دراسات في الوحدة
الرئيس علي عبدالله صالح ودوره الريادي في تحقيق الوحدة اليمنية والحفاظ عليها
الرئيس علي عبدالله صالح ودوره الريادي في تحقيق الوحدة اليمنية والحفاظ عليها
قادم من عمق الشعب
لم يكن ليتحقق الدور الريادي للأخ الرئيس علي عبدالله صالح في تحقيق الوحدة اليمنية لولا أنه قادم من عمق الشعب.
فسيرة الأخ الرئيس الذاتية تحدثنا عن فرد من عموم أبناء الشعب، نشأ مواطنا بسيطا في أسرة ريفية فقيرة تنتمي الى الوسط الشعبي الذي عاش شظف العيش، وذاق مرارة الحياة، محروما من أبسط حقوقه في الصحة والتعليم في ظل الحكم الإمامي المستبد.. ولم يكن من بد أمام أبناء جيله إلا الاعتماد على النفس مع أسرهم المكافحة، ومكابدة الحياة، وعناء المعيشة.. وقد كان علي عبدالله صالح واحدا ممن عاشوا فترة طفولتهم بلا طفولة، وهذا ما نمى فيه الشخصية العصامية، وروح التحدي ومغالبة شدائد الحياة، فتلقى دراسته الأولية في كتاب القرية، وارتبط بالأرض فلاحة ورعيا، ولامست قدماه تربتها، وتوطنت نفسه على محبتها، وارتقت المحبة إلى الدفاع عن الوطن، فكان الاهتداء إلى الالتحاق بالقوات المسلحة عام 1958م وفيها واصل دراسته وتنمية معلوماته العامة، والتحق بمدرسة صف ضباط القوات المسلحة عام 1960م.
وكان ضمن صف ضباط الجيش الذين ساهموا في الإعداد للثورة وتفجيرها وكان آنذاك برتبة رقيب.
وفي الأشهر الأولى للثورة وتقديرا لجهوده، ولما أظهره من بسالة في الدفاع عن الثورة والجمهورية في مختلف المناطق رقي الى رتبة مساعد وفي عام 1963م رقي الى رتبة ملازم ثاني وفي نهاية العام نفسه أصيب بجراح أثناء إحدى معارك الدفاع عن الثورة في المنطقة الشرقية لمدينة صنعاء، وفي عام 1964م التحق بمدرسة المدرعات لأخذ فرقة تخصص (دروع).
وبعد تخرجه عاد من جديد للمشاركة في معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية في أكثر من منطقة من مناطق اليمن وأصيب بجروح أكثر من مرة، وأبدى في المعارك التي خاضها شجاعة نادرة، ومهارة في القيادة، ووعيا وإدراكا للقضايا الوطنية.
وكان من أبطال حرب السبعين يوما أثناء تعرض العاصمة صنعاء للحصار
وبفضل عصاميته، وعلو همته، وقوة جلده وانضباطه، تدرج في الرتب العسكرية، وشغل مناصب قيادية عسكرية منها:
- قائد فصيل دروع
- قائد سرية دروع
- أركان حرب كتيبة دروع
- مدير تسليح المدرعات
- قائد كتيبة مدرعات
- قائد قطاع المندب
- قائد لواء تعز
- قائد معسكر خالد بن الوليد (1975-1978)
وقد كان معروفا من يومئذ بالتفاعل النشاط مع هموم وطنه، وقضايا شعبه، ولم يكن بمعزل عن الأحداث والتحولات والمخاضات التي مر ويمر بها الوطن، فقد فرضت عليه وطنيته أن يشارك من مواقعه المختلفة في الدفاع عن الثورة، وتثبيت النظام الجمهوري، وان يبلى بلاء حسنا في فك حصار صنعاء الذي ضرب عليها سبعين يوما.. ولكأنما كانت المحن والأخطار التي أحدقت بالوطن، مراحل القدر التي هيأت هذه الشخصية العصامية لدور مرتقب عظيم، يحسن فيه قيادة مسيرة النهوض الوطني الشامل، وليعطي صورة القائد المنبعث من بين صفوف الشعب المكافح، وليحمل بين جنبيه قلبا نابضا بحب شعبه ووطنه، وليغدوا أحد فوارس أمته في الذود عن حماها، والدفاع عن قضاياه ما استطاع الى ذلك سبيلا، والمشاركة في بناء مشروعها الحضاري.
لقد أتاح له تدرج الرتب، والتنقل الوظيفي وتنوع الأمكنة أن يخبر الوسطين العسكري والمدني، وأن يحتك بقطاعات واسعة من جماهير الشعب، وأن ينفتح على مختلف القوى السياسية والفكرية، ويمد إليها جسوراً من الحوار، حتى لقد ظنه كل فريق منتمياً الى صفه، على أنه كان أكبر من أن يتحيز الى فريق دون آخر لعلمه أن كل فريق يدرك جانباً من الحقيقة، وطالما تاقت نفسه ليرى الجميع على صعيد واحد يتحاورون ليصلوا الى القواسم المشتركة.. فقد كان في طبيعة تكوينه شعبي العشرة يغشى المجالس، ويرتاد المنتديات،ويقترب من مختلف شرائح المجتمع واتجاهاتها، ويتعرف على طرائق تفكيرها واهتماماتها.. وحين استقر عمله قائدا لمحافظة تعز تلك العاصمة الثقافية، جعل من مقره ملتقى للنخب الفكرية والأدبية والسياسية، يتحاورون، ويتناظرون، ويتدبرون أمر الوطن كل من وجهة نظره، ويثرون بآرائهم من يحسن التقاط زبد الكلام، فالمجالس مدارس.. ولقد أدرك الرئيس ببصيرته أم خير ما ينقذ الوطن من مآزقه السياسية، وأزماته الاقتصادية، وتوتراته النفسية والاجتماعية، هو الحوار بين مختلف القوى والتيارات السياسية والتقائها على أمر جامع يؤلف بين القلوب، ويوحد الكلمة، ويلم الشمل.
