قراءات في مسيرة الوحدة
اليمن نموذج للوحدة
كتبت صحيفة اللوموند بتاريخ 9/10/1990 مقالاً تحت عنوان "اليمن نموذج للوحدة" بقلم محمد السقاف.
يقول الكاتب
اليمن نموذج الوحدة
الوحدة المعلنة بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي في 22 أيار الماضي تشكل أو عملية توحيد سليمة بين دولتين منقسمتين منذ مثال فيتنام العنيف سنة 1975. ومع الأزمة الخطيرة التي تجتازها منطقة الخليج فإن الحالة اليمنية تذكر كنموذج سواء من قبل مؤيدي أو خصوم الرئيس العراقي صدام حسين.
فبالنسبة للمؤئيدين للرئيس العراقي، رجعت الكويت إلى الوطن الأم أي العراق مثلما رجعت الجنوبي إلى اليمن الشمالي. أما بالنسبة لخصوم الرئيس العراقي فإن للعراقيين مطالب في الكويت،ولكن ليس مقبولاً منهم ضم الكويت بالقوة العسكرية، بل كان عليهم أن يحذو حذو اليمن والأخذ بنموذج الوحدة السلمية بين اليمنيين.
وتجدر الإشارة إلى أن توحيد اليمنيين قد تم بسرعة بفصل البريستويكا الغورباتشوفية والتحولات التي حصلت في البلدان الأوروبية الشرقية في نهاية عام 1989م، وبفضل هذين العاملين كذلك تم توحيد الألمانيتين، ولكن وعلى عكس الوحدة بين اليمنيين فإن قوة أو قدرة ألمانيا الفيدرالية الاقتصادية يسمح لها بمساعدة ألمانيا الشرقية مالياً،ومادياً، حتى تتمكن من تجاوز المشاكل الاقتصادية، وإزاحة العراقيل التي تقف أمام عملية توحيدها على الصعيد الدولي.
وإذا كانت حالة اليمن تشبه المثال الألماني من جهة عملية التوحيد بين دولتين ذاتي نظامين متناقضين سياسياً، اقتصادياً، فهما يتمايزان بمستوى التطور، ودرجة الفقر التي تعاني منها دولتا اليمن الشمالي والجنوبي بالمقارنة بمستوى تطور وثراء ألمانيا. فاستناداً إلى آخر تقارير البنك الدولي عن التنمية. أدرجت اليمن الجنوبي بين الدول ذات الدخل الضعيف حيث يبلغ دخل الفرد السنوي 432 دولاراً لسنة 1988م، بينما يبلغ دخل الفرد السنوي في اليمن الشمالي (640) دولاراً، حيث يعتبر من الدول ذات الدخل المتوسط.
أن هذه الحالة تتباين كثيراً مع وضع ومستوى بلدان شبه الجزيرة العربية كالعربية السعودية، والكويت، والإمارات المتحدة التي يبلغ دخل الفرد الواحدة فيها سنوياً على التوالي لنفس العام 1988م (6200، 13400، 15770 دولار). إن حالة الفقر في اليمنيين لا تعود إلى غياب وانعدام وجود ثروات تحت الأراضي اليمنية أو غياب القدرة على المبادرة والقيام بالمسعى والتجديد،وهي قوة الشعوب المحرومة من الثورات الطبيعية مثل بلدان آسيا الحديثة التصنيع، بل بسبب عوامل مختلفة داخلية وخارجية عرقلت وكبحت الانتعاش الاقتصادي في اليمنيين.
يكفي باختصار التذكير بأن مدينة عدن، التي أصبحت العاصمة الاقتصادية للجمهورية اليمنية الجديدة، كانت في سنوات الخمسينات (فترة الاستعمار الإنجليزي) ملتقى التجارة البحرية الدولية، ولم يسبقها أو يتقدم عليها في هذا المجال، وفي نفس تلك الفترة سوى ليفربول، ولندن، ونيويوك...
كان يرسو فيها أكثر من ستة آلاف سفينة تجارية وثلاثة أرباع النقل، والتجارة البحرية التي تعبر قناة السويس قبل إغلاقها سنة 1967م، كانت ترسو في ميناء عدن.
