بيانات رئيس الجمهورية

21مايو1996م(نص بيان فخامة رئيس الجمهورية)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين..
يا أبناء شعبنا الأبي:
يسعدني في هذا اليوم المجيد الذي نحتفل فيه بالعيد الوطني السادس لإعادة تحقيق وحدة الوطن وقيام الجمهورية اليمنية أن أحييكم أينما كنتم داخل الوطن وخارجه، وأهنئكم تهنئة صادقة بهذه المناسبة الوطنية الغالية.. التي تحقق فيها أغلى وأعظم منجز وطني ناضل شعبنا اليمني من اجله طويلا- وقدم جحافل من الشهداء الأبرار حتى تحقق له النصر العظيم يوم 22من مايو 1990م، عندما ارتفع علم الجمهورية اليمنية خفاقا في كل ربوع الوطن.. وهتفت له جماهير الشعب مبتهجا بهذا الإنجاز التاريخي الكبير.. الذي حظي بتأييد ومباركة كافة جميع الدول الشقيقة والصديقة.. باعتبار أن اليمن الموحد هو عنصر مهم للأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
ومنذ البداية كنا ندرك أن الطريق لن تكون مفروشة بالورد.. بل كنا نتوقع مواجهة الكثير من العراقيل والصعاب والمؤامرات على ذلك المولود الوطني القومي الهام، وبالفعل بدأت خيوط المؤامرة تتكشف من الشهر الثاني لميلاد الجمهورية اليمنية.. ولكن بفضل من الله.. واستبسال وصمود وتضحيات أبناء قواتنا المسلحة والأمن.. تلك المؤسسة الوطنية الكبرى التي هي قوة بيد الشعب لا قوة بيد فرد أو حزب أو جماعة، تم التصدى لتلك المؤامرة الانفصالية في ظل التفاف والتحام جماهير شعبنا بمختلف فئاته: علماء ومشايخ وشخصيات اجتماعية.. وسياسيين ومزارعين وعمال ومثقفين.. شباباً.. وشيوخاً.. رجالاً ونساء.. حتى تحقق النصر يوم السابع من يوليو 1994م. والذي جاء امتداد رائعاً لانتصارات شعبنا في معارك الدفاع عن الثورة اليمنية "26سبتمبر و 14اكتوبر" ضد الإمامة والاستعمار.
وكان من الطبيعي أن تخلف الأزمة وحرب الانفصال التي أشعلها الانفصاليون الخونة الكثير من الأعباء والآثار على الاقتصاد الوطني ومسيرة التنمية، وكان لابد من مواجهتها بتبني برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري.. من اجل إعادة بناء ما دمرته الحرب.. ووقف التدهور في الأوضاع الاقتصادية.. ومكافحة الفساد.. وإنهاء الفوضى الإدارية.. وتعزيز قيمة العملة الوطنية وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين.. وما من شك أن هذا البرنامج قد مس مصالح الكثير من المنتفعين والفاسدين.. وفي المقدمة عناصر الانفصال والخيانة ومن تحالف معهم من العناصر الحاقدة على الثورة والوحدة اليمنية، فهم وجهان لعملة واحدة.. حيث عملوا على إشاعة نشر الفساد وتبنيه لإنهاك دولة الوحدة.. وإجهاض منجز الـ22 من مايو العظيم.. والأضرار بمصالح الوطن والمواطنين، كما حاولت تلك العناصر الانفصالية الخيانية في الداخل والخارج.. سلب شعبنا وشهدائه الأبرار نصر السابع من يوليو المجيد.. في محاولة يائسة لإعاقة مسيرة البناء والنهوض في الوطن وإعادة عهود التخلف والتسلط الدكتاتوري الأمامي والماركسي، إلا انه وبحمد الله خابت مساعيهم جميعاً.. وحظي برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري بتأييد جماهير شعبنا الأبية التي أدركت بوعي أن هذا البرنامج يمثل ضرورة وطنية.. وانه السبيل الصحيح لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والإدارية، وعلى الرغم من الصعوبات التي حدثت في بداية تنفيذ البرنامج وهي صعوبات آنية.. إلا أن المؤشرات الإيجابية لتنفيذ البرنامج قد بدأت تظهر.. من خلال وقف التدهور الاقتصادي.. وتقليص حجم التضخم والعجز في الموازنة العامة.. والحصول على ثقة ودعم المجتمع الدولي.