وظلت مدركاته الحوارية حبيسة صدره، تنتظر اللحظة التاريخية لتكون مفتاح حكمته الى قلوب أبناء شعبه،وقواهم السياسية والفكرية.. أفصح عن امتلاكه هذا المفتاح لحظة قدومه من موقعه كقائد للواء تعز إلى العاصمة صنعاء إثر اغتيال الرئيس احمد حسين الغشمي رحمه الله، ليشغل عضوية مجلس رئاسة الجمهورية المؤقت ونائب القائد العام، ورئيس هيئة الأركان العامة.
ففي هذه اللحظات العصيبة، وفي ساعة العسرة كان جل تفكيره منصبا على تهيئة الأسباب لفتح حوار وطني، يفضي إلى إقرار الميثاق الوطني الذي التقت عليه جماهير الشعب وقواه السياسية والاجتماعية.. وما كان لعظيم قومه في مثل تلك الظروف الحرجة، والمنعطفات الحاسمة إلا أن يكون له مثل هذا التفكير الحكيم، والرأي السديد.. وأسجل هنا باعتزاز عظيم من واقع زيارتي له في مكتبه في القيادة العامة للقوات المسلحة، قبل أن يصبح رئيسا توقه الشديد إلى ذلك اليوم الذي يتحقق فيه هذا المطمح الديمقراطي، وقد كان يحدثني بحماس قوي وإصرار عاهد عليه الله، ويده على المصحف الشريف على أن يعمل على تمكين الشعب من الالتقاء على ميثاق وطني، باعتبار بوابة الانطلاق إلى بناء يمن الوحدة والديمقراطية والتنمية الشاملة، وتفعيل أهداف ومبادئ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة، 1962م.. وساعتها أيقنت أن المحنة التي تعرضت لها البلاد إن هي إلا شدة عابرة، وأن الوطن إلى خير وأن مع العسر يسرا.. فلا شيء يقف في وجه الحكمة والحزم وبعد الرؤية، وسداد الرأي وإن كان اعتقاد الكثرة في حينه أن مجرد التفكير بميثاق وطني في مثل ذلك الظرف الحرج إن هو إلا ضرب من الخيال، خاصة من خبروا التجارب السياسية السابقة، وما اعترضها من العوائق، لكن الذين خبروا الرئيس وعرفوه عن قرب، سواء كانوا من النخبة العسكرية أو المدنية، تأكد لهم أنه كان يعني ما يقول.. وقد رأوا فيه الزعيم المستوفي لعناصر القيادة، والمؤهل لحمل أمانة قيادة الوطن والمتمتع بجسارة القرار في المواقف الصعبة، فكان انتخابه رئيسا للجمهورية وقائدا عاما للقوات المسلحة من قبل مجلس الشعب التأسيسي، يوم السابع عشر من تموز/ يوليو 1978م يوما مهيبا يؤسس لحياة جديدة، فقد شكل بداية لانعطاف تاريخي من مسيرة شعبنا، إذ سرعان ما اتجه به قائد مسيرته الكبرى صوب صناعة فجر ديمقراطي جديد، وبناء الدولة الحديثة والعمل على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، والتفاعل الواعي مع أهداف ومبادئ الثورة اليمنية.. وأخذ يشمر عن ساعد الجد، ويباشر مهامه القيادية متمثلا روح الشعب، وهمه الأجداد البناة من عمالقة السلف الذين أسسوا مجدا حضاريا أضاء غسق التاريخ.
الدور الريادي للأخ الرئيس في تحقيق الوحدة:
لقد كان من الطبيعي لهذا القادم من عمق الشعب وقد تحمل أمانة قيادته أن يجعل في أولويات اهتمامه النضالية، أن ينتهج أقصر الطرق وأفضلها وأضمنها للوصول بمسيرة النضال الوطني إلى منتهاها المتمثل في تحقيق الوحدة.
ورأى في صلب أدبياته وسلوكه النضالي أن عليه، وهو يواصل مسيرة العمل الوحدوي أن لا يهدم عمل من سبقوه مهما اختلفت أرؤاهم وتوجهاتهم، وألا يقلل من جهودهم الوحدوية، فالعمل من أجل إعادة تحقيق الوحدة. عمل تاريخي تراكمي وجهد نضالي متواصل، بداياته منذ أكثر من قرن ونصف، ونهاياته ما يحرص أن يكلل على يديه تحقيق حلم الوحدة.
لقد كان من الطبيعي لهذا القادم من عمق الشعب وقد تحمل أمانة قيادته أن يجعل في أولويات اهتماماته النضالية، أن ينتهج أقصر الطرق وأفضلها وأضمنها للوصول بمسيرة النضال الوطني إلى منتهاها المتمثل في تحقيق الوحدة.
ورأى في صلب أدبياته وسلوكه النضالي أن عليه، وهو يواصل مسيرة العمل الوحدوي أن لا يهدم عمل من سبقوه مهما اختلفت آراؤهم وتوجهاتهم، وألا يقلل من جهودهم الوحدوية، فالعمل من أجل إعادة تحقيق الوحدة، عمل تاريخي تراكمي وجهد نضالي متواصل، بداياته منذ أكثر من قرن ونصف، ونهاياته ما يحرص أن يكلل على يديه تحقيق حلم الوحدة.
ولذا فقد وطن الأخ الرئيس نفسه على المضي بعزيمة قوية في هذا الدرب واضعا نصب عينيه ما قد يعترض مسيرة النضال الوطني نحو الوحدة من التحديات والأخطار، وما قد يساق إليه النظامان السياسيان في شطري الوطن الواحد تحت تأثير تجاذبات القطبية الثنائية من احتقانات قد تؤدي إلى الاحتراب وما يترتب على ذلك من أعاقة لعمل لجان الوحدة كتلك التي أعاقت الحركة المطلوبة لأعمالها إثر حرب 1972م ومن ثم فإن عليه بإزاء كل الاحتمالات أن يحيلها إلى عمل إيجابي في اتجاه تعزيز الخطوات وتسريعها نحو الوحدة.
ووجد أن من أبجديات النهج الذي ينبغي أن يسير عليه تحديد المسارات التي يكمل بعضها بعضا.