أن بداية انحدار أهمية هذا الميناء كانت بعد الاستقلال حيث انخفض عدد السفن المارة بالميناء إلى أقل من 2.000 كانت تستخدم خدمات الميناء اليمني الجنوبي.
أن الركود الاقتصادي الذي عانت منه البلدان العربية في الخليج أبان سنوات الثمانينات إثر انخفاض أسعار النفط الخام قد سدد ضربة مؤذية للاقتصاد اليمني الجنوبي والشمالي،وهكذا فالتحويلات المالية القادمة من المهاجرين اليمنيين الشماليين، التي بلغت سنة 1980-1983 معدلات تتجاوز المليار دولار قد انخفضت سنة 1987 إلى 863 مليون دولار ونقصت أكثر سنة 1988م. والحال أن هذا الدخل المالي يمثل بين عامي 1982- 1985 حوالي 40% من الدخل السنوي العام لليمن الشمالي.
ونفس الشيء، فيما يخص التحولات المالية باتجاه اليمن الجنوبي، انخفضت من 491 مليون دولار سنة 1984م إلى 253 مليون دولار سنة 1988م. وعلى صيد المساعدة العامة للتنمية من جميع الأطراف. فإذا كانت اليمن الشمالي قد حصلت سنة 1982م، على مبلغ 412 مليون دولار، فإنها لم تصل على سوى 223 مليون دولار سنة 1988م، وسجلت اليمن الجنوبي أيضاً انخفاضاً مشابهاً في نسبة المساعدات العامة للتنمية، حيث انخفضت من 143 مليون دولار سنة 1982م إلى 86 مليون دولار سنة 1988م.
إلى جانب ذلك فإن الدين الخارجي لليمن يشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد في ا لجمهورية اليمنية الجديدة.
فدين اليمن الشمالي الخارجي سنة 1988م، بلغ 2948 مليون دولار، بينما بلغ دين اليمن الجنوبي الخارجي 2.93 مليون دولار، مما يمثل 42% و 119% من الدخل السنوي العام للدولتين على التوالي.
ومنذ ذلك الحين أزداد مقدار الدين. فحسب مجلة "ميدل أيست بيزنيس ويكلي) استناداً على مصادر يمنية رسمية فإن الدين الخارجي لليمنيين مجتمعين ارتفع من 5041 مليون دولار في نهاية عام 1988 إلى 7256 مليون دولار حتى نهاية شهر آذار لسنة 1990م.
فحصة اليمن الشمالي 2830 مليون دولار، بينما حصة اليمن الجنوبي أكثر من الضعف قليلاً حيث بلغت 3466 مليون دولار. علاوة على ذلك فإن الدين الخارجي للجنوب والشمال في معظمه هو دين مستحق وثنائي...
اللوحة كما تبدو الحالة لكنها ليست استثنائية بالمقارنة بالغالبية العظمى للبلدان النامية، وانطلاقاً من هذه الحقيقة، ما هو المستقبل الاقتصادي للجمهورية اليمنية الجديدة؟ بعبارة أخرى بماذا ستساهم الوحدة ين اليمنيين في إنعاش الاقتصاد الوطني وانطلاقته؟ لو وضعنا جانباً الانعكاسات والنتائج الثانوية نسبياً للاقتصاد في مجال المصادر البشرة والمادية التي تتطلب وجود دول ذات سيادة، فإن آمال اليمنيين مركزة أساساً على النقط ونتائجه الاقتصادية،وعلى ا لانفتاح الديمقراطي الليبرالي للبلد، بفضل الوحدة سيكون لجمهورية اليمن إنتاج نفط سيرتفع حتى نهاية سنة 1990م من (230.000) إلى (340.000) برميل في اليوم، وسيبلغ حوالي الـ (300.000) برميل في اليوم سنة 1991م، وسيصل معدل الإنتاج إلى (500.000) برميل يومي بين 1994-1995 عندما تدخل حقول النفط في شبوة في مرحلة الإنتاج، وقدرت الاحتياطات النفطية بـ (4.5) مليار برميل، وإلى جانب النفط الخام يمتلك اليمن الشمالي احتياطات مؤكدة ومضمونة من الغاز الطبيعي قدرت بـ (7.000) مليار متر مكعب وحسب نشرة النفط والغاز العربي فإن الاحتياطات الحقيقة للغاز الطبيعي ستكون (20.000) مليار متر مكعب. هذا إلى جانب حقيقة أن مصفاة عدن التي لها في الوقت الحاضرة قدرة إنتاجية تبلغ (170.000) برميل يومياً، ستضمن للجمهورية اليمنية الجديدة الإمكانيات لتصفية نفط البلد الخام محلياً وجزء من النفط الخام لبعض البلدان العربية والأجنبية كالاتحاد السوفيتي.