الأخوة المواطنون الكرام:
أن احتفالنا اليوم بهذه المناسبة الوطنية الغالية يكتسب تميزه ودلالته من خلال ما سيرتبط به من تدشين ووضع حجر الأساس لعدد من المشاريع الإنمائية والخدمية في بلادنا.. وفي مقدمتها عدد من مشاريع الطرق والسدود والحواجز المائية.. ومشاريع المياه والصحة والكهرباء والصناعة.. والمشاريع الزراعية التي سيتم استصلاحها من أجل توزيعها على الكثير من الأيادي العاملة من ذوي الدخل المحدود.. بهدف توفير فرص عمل لها وتحقيق التنمية الزراعية الشاملة، باعتبار أن بلدنا هو بلد زراعي في المقام الأول، وبذلك تبدأ عجلة التنمية في الدوران من جديد بعد أن تعثرت خلال الفترة الماضية نتيجة للأزمة والحرب والمؤامرة الخيانية التي استهدفت حرمان أبناء شعبنا من خير الوحدة.. وتمزيق الوطن وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
وعلى الرغم مما واجهته بلادنا من تحديات نتيجة الاعتداء الإريتري على جزيرة حنيش الكبرى اليمنية.. والتي تأتي امتداداً لمؤامرة الحرب والانفصال، فإننا نؤكد أن أي مؤامرة جديدة على بلادنا لن تكون اخطر أو أسوء مما قد واجهة شعبنا حتى الآن بصلابة وإيمان حتى تحقق له الأمن والاستقرار والطمأنينة، وكما تعلمون فلقد حرصت بلادنا منذ بداية الأزمة- التي ما كنا نتوقعها مع أرتيريا- على ضبط النفس ومعالجة الأمور بحكمة وتجنب الانزلاق نحو استخدام القوة.. والتمسك بالحل السلمي استشعارا منها بالمسؤوليات أمام المجتمع الدولي.. وتفويت أي فرصة لإشعال نار الحرب وتهديد الأمن والاستقرار.. وسلامة الملاحة الدولية في هذه المنطقة الحيوية من العالم، ورحبت بلادنا بكافة الجهود والمساعي الحميدة التي بذلت لحل النزاع سلميا من عدد من الدول الشقيقة والصديقة.
وفي طليعتها الجهود المبذولة لجمهورية فرنسا والأمين العام للأمم المتحدة.. والتي حققت توقيع الاتفاق على المبادئ التي سيتم من خلالها حل النزاع عبر اللجوء للتحكيم الدولي.
الأخوة المواطنون الأعزاء..
أن معركتنا الراهنة هي معركة الاقتصاد والتنمية.. وهي الرهان لصنع المستقبل الأفضل للوطن، كما انتصر شعبنا في معركتي الدفاعي عن الثورة والوحدة سوف ينتصر بأذن الله في هذه المعركة الجديدة، وبهذه المناسبة نحث الحكومة على المضي قدما في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري.. وتسريع جهود التنمية والتخلص من العناصر الفاسدة التي تعيق عملية الإصلاح والبناء وعلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.. وجهاز النيابة ومحاكم الأموال العامة أداء دورها بما يكفل الحفاظ على المال العام ومحاسبة الفاسدين مهما كان، كما أن على الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية.. التعامل بحزم مع كل يخل بالأمن والخارجين عن القانون.. وسرعة البت في القضايا أولاً بأول.. وتنفيذ الأحكام القضائية، وبما يردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطنين والتعدي على الحقوق العامة والخاصة، وعلى كافة مسئولي الدولة في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.. أن يكونوا قدوة حسنة في احترام الأنظمة والقوانين، وعلى الحكومة سرعة إعداد وإنجاز الخطة الخمسية الأولي للتنمية.. بحيث تستوعب احتياجات التنمية في مختلف مناطق الجمهورية.. والعمل على تشيجع الاستثمار.. وإزالة كافة التعقيدات الإدارية أمام المستثمرين الوطنيين والأجانب.. وتقديم كافة التسهيلات اللازمة لهم في ضوء قانون الاستثمار، كما نحث الحكومة والسلطة التشريعية على سرعة إنجاز قانون الإدارة المحلية.. بما يجسد مبدأ اللامركزية المالية والإدارية.. وحتى يمكن إجراء انتخابات المجالس المحلية في الجمهورية متزامنة مع الانتخابات النيابية.. التي ستجرى في موعدها المحدد يوم الـ27من أبريل 1997م، وما من شك فان إنجاز ذلك يمثل خطوة متقدمة في مسار بناء الدولة اليمنية الحديثة.. ويجسد مبدأ المشاركة الشعبية وحكم الشعب نفسه بنفسه.
الأخوة المواطنون الأعزاء
لقد قامت الجمهورية اليمنية منذ بزوغ ميلادها العظيم مقترنة ومحصنة بالديمقراطية التي هي الرديف القوي للوحدة.. وخيار البناء، وهي اليوم راسخة الجذور من خلال الممارسة الفعلية لها في الواقع المعاش، ومهما كانت أخطاء الديمقراطية والتحديات التي تفرضها فانه بمزيد من الديمقراطية يمكن تجاوز الأخطاء والتغلب على الصعوبات، وان ما نفخر به اليوم في بلادنا وفي ظل الالتزام بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.. انه لا يوجد على ارض الجمهورية اليمنية أي سجين رأي سياسي، ومن الطبيعي انه في ظل الديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية قد تتباين الآراء وتتعدد وجهات النظر، وهو أمر مقبول ولا حظر على ذلك طالما جاء في إطار الالتزام بالثوابت الوطنية ومبادئ الثورة اليمنية.. وعدم المساس بالوحدة الوطنية وسلامة واستقلال الجمهورية اليمنية، فالديمقراطية والتعددية السياسية هي الولاء الوطني والتنافس الشريف من خلال البرامج لنيل ثقة الشعب، وأي ممارسة للديمقراطية والتعددية السياسية تقوم على أساس الولاء الخارجي والأضرار بالوطن ومصالحه العليا إنما هي خيانة وطنية لا يمكن السكوت عليها.