ومن هذه المسارات:
• إقامة العلاقات المتوازنة مع القطبين الدوليين لتحييد انعكاسات الحرب البارد على اليمن، وفي هذا الصدد فقد اتخذ قرارا حكيما في تنويع مصادر تسليح القوات المسلحة، وتطوير المصالح المشتركة معهما، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين.
• تعزيز العلاقات الحميمية مع دول الخليج والجزيرة العربية بحسبها دولا شقيقة وجارة ذات خصوصية مشتركة مع اليمن، وفي إطار العلاقات مع الدول العربية كافة.
• البحث عن صيغة عملية للتغلب على مضمون المادة (37) من الدستور الدائم التي تحظر الحزبية، بما يمكنه من تفعيل البند التاسع في بيان طرابلس الذي ينص على قيام تنظيم سياسي موحد والذي يتوقف عليه استكمال تشكيل لجان الوحدة، فكان اهتداء الأخ الرئيس إلى عقد حوار وطني شامل لمختلف فئات الشعب وقواه وألوان طيفه السياسي، وقد استغرق هذا الحوار قرابة اربع سنوات أفضت إلى إقرار الميثاق الوطني وقيام المؤتمر الشعبي العام.
• وقد تحقق بهما تعميق الحوار الوطني واحترام الرأي والرأي الآخر والإقرار بشرعية الاختلاف وممارسة التعددية المنابرية، والانطلاق من وضوح في الرؤية والمفاهيم لحوار وحدوي جاد يعتمد العقل والوسائل السلمية والأساليب الديمقراطية مع الحزب الاشتراكي اليمني.
• وعلى أساس من ذلك تم تشكيل لجنة التنظيم السياسي من جانبي المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني.
لقد أمسك الأخ الرئيس علي عبدالله صالح بملف الوحدة بإصرار المناضل، وتمكن من تجاز آثار حرب شباط/ آذار 1979م التي استعرت بين شطري الوطن، وأسفرت عن وساطة للجامعة العربية، وعقد قمة الكويت، وصدر بيان الكويت في 30 آذار مارس 1979م الذي أكد فيه مع أخيه وعبدالفتاح إسماعيل على تصميم الشعب في الشطرين على إقامة دولة الوحدة في أسرع وقت ممكن، وحث اللجان على إنجاز مهامها، وبخاصة اللجنة الدستورية التي حدد لها فترة أربعة أشهر لإعداد مشروع دستور دولة الوحدة والالتزام باتفاقية القاهرة وبيان طرابلس..
وقد أعقب تلك القمة عقد قمة صنعاء 4/10/1979م تم فيها التأكيد على بذل جهود مشتركة لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الشطرين، وإعطاء مهلة إضافية للجان الوحدة لاستكمال أعمالها.
لقد أسفرت الصدامات المسلحة عن توليد اقتناع لدى الطرفين بأن أسلوب القوة والعنف لإنجاز الوحدة غير ممكن، الأمر الذي ترتب عليه البحث عن صيغ مناسبة تقوم على الحوار السلمي، وأسفرت عن خطوات عملية ملموسة على طريق إعادة تحقيق الوحدة.. فما كان يتفق عليه في عقد السبعينات، ولا ينفذ بصورة جدية، أضحى في الثمانينات يحظى بالاهتمام وقابلاً للتنفيذ.
• فقد عقد لقاء صنعاء في حزيران/ يونيو 1980م، وتم الاتفاق على إقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة، وإزالة المواقع العسكرية في مناطق الأطراف في شطرين، وحث لجان الوحدة على إنجاز أعمالها.
• وفي لقاء تعز في 15 أيلول/ سبتمبر 1981م، اتفق على تشكيل لجنة لتنفيذ المادة (9) من بيان طرابلس 1979م، الخاصة بتشكيل التنظيم السياسي الموحد.
• وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر 1981م، انعدمت قمة عدن وتم فيها إنشاء المجلس الأعلى برئاسة رئيسي الشطرين لمتابعة سير تنفيذ اتفاقيات الوحدة بين شطري الوطن، وللإشراف على لجان الوحدة وكذلك إنشاء اللجنة الوزارية برئاسة رئيسي الوزراء وقد عقد المجلس اليمني الأعلى أربع دورات في كل من صنعاء، وعدن: دورة أغسطس 1983م في صنعاء، دورة فبراير 1984م في عدن، دورة ديسمبر 1984م في صنعاء، دورة 1985م في صنعاء.
• كما عقدت اللجنة الوزارية ثلاث دورات.. وكان لتلك اللقاءات أثرها النفسي في تعميق الثقة بين القيادتين، وانعكاسها على المواطنين بالارتياح، إلا أن هذا الوضع المطمئن لم يدم طويلا، فقد تفجرت أحداث العنف في 13 يناير 1986م بين أعضاء النخبة الحاكمة في الشطر الجنوبي، وخروج الرئيس علي ناصر محمد أحد طرفي الصراع من الشطر الجنوبي، ومعه عدد كبير من قيادات الحزب، ورجال الدولة، إلى الشطر الشمالي، مما أدى إلى توقف المباحثات واللقاءات عمليا لما يقارب العامين تجمدت معها الاتفاقات التي اتخذت من قبل، غير أن الأمور لم تذهب إلى حد الاحتدام بين الشطرين، فقد كان تصرف الأخ الرئيس علي عبدالله صالح خلال تلك الأحداث المؤسفة حكيما، حيث رفض – ورغم كل المغريات- التدخل وبشكل قاطع، في الصراع الدائر بين طرفي الصراع، بل دعا إلى حل الخلافات بالاحتكام إلى الحوار، الأمر الذي كان له أثره الإيجابي في احتواء آثار الصراع وتهيئة مناخ الثقة الذي أمكن من خلاله استئناف الحوار والعمل الوحدوي مع الجناح المنتصر في قيادة الحزب الاشتراكي الذي تسلم السلطة في عدن.
وقد تزامنت معاودة الحوار الوحدوي مع إعلان الشطر الجنوبي عن اكتشاف النفط في منطقة تماس مشتركة، وشكل ذلك إضافة متغيرات جديدة إلى مجموعة المتغيرات الحاكمة لعلاقات الشطرين.
