على كل جان أو إنسية.

ولهذا القصر خادم ضخم القامة ، فيه الكثير من مظاهر الوسامة ، أحبه الشيخ لالتزامه , وكثيرا ما أثنى على اهتمامه ، أما هو فيحترم في شيخنا حسن كلامه وكثرة قيامه ودوام صيامه وعلو مقامه .

كما كان في القصر خادمة عجوز نمامة ، لها أربع بنات عقولهن كعقل اليمامة ، وأجسادهن ضخمة كالنعامة ، ولهن ملامح بشعة مثل أبي دلامة ، وقلوبهن قاسية كأرض لم تزرها غمامة ، فلم يتزوجهن أحد ، خوفا على نفسه من الندامة ، وكم حاولت العجوز جذب انتباه الرجل الجليل إلى إحداهن لكنه انشغل عن الكل بالعلم والتحصيل ، واستمر هذا الحال زمن طويل ، ولم يعد الأمر يحتمل التأجيل ، فقررت العجوز أمرا خطير, بعد أن أخذت وقتا في التفكير ،وصممت على أن ماتريده يجب أن يصير ، قبل أن تمضي الأيام وتطير ،وبناتها يذبلن كوردة عمرها قصير !!! ، فاختفت من القصر فجأة دون تفسير في يوم من أيام الهجير ، بعد أن اتخذت كل التدابير !! .

استغرب الخادم والشيخ القدير، ولكنهما لم يحاولا جلب أجير، لعل الخادمة تعود بعد أسبوعين أو ثلاثة كأقصى تقدير.

وهكذا مرت الشهور بسرعة كتحليق الصقور، وبينما كان الاثنان يتناولان وجبة الفطور، قال الخادم الصبور لشيخه الوقور:

_ أتعلم ياشيخنا بالذي يدور خلف هذا القصر والسور ؟ أتذكر خادمتك العجوز ؟ التي تركتنا قبل شهور ؟ لقد تركت حياة الدور ، وسكنت في قصر لا ينقصه إلا أن يدور ، وزوجت بناتها وكأنهن بدور ، فالكبرى تزوجها تاجر مشهور ، والأخرى من طبيب ذاع صيت عائلته من أقدم العصور ، والوسطى من ابن أمير دولة يقال لها نيسابور ، والصغرى أصبحت عقيلة أثرى أثرياء القرية ..... ذلك الشاب ذو الصوت الجهور .
فانتفض الشيخ من مكانه ، وفقد فجأة اتزانه ، وترك طعامه وهو يستعيذ من الشيطان وأعوانه ، وذهب إلى الخزانة وأخذ منها مفتاحا دون أقرانه ، ثم ذهب مسرعا إلى غرفته الجانبية ، وفتح إحدى أدراج مكتبته العلوية فتوقف قلبه للحظات ظنها الخادم وقفة أبدية ، وعندما أفاق من صدمته القوية ، سأله الخادم عن سر هذه الخزانة الخفية, فأجابه وهو يحاول أن يتنفس بروية ، ويداه ترتجفان كورقة فتية لعبت بها رياح عاتية وقلبه لازال يرتجف وكأنه رأى جنية :

أنت تعلم أنني في حاجة إلى كل العلوم الدينية والفتاوى الشرعية والأحكام القرآنية، لأرد بها على ألسنة البرية وأدحض بعض الأفكار الجهنمية بحججي المنطقية... وكان من بين الكتب الضرورية كتاب يتوارثه علماء العائلة قبل حلول المنية، وهو الذي كان في العلية.... في تلك الخزانة السرية، يتحدث الكتاب عن السحر والسحرة وما يمكن أن يفعله الفجرة الكفرة ليضروا المؤمنين البررة... وجزاء من يقوم بإحدى أعمال الكتاب نار مستعرة , بعد أن يوارى في الثرى ويسكن المقبرة ، فتبا للإنسان ما أكفره ، فما فائدة الشجرة التي لاتخرج منها ثمرة .

سأله الخادم :

_ هل تعني ياشيخنا بأن العجوز الماكرة أخذت كتاب السحرة قبل خروجها من القصر منكسرة ؟ وعلى بناتها منقهرة وأصبحت به متكبرة وبأعوان إبليس مسيطرة ؟

فأصدر الشيخ تنهيدة من الجوف منكسرة ، وقال بصوت تخنقه العبرة :

لاتقل هذا فإنني أستعيذ بالله من هذه الفكرة ، والله أعلم بمن قام بهذه الفعلة النكرة التي أولها مسرة وآخرها مضرة ، فمن عمل بهذا الكتاب المهجور لن يرضى عنه مدبر الأمور ، ويصبح به كحيوان مسعور ملئ بالشرور ، وينسى حج البيت المعمور ودوران الدهور ، وبأن عمله في رق مسطور وفي الكتاب محفور ، حتى يسكن القبور فإذا نفخ في الصور سيصبح عمله على الخلق منشور ، وحتما هو في جهنم مزجور ، لأنه سيحرم من شفاعة النبي المحبور
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 25-أبريل-2024 الساعة: 12:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/71484.htm