الأخوة المواطنون الأعزاء:
أن اهتمامنا بالبناء الداخلي لا يمكن أن يكون بعيدا عن الاهتمام بالسياسة الخارجية لبلادنا، ولقد قامت سياسة الجمهورية اليمنية على أساس التعاون والاحترام المتبادل.. وعدم السماح بالتدخل في شئوننا الداخلية أو التدخل في شئون الغير من دول العالم، وهذا ما اتبعناه منذ زمن طويل، حيث سعت بلادنا إلى تعزيز علاقاتها مع كافة الدول الشقيقة والصديقة.. وفي مقدمتها دول الجوار في الجزيرة والخليج ومنطقة القرن الأفريقي، ونحن في الجمهورية اليمنية لا نكن لأشقائنا وجيراننا جميعاً إلا كل ما من شانه تعزيز الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة وفي العالم لما فيه خير وازدهار الجميع، وانطلاقا من ذلك فلقد أعلنت بلادنا تأييدها لمسيرة الإسلام.. ولكن على أساس تحقيق السلام العادل والمتكافئ لا السلام المنتقص، ونحن نرى بان السلام العادل والشامل لن يتحقق إلا باستعادة الحقوق العربية المشروعة.. وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان.. وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وان ما تمارسه إسرائيل اليوم من غطرسة وإرهاب ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني يمثل تحديا خطيرا لجهود السلام وللإرادة الدولية وللاستقرار في المنطقة، ولعل ما يدعو للأسف أن ما يشجع إسرائيل على التعنت والعدوان. هو ما تعيشه امتنا العربية والإسلامية من وهن وضعف في ظل واقع الشتات والخلاف والفرقة التي أصيبت بها خلال السنوات الماضية نتيجة للمؤامرات على مقدرتها وثرواتها، وإنها لمناسبة ندعو فيها جميع أبناء امتنا العربية إلى الوقوف وقفة جادة لتقييم ما جرى لكي نستخلص منه الدروس والعبر.. ولكي نعمل من اجل تجاوز هذا الواقع المؤسف عبر استعادة التضامن العربي ووحدة الصف التي هي ضرورة ومطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى في ظل ما تواجهه الأمة من تحديات وتهديدات، وندعو جميع الأشقاء العرب إلى تجاوز الماضي بكل سلبياته ومخلفاته..
والعمل على إزالة ما أصيبت به العلاقات العربية من تدهور وفتور.. وفتح صفحة جديدة من الإخاء والتعاون لما فيه مصلحة الأمة العربية وتعزيز دور الجامعة العربية التي لا بديل عنها، فهي بيت العرب جميعا والمظلة التي يستظلون بها، ومن الواجب أن نعمل على كل ما من شانه تمكينها من أداء مهامها في خدمة العمل العربي المشترك، وبنفس القدر نؤكد على ضرورة تعزيز دور منظمة المؤتمر الإسلامي.. لما فيه ترجمة أهداف ومصالح امتنا الإسلامية.. وتجاوز حالة الإحباط واليأس التي تعيشها شعوبنا الإسلامية نتيجة لما تواجه من تحديات ومؤامرات.
الأخوة المواطنون الكرام:
إننا ونحن نحتفل بهذه المناسبة الغالية نتذكر بمزيد من العرفان والوفاء تلك التضحيات الجسيمة والمآثر البطولية الخالدة لأبطال قواتنا المسلحة والأمن في سيبل الانتصار لإرادة الشعب في الثورة والحرية والاستقلال والوحدة والديمقراطية، ونؤكد بأننا سنظل نولي هذه المؤسسة الوطنية الكبرى وكل منتسبيها كل الرعاية والاهتمام ومواصلة مسيرة البناء والتحديث فيها- وبما يعزز من كفاءتها وقدرتها الدفاعية.. ويمكنها من أداء دورها في الحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله، فهي قوات للشعب للحفاظ على أمنه واستقراره وحماية إنجازاته ومكاسبه.. وحماية الديمقراطية والشرعية الدستورية، وهي ليست للتوسع والعدوان أو اقتطاع أراضي الغير أو تهديد مصالحهم.
وفي هذا اليوم المجيد لا ننسى أبدا شهداءنا الأبرار.. شموسنا المضيئة الذين أناروا بدمائهم الزكية مشاعل الحرية والوحدة.. فلهم منا جميعا الوفاء والعهد على مواصلة الخطى على نفس الدرب..
سائلين الله العلي القدير أن يتغمد أرواحهم الزكية برحمته وغفرانه وان يسكنهم فيسح جناته.انه سميع مجيب.
وكل عام وانتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
ارسل هذا الخبر اطبع الخبر
حقوق الطبع محفوظة © للمؤتمر الشعبي العام 2004
تصميم الموقع: ديزاين جروب للدعاية والإعلان