وكان انعقاد أول قمة عقب أحداث يناير 1986م في تعز في نيسان/ أبريل 1988م اتفق فيها على اتخاذ خطوات أكثر جدية في استكمال الجهود المشتركة لاحتواء ومعالجة آثار أحداث يناير 1986م، والالتزام الكامل بما تم الاتفاق عليه في مجال العمل الوحدوي قبل تلك الأحداث، والتأكيد على أهمية المشروعات الاستثمارية المشتركة، ومنها ما يتعلق بالثروات الطبيعية في محافظتي مأرب وشبوه، وتلاها قمة صنعاء (3-4 مايو/ آيار 1988) وقد كان لقاء القمة تفصيليا لما اتفق عليه في قمة تعز، وقدرت فيه منطقة الاستثمار المشترك بمساحة قدرها 2200كم مربع، كما اتفق على تنشيط عمل لجنة التنظيم السياسي الموحد. وضع تصور مشترك للعمل السياسي الموحد في أقرب وقت ممكن، وإعداد برنامج زمني لإبرام دستور دولة الوحدة، والاتفاق على إلغاء النقاط القائمة بين الشطرين، واستبدالها بنقاط مشتركة وتسهيل حركة تنقل المواطنين بين الشطرين والمرور بالبطاقة الشخصية، وعدم فرض قيود على المواطنين، والبحث عن مصادر تمويل لربط الطرق بين الشطرين.
وقد أنجزت جملة من الأعمال الوحدوية التي تم الاتفاق عليها، وأهمها إنشاء شركة مشتركة للاستثمارات النفطية والمعدنية وتسمية أعضاء لجنة التنظيم السياسي الموحد، وتبادل الشطرين مشروعات حول شكل دولة الوحدة، وطريقة إنجازها، كما عقدت لجنة التنظيم السياسي الموحد دورتها الأولى في تعز في 2 نوفمبر، تشرين الثاني 1989م، واتفقت على مناقشة أربعة بدائل للتنظيم السياسي.
1. دمج المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني في تنظيم سياسي واحد.
2. الإبقاء عليهما في وضع مستقل وإتاحة حرية التعدد السياسي والحزبي
3. حل المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني، وترك الحرية لقيام التنظيمات السياسية.
4. تكوين تحالف جبهوي يضم المؤتمر والحزب والقوى الوطنية مع احتفاظ كل منها باستقلاليتها.
لقد اتسمت هذه الفترة بمتغيرات محلية وإقليمية ودولية كان لها دورها في تقرير موعد إعلان قيام دولة الوحدة.
ففي الشطر الجنوبي جرت عملية مراجعة شاملة لتجربة النظام في سياق البريسترويكا في الاتحاد السوفيتي التي انتهت بانهيار المعسكر الاشتراكي فيما بعد، وأدى انخفاض الدعم الذي كان يتلقاه الشطر الجنوبي من الاتحاد السوفيتي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وإثقال خزينة الدولة بمديونية بلغت 6 مليارات دولار.. في الوقت الذي شهدت فيه المنطقة العربية قيام تكتلات إقليمية كان فيها الشطر الشمالي عضوا في أحدها هو مجلس التعاون العربي.
وقد التقطت القوى الوحدوية، وجماهير الشعب هذه المتغيرات، وكونت ضغطا وحدويا قويا ماج به الشارع السياسي وعزز الجهد الشعبي من الجهد الرسمي،ويسر على قيادتي الشطرين الانطلاق نحو الخطوات الأخيرة لإعلان الوحدة.
وقد عبر لقاء قمة عدن في 30/11/1989م عن ذلك خير تعبير، فقد نجم عنه اتفاق تم فيه تصديق القيادتين على مشروع دستور دولة الوحدة. وإحالة مشروع الدستور على المجلسين التشريعيين خلال ستة أشهر بإجراء الاستفتاء الشعبي، والانتخابات التشريعية الموحدة لدولة الوحدة.
وفي ضوء لقاء قمة عدن أوفدت قيادتا الشطرين العديد من الوفود المشتركة إلى الأقطار العربية الشقيقة وبعض الدول الكبرى الصديقة، لتقديم صورة واضحة عن حقيقة دولة الوحدة، بهدف تحييد الأطراف الإقليمية الدولية وتخفيف حدة العوالم المضادة لقيامها، والتهيئة لاستقبالها وتقبلها في المحيطين العربي والدولي بما من شأنه تعزيز العلاقات مع هذه الدول والإسهام في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وأرفدتها بقيام القيادتين والشطرين بإجراء الاتصالات الهاتفية لعدد من القادة وبالزيارات لعدد من قادة الدول واستقبال بعضهم.
وشكل ذلك النشاط المتكامل حشد التأييد الإقليمي والدولي لدولة الوحدة فضلا عما يترتب عليه من نتائج طيبة تمثلت في تعزيز الثقة بين جماهير الشعب وقيادته بما مثلته من جدية السعي المشترك نحو تحقيق الوحدة، والدخول في مرحلة العدد التنازلي الوشيك لإعلانها، فضلا عما خلصت إليه الوفود من نقاط أخذتها قيادتا الشطرين بنظر الاعتبار، وبصفة خاصة ما وقفت عليه من ملاحظات بعض القادة العرب حول التجارب الوحدوية العربية السابقة، وتركزت تلك الملاحظات في ما يلي:-
أولاً: ضرورة الالتزام بسرية موعد إعلان الوحدة حتى اللحظة الأخيرة، تحسباً واستباقاً وإبطالاً لاحتمالات حدوث محاولات لعرقلة إعلانها في موعده من جانب من يرون في تحقيقها تعارضا مع رغباتهم. وقد ترتب على هذه الملاحظة اختزال الفترة الزمنية المعلنة بعام إلى ستة أشهر.
ثانياً: ضرورة التأكيد على الترابط العضوي بين الوحدة والديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية، باعتبار أن هذا الترابط يشكل سياحاً منيعا لحماية دولة الوحدة، وقد أضحى نظام الدولة فور قيامها ديمقراطيا تعدديا يكرس المشاركة السياسية والحزبية والشعبية.
