السبت, 25-ديسمبر-2010
المؤتمر نت - عبدالملك الفهيدي عبدالملك الفهيدي -
خطاب لأجيال الوحدة !!
خطاب فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الأخير أمام ندوة جامعة عدن كان خطاباً استثنائياً في الشكل والمضمون ما يجعله يحتاج إلى تعاطِ واعِ مع مضامينه السياسية والتاريخية والثقافية بتمعن ورؤية وقراءة أبعاده وخلفياته والأهداف التي رام الرئيس تحقيقها في ذلك الخطاب الاستثنائي.

والحقيقة أن أي متابع للشأن اليمني سيقف طويلاً أمام المعلومات التاريخية التي جاءت في خطاب الرئيس حين تحدث بصراحة غير معهودة عما كان يدور وراء الكواليس بين مسئولي شطري اليمن –سابقاً- وهم يتقاتلون تارة ويتحاورن تارة أخرى من أجل شيء عظيم هو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.

ولعل ما يميز الخطاب الرئاسي أن مضمون حديثه عن الماضي لم يكن هدفه الحديث لمجرد الحديث أو لمجرد نبش الملفات؛ بل كان حديثاً تميز بالصراحة والشفافية والشجاعة في الاعتراف بأمور ربما لا يجرؤ أي سياسي يمني على أن يعترف بها وهو يتحدث عن قضية المسار التاريخي الذي مرت به عملية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية .

صحيح أن البعض يعرف أن حربي 72 و79 بين الشطرين –سابقاً- كانت محاولة من كل طرف لفرض الوحدة الفورية بالقوة على الآخر، لكن تلك المعلومات لم ترد بشكل رسمي إلا في خطاب الرئيس في جامعة عدن، فلأول مرة ينبري محقق الوحدة وحاميها الأول وفي هذه الظروف بالذات-التي تشهد بروز نتوءات ودعوات انفصالية وارتدادية- ليقول: إن الشمال كان يريد فرض الوحدة بالقوة على الجنوب عام 72م عبر جر الشمال إلى حرب ضد جنوب الوطن،وهو ذات الأمر الذي حاولت السلطة في جنوب الوطن فعله عام 79 حين قادت حرباً ضد شمال الوطن عبر ما كان يسمى بـ(الجبهة الوطنية)..

إن مثل هذه الشفافية في الحديث عن حقائق التاريخ تكتسب أهميتها في أنها صادرة عن رجل الدولة الأول في اليمن وعن المسئول عن حماية الوحدة، والأهم من ذلك أن الرئيس بتلك الشفافية إنما أراد أن يؤكد لأجيال الحاضر والمستقبل من شباب اليمن الواحد أن مسألة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كانت قضية مصيرية وحتمية لليمنيين سواء في شمال الوطن أم في جنوبه، ولم يكن الاختلاف سوى في رؤية الطرفين للكيفية التي يجب أن تكون عليها دولة الوحدة، فالجنوب كان يريدها دولة محكومة بنظام اشتراكي، فيما كان الشمال يرى في ذلك النظام كفراً وإلحاداً يجب القضاء عليه وإقامة دولة الوحدة على أساس النظام الإسلامي الرأسمالي.
واختلاف تلك الرؤى لم يكن له علاقة بإرادة الشعب اليمني في شمال الوطن أو جنوبه بقدر ما كان مرتبطاً برؤية القيادات الحاكمة التي كانت خاضعة لتفاعلات مشهد الانقسام الدولي الحاصل آنذاك، والذي كان يعرف بالحرب الباردة.. فالشمال كان أقرب إلى النظام الرأسمالي الغربي، والجنوب كان مرتبطاً بالنظام الاشتراكي السوفيتي.

ولأن الطرفين فشلا في إعادة تحقيق الوحدة عبر القوة وشن الحرب، فكان لا بد أن يسود الحوار والتفاهم الذي أخذ سنوات طوالاً وشداً وجذباً بفعل انعدام عامل الثقة- كما أوضح الرئيس في خطابه- بين قيادتي الشطرين لينتصر العقل وتتغلب لغة التفاهم والحوار على لغة الرصاص والقنابل، وليصل الطرفان إلى قناعة بضرورة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بشكل سلمي وهو ما تم بالفعل في 22 مايو 1990م.
وانطلاقاً مما سبق يمكن القول: إن تلك الجزئية في خطاب الرئيس كفيلة بإسقاط دعاوى أصحاب الثقافة الارتدادية والانفصالية التي تظهر بين الفينة والأخرى عبر حديث عن صيغ الكونفدرالية والفيدرالية والبحث عن مشاريع استعمارية على غرار الحديث عن جنوب عربي، أو الزعم بفشل الوحدة ، لأنهم بتلك الدعاوى ينسفون تاريخاً من النضال الوطني في سبيل إعادة تحقيق الوحدة- بعضهم شارك فيه- ويحاولون قسراً إلغاء حقائق التاريخ والتنكر لدماء الشهداء وآلاف الجرحى والمعاقين سواء الذين سقطوا خلال الحروب بين الشطرين – والتي كان هدفها إقامة الوحدة ولوبفرضها بالقوة- أو الذين سقطوا في ملحمة الدفاع عن الوحدة ضد محاولة الانفصال صيف 1994م، وأكثرهم من أبناء المحافظات الجنوبية الذين خرجوا رجالاً ونساءً وشباباً حاملين أرواحهم على أكفهم مرددين شعار: (الوحدة أو الموت). فكان النصر للوحدة ومن يقف خلفها فيما لاذ الانفصاليون بالفرار لأنهم كانوا بلا مشروع أو هدف..

إذاً الرئيس بشفافيته وصراحته أراد أن يقول لنا جميعاً لاسيما الشباب: أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كان هو هدف الجميع في شطري الوطن –سابقاً- حيث اندلعت الحروب وأريقت الدماء وسقط الشهداء ويُتّم الأطفال ورمّلت النساء وجرح الآلاف وأصيبوا بعاهات وإعاقات دائمة وكل ذلك باسم الوحدة ومن اجلها ،ومادام كل ذلك تم من اجل الوحدة فبأي حق يحاول البعض اليوم التنكر لهذه الحقائق التاريخية وإخضاع الوحدة لجدال ونقاش عبثي محكوم بمصالح فردية ضيقة ،وأوهام بالعودة إلى كراسي الحكم عبر محاولة السعي لتدمير أعظم هدف حققه اليمنيون في تاريخهم المعاصر .

وإذا كانت مضامين الخطاب الرئاسي كثيرة وتحتاج إلى أكثر من قراءة.. وأكثر من تحليل ،إلا أن هذه الجزئية بالتحديد تحتاج إلى أن تستوعب في التعاطي الإعلامي والسياسي والأكاديمي والتعليمي حتى تدرك الأجيال القادمة أن موضوع الوحدة اليمنية قضية تاريخية ومفهوم حياة بالنسبة لليمنيين وليست مجرد معنى شكلي يمكن تجريده من جوهره التاريخي والثقافي والفكري في حياة الشعب اليمني وتحويله إلى مسألة قابلة للنقاش والمساومة والجدال عليها من قبل شخوص أو جماعات مهما كانت مواقفها أو مناصبها أو أهواؤها، أو ما تسعى إلى تحقيقه، فالوحدة ليست ملكاً لشخص أو جماعة أو مجموعة بل هي هوية شعب هو من يحميها ويحرسها .
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 11-أكتوبر-2024 الساعة: 11:19 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/87083.htm