تاريخ التشطير
بذور التشطير
لقد أدى تعدد الدول والإمارات، واستمرار الصراعات الدامية فيما بينها إلى إنهاكها جميعا، وضعفها أمام تحرشات البرتغاليين بالسواحل اليمنية، الأمر الذي اضطر الدولة الطاهرية ومنافسها الإمام شرف الدين إلى الاستعانة بالأسطول العثماني، الذي انتهى إلى الوجود العثماني الأول، ولكنه واجه مقاومة شديدة، اضطرته إلى الانسحاب، فيما كانت بذور التشطير تحت تأثير الصراعات القبلية والمذهبية والتسلطية تشق طريقها في التربة اليمنية، ولم تشهد اليمن وحدة سياسية حينئذ إلا في عهد المتوكل إسماعيل بن القاسم، ثم ما لبثت الأوضاع الانفصالية أن عادت من بعده، حين انفصلت حضرموت واستقلت لحج عام 1728، وسيطر سلطانها على عدن عام 1732، وأعلن خروجه على إمام اليمن، واستمر انفصال عدن وإمارات الجنوب عن دولة بيت القاسم .
وقد شكل الانفصال مناخا ومغريا للاستعمار البريطاني الذي احتل مدينة عدن عام 1839، ولم تتمكن المقاومة العنيفة من طرده، لأنها كانت في غياب الوحدة دون مستوى التغلب على قوته ومكره، فقد انتهجت بريطانيا في حينه مختلف الأساليب التي مكنتها من التغلغل التدريجي في الإمارات والمشيخات من خلال اتباعها سياسة "فرق تسد" . حيث عقدت في البداية مع كل من الإمارات والمشيخات اتفاقيات تعاون ثنائية، ثم طورتها إلى اتفاقيات حماية انتهت في المرحلة الثالثة إلى عقد معاهدات الاستشارة التي أحكمت بموجبها قبضتها على جنوب الوطن .. وأضحت اليمن في القرن التاسع عشر مجزأة تحت حكم الأدارسة في المخلاف السليماني، وتحت الاستعمار البريطاني في الشطر الجنوبي، وظلت مناطق الهضبة الوسطى تحت حكم بيت حميد الدين، ثم كان قدوم العثمانيين للمرة الثانية .
ونشبت على الأرض اليمنية تحت وطأة الفرقة صراعات محلية، وإقليمية ودولية، دفع فيها الشعب ثمنا باهظا في غياب وحدته، حتى لقد رسمت حدود التشطير تبعا لمناطق نفوذ كل من العثمانيين والبريطانيين، وانتهى الصراع بينهما إلى اتفاقية عام 1914 التي أسموها اتفاقية الحدود.
وكان الإمام يحيى قد توصل مع الأتراك إلى التوقيع على اتفاقية عرفت بصلح دعان عام 1914، التي حجم بموجبها النفوذ العثماني، ولكنه ظل موجودا في كثير من مناطق اليمن شماله وجنوبه .
وحينما كان الأتراك يرحلون من المناطق الجنوبية بموجب معاهدة مدروس، كانوا يحاولون تسليم تلك المناطق الجنوبية للإمام يحيى من خلال قادتهم في المناطق الشمالية، لكن الإمام لم يستجب لهذه الفرصة خوفا من دعم البريطانيين للإدريسي، وتم انسحاب الأتراك في أوائل عام 1919م.
فقد عبث الأمراء الأدارسة بالمخلاف السليماني بتحالفهم مع إيطاليا، ثم مع بريطانيا ضد العثمانيين، وضد الإمام يحيى، وقامت بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى بتسليم حليفها الإدريسي عددا من المناطق اليمنية التهامية التي احتلتها وظلت تحت حكم الأدارسة حتى زحف جيش الإمام يحيى في عام 1924 على مناطق تهامة وتم استعادة موانئ الحديدة والصليف وميدي، ودحر الأدارسة من سائر مدن تهامة، وواصل الجيش زحفه صوب عسير، وحاصر صبيا وجازان مما اضطر الإدريسي أن يعرض على الإمام صلحا يقضي بكف الإمام عم محاولة استعادة المدينتين المذكورتين مقابل اعتراف الإدريسي بالولاء للإمام يحيى، وأن يمنح الأدارسة نفوذا محليا على عسير، ولكن الإمام رفض العرض، وأصر على استعادة كامل منطقة عسير مما حمل الإدريسي على توقيع معاهدة حماية مع الملك عبد العزيز آل سعود عام 1926م والذي انتهى إلى حرب بين الطرفين وإبرام معاهدة الطائف في 20 مايو 1934 وظل المخلاف السليماني محكوما بها .
ومن جهة أخرى كان الإمام يحيى قد دخل في حرب مع بريطانيا في المناطق الجنوبية إثر العدوان الجوي البريطاني على بعض المناطق اليمنية في عام 1918م. وظلت الأمور متوترة حتى إبرام معاهدة مع البريطانيين عام 1934م لم تحقق أكثر من الموافقة على أن يبقى الحال في الجهة الجنوبية على ما كان عليه لصالح البريطانيين إلى أن تتم المفاوضات الأخرى، وحددت فترة المعاهدة بأربعين عاما، ولم يبت في الموضوع طيلة عهد الإمام يحيى وخلفه الإمام أحمد(6) .
وهكذا ومنذ نال الشطر الشمالي الاستقلال عن الأتراك، وهو أمام مسؤولياته التاريخية في إعادة تحقيق وحدة الأرض والشعب لكن طبيعة الحكم الفردي، وعقليته المنغلقة وعزلته وضيق أفقه لم يكن من القدرة بحيث يتمكن من المحافظة على ما ورث ولم يؤهله ذلك لاستعادة وحدة اليمن، فكان على الشعب وقواه الحية الوقوف في وجه الجمود، والسعي إلى التغيير من خلال حركة وطنية أخذت في التنامي والتطور والتأثير في مجريات الأحداث، وصنع الثورة والنضال من أجل العمل على إعادة تحقيق وحدة اليمن.
ارسل هذا الخبر اطبع الخبر
حقوق الطبع محفوظة © للمؤتمر الشعبي العام 2004
تصميم الموقع: ديزاين جروب للدعاية والإعلان