ثالثاً: ضرورة التسريع في دمج القوات المسلحة حتى لا تغدو مدخلا لتهديد دولة الوحدة.
رابعاً: العمل على خلق المؤسسات الحديثة لدولة الوحدة وتجنب فوقية القرار ضمانا للحيلولة دون حدوث خلافات جانبية قد تتسبب في اضطراب العلاقات التي تربط بين بناة دولة الوحدة قياديين وقوى وجماهير.
ولا يغيب عن البال ما كان يحاك من محاولات للقيام بإجهاض للوحدة في طورها الجنيني وما حدث من غزل أقليمي، ارتفعت فيه نغمات العزف على وتر الاستئثار بالنفط، وتركيز الاستفادة من عائداته في الشطر الجنوبي ذي العدد السكاني المحدود والسعي إلى أن يأخذ شكل النظم السياسية لدول الخليج النفطية.
وكان قد حدث جدل داخل أعضاء قيادة الحزب الاشتراكي، حول موعد إعلان قيام دولة الوحدة، وانقسموا إلى فريقين، فريق رأى رأي قيادة الشطر الشمالي بضرورة سرعة الحسم، والاستفادة من الظروف المواتية، وفريق لم يعول على ذلك، ورأى – لأمر ما – أن يأخذ توقيت إعلان الوحدة مداه من التأني، والتريث، والطبخ على نار هادئة، وقد تقاطعت أو اتفقت هذه الرؤية مع الذين يضمرون النوايا المشبوهة التي تحاول تمييع موعد الإعلان، غير أن الحسم كان سيد الموقف، وعلى أساسه تتالت اجتماعات القمة اليمنية، عقب قمة عدن في إيقاعات وحدوية متسارعة، حيث عقدت خمسة لقاءات هي:-
• قمة صنعاء من 22-26 ديسمبر/ كانون الأول 1989م.
• قمة مكيراس، في 19 فبراير/ شباط 1990م.
• قمة صنعاء من 19- 20 أبريل/ نيسان 1990م.
وقد أخذت قيادتا الشطرين في هذه القمم على عاتقها التغلب على مختلف الصعوبات، وحسم العديد من القضايا محل الخلاف، وأبرزها الموقف من العمل الحزبي داخل القوات المسلحة بعد دمجها في دولة الوحدة، وكذا دمج الأجهزة الأمنية في جهاز واحد. والاتفاق على البديل الثاني في التنظيم السياسي الموحد، الذي يتيح ممارسة التعددية الحزبية، وأسفرت قمة صنعاء في ابريل 1990م عن اتفاق بالغ الأهمية لإعلان قيام دولة الوحدة الذي تضمن الاتفاق على إعلان الجمهورية اليمنية في موعد بقي سراً لم يكشف الستار عنه إلا يوم 22 مايو 1990م يوم إعلان الوحدة المتضمن إعلان تسع نقاط أخرى لتنظيم الفترة الانتقالية ومن هذه النقاط.
* الاتفاق على تحديد الفترة الانتقالية بعامين وستة أشهر، وتشكيل مجلس النواب بدمج أعضاء مجلس الشورى والشعب في مجلس نواب واحد، وتشكيل مجلس الرئاسة وتكليفه بإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور قبل 30/11/1990م، وتشكيل مجلس استشاري، كما كان على قيادة النظام السياسي في الشطر الجنوبي أن تسارع إلى اتخاذ عدد من القرارات تكيفا مع مقتضيات دولة الوحدة، فقامت بإعادة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية أبريل نيسان 1990م، والتخلص من الخبرات الأمنية الكوبية والألمانية الشرقية التي يقدر عددها بحوالي 900 خبيرا، واكتملت حلقات العمل لبلوغ يوم الوحدة.
ريادة الرئيس في الحفاظ على دولة الوحدة
وبقيام الجمهورية اليمنية يكون الأخ الرئيس قد اختتم نضال الحركة الوطنية في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، ليدشن في صبيحة الثاني والعشرين من مايو/ آيار 1990م في مدينة عدن مرحلة جديدة من الريادة – تتمثل في الحفاظ على دولة الوحدة، وتعظيم منجزاتها.
ويتجلى ذلك في إدارته الحكيمة للفترة الانتقالية التي خاض فيها شعبنا امتحاناً صعباً لاجتيازها، والتخلص من ميراث التشطير وإعادة ترتيب أوضاع البيت اليمني الواحد وفق الأسس والمعايير الوحدوية التي تم الاتفاق عليها، ومن ذلك الاستفتاء على الدستور، واستكمال التشريعات الموحدة، وبناء مؤسسات دولة الوحدة، المدنية فيها والعسكرية ودمجها، وتنفيذ برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والإداري، وبناء المجتمع المدني وتحقيق الشرط الديمقراطي اللازم لإعلان الوحدة، وذلك من خلال ممارسة التعددية السياسية والحزبية وإجراء الانتخابات البرلمانية.
وقد كان يفترض أن تستنفد الفقرة الانتقالية في إنجاز هذه المهام، ومع ذلك فقد أمكن وسط المماحكات والخلافات إنجاز الكثير مما اتفق عليه، وبقي البعض معلقا على الرغم من أهميته البالغة والملحة لاستقرار الأوضاع.
تم في المجال التشريعي إجراء الاستفتاء على الدستور في 15-16 مايو/ آيار 1991م وإصدار أكثر من 60 قانونا موحداً لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية، كما تم اتخاذ خطوات قانونية وتنفيذية لتشكيل المؤسسات الموحدة (مجلس الوزراء، مجلس النواب، المجلس الاستشاري، لجنة عليا للتقسيم الإداري، مجلس الدفاع الأعلى).
وتم في المجال الاقتصادي والمالي والإداري، إقرار البرنامج الوطني للبناء والإصلاح السياسي والاقتصادي.
فقد تلازم إعلان قيام دولة الوحدة مع الأخذ بنظام ديمقراطية التعددية السياسية، التي في ضوئها بلغ عدد الأحزاب أكثر من (40) حزباً، ثم ما لبث هذا العدد من خلال جدية الممارسة أن انخفض بعد عامين إلى (20) حزباً سياسياً.