إن الارتفاع العام في أسعار النفط الخام إثر أزمة الخليج يمكن أن يمثل بالنسبة لليمن دخلاً مالياً ذو دلالة.
مما سيتيح له تخفيف العجز في ميزان المدفوعات وتعويض النتائج السلبية والمؤثرات السلبية الناجمة عن الحظر الاقتصادي الدولي المفروض على العراق.
أن دستور الجمهورية اليمنية يضمن التعددية الحزبية وتعدد الأحزاب السياسية والانتخابات الحرة المباشرة للنواب والليبرالية الاقتصادية الأكثر انفتاحاً من الماضي، مما سيرضي القطاع الخاص باليمني والمستثمرين العرب والأجانب. فحتى الوقت الحاضر نجد أن الجالية المهمة من رجال الأعمال ا ليمنيين المقيمين في بلدان الخليج، وكذلك المستثمرين العرب يشكون من قدم وجمود الاقتصاد اليمني في الشمال، ومن التوجه الشيوعي للنظام اليمني الجنوبي.
إلا أن الانفتاح الديمقراطي لليمن الحالي قد أعطى حياة لحركة رجال الأعمال اليمنيين الشماليين في الذهاب والتمركز في الجنوب، وولادة حركة أخرى أكثر تواضعاً للمستثمرين من بلدان الخليج، من أصل يمني، وذلك بافتتاح ممثليات ومكاتب تجارية لهم في عدن، وهناك حديث عن عدد من المشاريع تمس صناعة الناشط السياسي، ومشاريع أكثر أهمية كإنشاء منطقة حرة في ميناء عدن تشبه منطقة "سنغافورة، وجبل علي في الإمارات العربية المتحدة"...
وفي نفس الوقت يمكن لهذا الانفتاح أن يكون حافزاً للحصول على مساعدة مهمة للتنمية تربطها الولايات المتحدة الأمريكية، وبقية البلدان الغربية بديمقراطية البلدان التي تحصل عليها، لكن موقف اليمن حيال ا لنزاع في الخلي، والذي لا يؤيد بصورة غير مشروطة العراق ولا بلدان الخليج، يمكن أن يكون له تبعات انعكاسات سلبية. على المساعدات التي تقدمها بلدان الخليج، وربما أيضاً على المساعدة التي تقدمها البلدان الغربية.
أن تخلخل، وربما تفجر وانحلال مجلس التعاون العربي ا لذي تأسس في بداية سنة 1989م، والذي يضم اليمن، ومصر، والعراق، والأردن يمكن أن يضع حداً لآمال اليمن.
فها البلد كان يرى في مجلس التعاون العربي عنصراً من عناصر التدخل والتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء وثقلاً موازياً لهيمنة بلدان الخليج المتمثلة بمجلس التعاون الخليجي، الذي يضم العربية السعودية، والكويت، والإمارات المتحدة، وسلطنة عمان،والبحرين، وقطر في شبة الجزيرة العربية.
وعلى الرغم من هذه النتائج السلبية فقد أثبتت جمهورية اليمن وحدتها في مواجهة أو لأزمة خطيرة هزت العالم العربي وستزعزع كل التجمعات الإقليمية حتى المغرب العربي.
قد أظهرت الأزمة، إذا دعت الحاجة لذلك، أن وحدة اليمن ولدت لتبقى.....

ارسل هذا الخبر اطبع الخبر
حقوق الطبع محفوظة © للمؤتمر الشعبي العام 2004
تصميم الموقع: ديزاين جروب للدعاية والإعلان