ومارست الصحافة حريتها في التعبير دون قيود سوى ما نص عليه قانون الصحافة والمطبوعات في 13 ديسمبر 1991م.
وتشكل العديد من اللجان الشعبية والحزبية والمنظمات النقابية والقبلية، وبرزت شخصيات اجتماعية ومستقلة، وأسهم الجميع بقسط وافر من الجهود الوطنية الوحدوية.
لكن خوض التجربة كان قد خالطها الكثير من الممارسات الخاطئة التي ساد فيها الشك محل الثقة في علاقات الائتلاف داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة التي أخذت تؤثر سلبا على الأوضاع الاقتصادية والإدارية والمالية.
وتواكب ذلك مع حرب الخليج الثانية، إذ ما كاد يمضي شهران على قيام دولة الوحدة حتى تفجرت أزمة الخليج التي كان لها انعكاساتها السلبية على اليمن، ومن ذلك عودة قرابة مليون مواطن يمني من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. وتوقف النفط الذي كانت تحصل عليه من العراق والكويت، كما توقفت المعونات الأمريكية، وجرت محاولة لمنع شركات النفط الأجنبية من المضي في إجراء المزيد من عمليات التنقيب تحت رعاية اليمن.
ودخلت البلاد في حالة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية واعتورت التجربة سهام التصعيد الإعلامي، وأوشكت الفترة الانتقالية أن تنتهي ولما يتم بعد إنجاز العديد من المهام المناطة بحزبي الائتلاف الحاكم، ومنها دمج الجيشين في جيش واحد، وإجراء الانتخابات التشريعية لبرلمان دولة الوحدة، مما دفع إلى حدوث المزيد من القلق والتوترات والفوضى الأمنية والاغتيالات السياسية، ومن هنا برز دور الكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية والشخصيات الاجتماعية في احتواء الأزمة من خلال الدفع بحزبي الائتلاف إلى تسوية الخلافات وتقريب وجهات النظر فيما بينهما... وقد اتفق الحزبان إثرها على صيغة تنسيقية لما تبقى من الفترة الانتقالية من ثلاث بدائل (الدمج، التحالف، التنسيق) كما اتفقا استجابة لطلب اللجنة العليا للانتخابات على تمديد الفترة الانتقالية، التي أمكن معها خوض أول معركة انتخابية برلمانية في دولة الوحدة في 27 نيسان (أبريل) 1993م.
وقد أسفرت نتائجها عن تشكيل حكومة ائتلافية من الأحزاب الثلاثة الأكثر حصولاً على الأصوات (المؤتمر الشعبي العام، الحزب الاشتراكي اليمني، التجمع اليمني للإصلاح).
وقد كان يعتقد بشيء من التفاؤل أن هذا الائتلاف سيحقق توازناً سياسياً يثري التجربة الديمقراطية لدولة الوحدة، ويضع حداً لتناقضات الفترة الانتقالية، إلا أن مخاوف قيادة الحزب الاشتراكي من تواري المناصفة في تقاسم السلطة التي كان يصر عليها على الدوام أضحت متزايدة بوجود الشريك الثالث، وبشعورها أن الواقع الديمقراطي الذي تعيشه البلاد يستهجن عقلية التقاسم والاستئثار بالقرار، الأمر الذي زاد من تمنعها على دمج القوات المسلحة، وأوشكت الأمور أن تسير في اتجاه الفتنة العمياء لولا حكمة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح وتنادي مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية حاكمة، وخارج الحكم، موالية ومعارضة، لاحتواء الأزمة، ودعت إلى توسيع قاعدة الحوار الوطني لمناقشة مطالب أحزاب الائتلاف الحاكم، والخروج بصيغة مقبولة.
وقد تشكلت لذلك لجنة وطنية شملت في عضويتها مختلف التنظيمات والشخصيات الاجتماعية والسياسية، وفرغت من إعداد صيغة مقبولة بعد ثلاثة أشهر من الجهود المتواصلة، وصارت الوثيقة جاهزة للتوقيع من الأخ الرئيس ونائبه.
وفي الوقت ذاته كانت جهود الوساطة العربية قائمة، وكان في طليعتها وساطة الأردن الشقيق المغفور له الملك حسين طيب الله ثراه، الذي قام ورئيس حكومته المغفور له الأمير زيد بن شاكر، بدور نشط لمعالجة الأزمة – كما كان للسلطان قابوس بن سعيد دور الوساطة في الجمع بين الأخ الرئيس ونائبه في مدينة صلالة في 3 نيسان 1994م.
ونظرا للدور الأردني المتميز في الوساطة فقد تم اتفاق أطراف الائتلاف الحاكم ولجنة الحوار الوطني على اختيار عمان مكانا لعقد اللقاء التاريخي الذي تم فيه التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في 10 رمضان 1414 الموافق 20 فبراير 1994م.
انفجار الحرب:
بذلت جهود كثيرة مكثفة لاحتواء الأزمة، وكان يفترض بعد التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق التوصل إلى وضع حد لما كان يطرح من أسباب الأزمة والخلاف حول تقاسم السلطة، وحول التوزيع العادل للثروة، وضرورة تحقيق التعددية السياسية، وبناء دولة الوحدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة.
إلا أن الأمور كانت قد خرجت من عقالها، وقد كشف سير الأحداث أن انفجار الحرب لم يكن مبعثه الأسباب والمطالب بقدر ما كان مبعثه النزعة الانفصالية لدى بعض قيادات الاشتراكي، والرغبة الإقليمية في تغذية تلك النزعة الانفصالية.
ولم يكن العجز عن إحداث الدمج الكامل للمؤسسات الرئيسية ولاسيما القوات المسلحة سوى القشة التي قصمت ظهر البعير والأداة التي استخدمت عن تأزم الموقف العسكري في إضرام نار الحرب المحزنة في 4مايو / أيار1994 والتي سرعان ما تطورت إلى حرب أهلية حين أعلن سالم البيض انفصال الجنوب في 12مايو/ أيار .
لم يكن الرئيس علي عبدالله صالح يريد الحرب وقد بذل جهوداً لتسوية الأمور بطرق سلمية وأعطي الفرص اللازمة للحلول السياسية ولكن المساس بالوحدة ودخول الأزمة مرحلة الانفجار كان قد وضعه أمام مسؤوليات الدفاع عن الوحدة وتحريك القوات المسلحة وقد عبر عن هذا الموقف بقوله ( أجبرنا على دخول الحرب لأننا نعتبر الوحدة قضية القضايا في اليمن فهي مستقبلنا الوطني وعندما نبني وطنا نبيه فقط للجيل الحالي وإنما للأجيال القادمة كافة والوحدة تعني مصالح كل اليمنيين والانفصال يضر بمصالح كل اليمنيين )
وقد استطاع الرئيس على عبدالله صالح أن يدير الأزمة بحزم واقتدار حيث عبر عن ذلك بقوله:
( في الحرب الأخيرة اعتمدنا على الجبهتين العسكرية والسياسية فمن جهة كانت وفودنا تتحرك في الخارج وتخوض معارك سياسية شرسة وكان عبد الكريم الإرياني وعبد العزيز عبد الغني وآخرون يقودون هذه المعارك وفي كل الاتجاهات لدى الدول الكبرى وفي الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة حيث خضنا مواجهة شرسة لاتقل خطورة عن المواجهات العسكرية إذ كان علينا أن نمنع بكل الوسائل إرسال قوات دولية أو أجنبية إلى بلادنا فلو جاءت هذه القوات لا سمح ألله لربما أمست صراعاتنا أبدية وكان حضورها مضرا بالوحدة ويقدم خدمة حقيقية للانفصال ومن جهة ثانية كان علينا أن نواصل تقدمنا على الجبهات العسكرية لإضفاء مصداقية على تحركنا السياسي العادل والشرعي وكذلك أصدر فيه إعلان العفو العام في 23 مايو/ أيار 1994 م حتى في ظل احتدام المعارك .
واستطاع بهذه السياسي أن يكسب معظم دول العالم والمنظمات الدولية إلى جانب الحفاظ على دولة الوحدة وتمكن من أن يسير بالمعاركة في اتجاه الحسم وأنتهت .
الحرب في يوم السابع من يوليو / تموز1994
بيان يوم السابع من يوليو
أصدر مجلس الرئاسة في ذلك اليوم الأغر البيان التالي
إن مجلس الرئاسة وهو يعلن عن انتهاء جميع الأعمال العسكرية فأنه يؤكد على ما يلي:
أولا : تطبيق القرار الجمهوري رقم (1) لعام 1994 بشأن العفو العام والشامل الصادر بتاريخ 23مايو 1994م
ثانياً : الاستعداد لتعويض المواطنين الذين فقدوا ممتلكاتهم نتيجة لأعمال التمرد وفقاً لما قرره مجلس الوزراء من ضوابط .
ثالثاً : مواصلة الالتزام بالمنهج الديمقراطي والتعددية السياسية والحزبية وضمان حرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان .
رابعاً : مواصلة السير باتجاه الانتقال نحو اقتصاد السوق .
خامساً : اعتماد الحوار في ظل الشرعية الدستورية لحل أي خلافات سياسية ونبذ كل صور العنف وأشكاله في العلاقات السياسية
سادسا : الإسراع بإعادة تطبيع الحياة العامة في المناطق التي تضررت من أعمال التمرد وعودة جميع العاملين في الخدمة لممارسة مهام وظائفهم .
سابعاً : توسيع المشاركة الشعبية في السلطة وإيجاد نظام للحكم المحلي
وبهذه المناسبة يؤكد مجدداً أن وحدة اليمن لن تكون إلا أمناً واستقراراً لمنطقتنا التي سوف تواصل العمل مع دولها ومع جميع الدول الشقيقة والصديقة لما فيه خير شعوبنا وأمنها وتطورها
مؤشرات بيان السابع من يوليو 1994
كان من الطبيعي أن نتصرف اهتمامات القيادة السياسية بعد الحرب المحزنة إلي معالجة آثارها حيث قدرت الخسائر المادية ب11مليار دولار إضافة إلى ما لحق الكثير من اليمنيين من تشوهات وإعاقات جسدية والانتقال إلى مرحلة عطاء دولة الوحدة فا المعركة الرئيسية كما قال الأخ الرئيس تتركز الآن حول الاقتصاد والتطور وإقامة بنى اجتماعية اقتصادية أكثر ملائمة مع العالم العصري
وإلى هذه الاهتمامات اتجهت مؤشرات بيان 7 يوليو وفي ضوئها مضت الحكومة في تنفيذ برامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية وسط تحمس الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام للإصلاحات سواء خلال مشاركته في ائتلاف حكومي أو انفراده بتشكيل الحكومة وقدرته على استخدام آلياته المرتكزة على حصوله على الأغلبية المريحة في البرلمان والجهاز التنفيذي للدولة التي وضعتها لتبني وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية باعتباره ضرورة لإيقاف التدهور وربما الانهيار الاقتصادي الذي آلت إليه البلاد إبان حرب صيف 1994 والسعي لتحقيق استقرار اقتصادي لتحمل النتائج المترتبة على تطبيق الإصلاحات التي يرى في ايجابياتها ما يفوق بمراحل آثارها السلبية الجانبية .
وقد عكست البيانات الإحصائية والمؤشرات الاقتصادية الكلية تحسنا ملموسا في أداء الاقتصاد من خلال تحقيق معدلات مرتفعة في نمو الناتج المحلي وتخفيض أعباء الديون الخارجية وانتظام سداد أقساطها وانتظام ميزان المدفوعات وكذا كبح جماح التضخم وتحقيق استقرار نسبي لسعر العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية مما عزز مصداقية الدولة في التعامل مع المانحين ( دولاً ، مؤسسات وصناديق)
وفي ضوء ما أفرزه التطبيق العملي لنصوص الدستور النافذة خلال الفترة الانتقالية من أوضاع غير مواتية ليس فقط لتحقيق الاستقرار السياسي بل لمواكبة مجمل التحولات والمتغيرات التي شهدتها الساحة اليمنية عقب قيام الجمهورية اليمنية كان لا بد من إجراء تعديلات دستورية تم إقرارها في 1/10/1994 م من قبل مجلس النواب على دستور الجمهورية اليمنية الذي أعدته اللجنة الدستورية المشتركة عام 1981 وتم الاستفتاء عليه في عام 1991م
وبموجب هذه التعديلات أعيد انتخاب الأخ علي عبدالله صالح رئيسا للجمهورية اليمينية من قبل مجلس النواب في 1 أكتوبر 1994م
ومع انتهاء الفترة الرئاسية السابقة جرى ولأول مرة في تاريخ اليمن المعاصر انتخاب رئيس دولة بصورة مباشرة من قبل الشعب مع اشتراط وجود آخر له وتحديد مدة سلطته بفترتين رئاسيتين فقط .
وقد فاز الرئيس علي عبدالله صالح على منافسة للفترة الرئاسية الأولي ( 1999- 2006) وكذا فوزه للفترة الرئاسية الثانية ( 2006-2012) وانتخاب المجلس المحلي كما جرت انتخابات الدورة البرلمانية الثانية في 27نسيان / إبريل 1997 وفاز فيها حزب المؤتمر الشعبي العام بالأغلبية المريحة وجرى عقد انتخابات الدورة الثالثة لمجلس النواب للفترة (2003-2009) م والتي حاز فيها المؤتمر الشعبي العام على الأغلبية الساحقة .
ويجري ولأول مرة في المنطقة العربية انتخابات محافظي محافظات الجمهورية في الشهر الماضي من هذا العام 2008م
وفي ظل دولة الوحدة احتلت اليمن مكانتها اللائقة في المحيط العربي والإقليمي والدولي بانتهاجها سياسة خارجية تقوم على ثوابت تهدف إلى الحفاظ على المصالح الوطنية العليا والدفاع عن القضايا العربية المصيرية وتنمية العلاقات مع كل الدول الشقيقة والصديقة والتمسك بمبدأ حل النزاعات بالطرق السلمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية حيث استطاعت اليمن بفضل القيادة الحكيمة للأخ الرئيس علي عبد الله صالح أن تنهج في حل المنازعات السياسية والحدودية الأساليب السليمة كالحوار والتفاوض والوساطة والتحكيم ,
وقد أدى هذا النهج السلمي إلى توثيق العلاقات بين الجمهورية اليمنية وكل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وحل الإشكالات الحدودية التي كانت عالقة منذ زمن طويل .
كما اتبعت اليمن أسلوباً عصرياً في التعامل مع قضية جزيرة حنيش الكبرى والأرخبيل التابع لها تمثل في تحكيم العقل والمنطق مكان القوة والعنف والقبول بالتحكم الدولي لدى هيئة تحكيم دولية بين اليمن وأرتيريا والذي على أساسه استعادت اليمن سيادتها على هذه الجزر.
ولقد تمكنت دولة الوحدة بريادية الرئيس الفذ من إقامة العلاقات الحسنة مع الأشقاء العرب وصفة خاصة تشجيع التقارب بين أبناء منطقة شبه الجزيرة العربية لإقامة تعاون اقتصادي وثيق يحمي وجودها وسيادتها سياسياً واقتصادياً وثقافياً كما أصبحت الوحدة اليمنية عنصراً مهماً ورئيساً لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة وعاملا أساسيا في تعزيز الأمن القومي العربي وذلك من خلال تقديم عدد من المبادرات في مختلف القضايا التي تهم الأمة العربية وإصلاح النظام العربي وجامعة الدولة العربية آخذة بنظر الاعتبار المتغيرات الإقليمية والدولية وموقع القرار العربي منها وما تمليه المصلحة العربية ومن هذه المبادرات انتظام دورية انعقاد القمم العربية ونظام التصويت في جامعة الدول العربية وتفعيل العمل العربي المشترك بتقديم تصور لقيام اتحاد الدولة العربية وإعادة ترتيب البيت العربي وفق مشروع دستور اتحاد الدول العربية وتقدمت بمبادرة أخرى إلى قمة تونس لإعادة والاستقرار في العراق وحل الصراع العربي الإسرائيلي كما تقدمت مؤخرا بمبادرة لحل الخلافات بين فتح وحماس هذا فضلا عما قامت به من مبادرات عدة للمصالحة الصومالية وبناء السلام على صعيد القرن الأفريقي هذا فضلاً عما قامت به مبادرات عدة للمصالحة الصومالية وبناء السلام على صعيد القرن الأفريقي هذا فضلاً عن اهتمامها بالعلاقات العربية الأفريقية والتي جسدتها عمليا بقيام تجمع صنعاء للتعاون لدول جنوب البحر الأحمر، وقيام رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي. كما عززت اليمن من مكانتها الدولية مع المنظمات الإقليمية والدولية، وطورت علاقاتها مع العديد من دول العالم على أساس راسخ من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وبعد:
إن مرور ثمانية عشر عاما على قيام دولة الوحدة بكل ما واجهها من صعوبات وتحديات، وما أحاط بالفترة الانتقالية من أزمات وأخطار أدت إلى انفجار الحرب ومحاولة الانفصال الفاشلة لما يؤكد الدور الريادي للأخ الرئيس علي عبدالله صالح في تحقيق الوحدة والحفاظ عليها وتقديمها أنموذجاً حياً يبعث في أمتنا العربية مشروع الأمل الوحدوي الحضاري، وقدوة عملية يحتذى بها.
*عضو مجلس الشورى
* ورقة عمل قدمت الى ندوة " معاً نحو تعزيز الوحدة اليمنية وحماية مكاسبها الوطنية والتنموية" نظمتها جامعة تعز .


ارسل هذا الخبر اطبع الخبر
حقوق الطبع محفوظة © للمؤتمر الشعبي العام 2004
تصميم الموقع: ديزاين جروب للدعاية والإعلان