قراءات في مسيرة الوحدة
اليمن...الوحدة بعد عشر سنوات
بقلم- سيف الدين عبد الجبار
أذكت ثورة 26 أيلول (سبتمبر) 1962 في شمال اليمن المقاومة الوطنية في الجنوب فانطلقت في 14 تشرين الأول (أكتوبر) 1963 حركة معتمدة الكفاح المسلح للتحرر من الاحتلال البريطاني الذي تحقق في 30/11/1967 م فتوفرت أرضية وحدة الشطرين.
وبعد خروج المحتلين البريطانيين من جنوب اليمن وقيام جمهورية اليمن الجنوبية حدثت متغيرات تدعم من فكرة وجود دولتين منفصلتين نتيجة اندلاع الثورة في الشمال والكفاح المسلح في الجنوب مما خلق ظروفا سياسية جديدة في المنطقة أدت الي تصدع العلاقات السياسية بين الشطرين وقد بدا لصنعاء عقب استقلال الجنوب ان حكام عدن سوف يعلنون فورا الوحدة مع الشمال إلا انهم لم يفعلوا ذلك.
لقد اتسمت العلاقات بين شطري اليمن برغم ما يجمعهما من روابط عميقة مشتركة بنوع من التوتر الذي وصل الي حد استخدام العنف المسلح أحيانا، لكن عقب كل صدام مسلح بينهما كان الطرفان يصلان الي اتفاق للوحدة أو علي الأقل الإعداد لها.
ومما زاد في أسباب الخلاف بين الشطرين كان إجراء التعديل الدستوري الذي أعلنه الرئيس الأسبق سالم ربيع علي في الذكري الثالثة للاستقلال والذي استبعد بمقتضاه تسمية (اليمن الجنوبية) واصبح الاسم الرسمي لهذا الشطر من اليمن هو (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) إذ لم يكن وقع الاسم الجديد طيبا علي إذن صنعاء وكان اكثر ما أثار امتعاضها اسم (الديمقراطية) هذا إضافة الي الخلافات الأخرى المتمثلة في طبيعة الأجيال الحاكمة في كل من صنعاء وعدن، فبينما نواة الحكم في الشمال جيل ينتمي الي القضاة والشيوخ فان نواة الحكم في الجنوب تنتمي قواعدها وقياداتها في الأغلب الي جيل الثلاثينات. وبينما تمضي في الجنوب تجربة الاشتراكية فان الشمال يسوده واقع مختلف يتجه نحو النظام الرأسمالي الحر الذي يشجع استثمار رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية وسياسة الانفتاح علي العالم في محاولة لحل مشاكله الاقتصادية وبإقامة مشروعات استثمارية في البلاد واتخذت حكومة الشمال قرارا بالسماح لعدد من البنوك الأجنبية بفتح فروع لها في المدن اليمنية الرئيسية بينما بادرت حكومة الجنوب الي تأميم البنوك والشركات الأجنبية وصادرت أراضى وممتلكات سلاطين وامراء وشيوخ وحكام العهد السابق وعائلاتهم أيام الاحتلال.
ومن هنا كان لا بد ان تختلف نظرة كل من النظامين اليمنيين إزاء الوحدة اليمنية وكيفية تحقيقها.
ففي 25 26و/11/ 1970م عقدت اجتماعات بين زعيمي الشطرين واتفقا علي اتخاذ الإجراءات الأولية اللازمة لاقامة اتحاد فيدرالي بين الشطرين إلا ان العلاقات بينهما أخذت في التدهور عام 1971 ثم وصلت الي حد الصدام المسلح علي الحدود في شباط (فبراير) 1972 علي اثر مقتل الشيخ ناجي الغادر أحد شيوخ الشمال ومعه ستون آخرون علي أيدي قوات الجنوب.
ففي الثاني والعشرين من شباط (فبراير) 1972 اصدر مجلس الدفاع الوطني في عدن بيانا اتهم فيه حكومة صنعاء بشن هجوم عسكري صباح يوم 21/2/1972م علي الخطوط الامامية في المديرية الشمالية من المحافظة الرابعة من قبل ما اسماه البيان المرتزقة الذين يقدر عددهم بألف مرتزق يقودهم الشيخ ناجي بن علي الغادر والشيخ الهيال والشيخ حنتش أسفرت عن مصرع اكثر من ستين شخصا منهم وعلي رأسهم الشيخ الغادر والهيال وحنتش والاستيلاء علي عدد من الأسلحة والآليات.
أما صنعاء فقد أصدرت هي الأخرى بيانا اتهمت فيه حكام الجنوب بمقتل الشيخ الغادر وخمسة وستين شخصا آخرين بعد ان وجهت حكومة عدن الدعوة لهم واستقبلتهم علي الحدود واستضافتهم في مخيم علي الحدود اعد لهم وبينما هم يستعدون لتناول الغداء إذا بالمنطقة تسمع دويا هائلا فقد نسف المخيم بمن فيه.
وفي آذار (مارس) 1975 تزايدت أعمال التسلل والتخريب في مناطق الحدود بين الشطرين إلا ان كلا من الرئيس الشمالي المقدم إبراهيم الحمدي والرئيس الجنوبي سالم ربيع علي استطاعا التوصل الي عقد اجتماع في قعطبة علي الحدود في 15/2/1977م لنزع فتيل الأزمة، وفي فترة الرئيس احمد حسين الغشمي الذي أعقب الحمدي شهدت العلاقات بين الشطرين تحسنا إلا أنها عادت الي التوتر مرة أخرى عقب اغتيال الغشمي في 24/6/1978م بواسطة شحنة ناسفة كان يحملها مبعوث يمني جنوبي اتهم الرئيس ربيع علي بتدبيرها ونفذ فيه حكم الإعدام بعد يومين من مصرع الغشمي وتوترت الأجواء واشتعلت الحدود بين الشطرين واتخذ مجلس الجامعة العربية قرارا بمقاطعة اليمن الجنوبي لدوره في اغتيال الغشمي.
إن الحديث عن الوحدة اليمنية وخاصة في ذكراها العاشرة له دلالات كبيرة إذ أنها جاءت بعد تضحيات كبيرة سقط من اجلها رؤساء في كلا الشطرين وجاءت تتويجا لنضالات وزيارات ومشاريع متلاحقة. إذ لم يكن من السهل إقامة وحدة بين نظامين مختلفين لكل منهما منطلقاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتباينة أشبه بقطارين منطلقين بسرعة في اتجاهين مختلفين.
فالأمل الذي كان يبدو بالأمس بعيدا قد اصبح اليوم واقعا وتحقق كل ما كانت الجماهير اليمنية تحلم به وسقط التشطير واصبحت الوحدة اليمنية القاسم المشترك الذي اجتمعت علي معالجته كافة القوي والتيارات الفكرية والسياسية المختلفة لكونها نتيجة طبيعية تمس وجدان الشعب اليمني وتتعلق بتاريخه حاضرة ومستقبله معا أي أنها هدف محوري لدي الغالبية العظمي للأحزاب السياسية والتنظيمات التي شكلت عبر مسيرة التحرر اليمني سواء في الشمال أو في الجنوب الأمر الذي يعكس عمق الإيمان الشعبي بوحدة اليمن الطبيعية وبضرورة التخلص من التجزئة والتشطير.
ان الوحدة اليمنية هي قدر الشعب اليمني في شطريه وهي ضرورة حتمية لتكامل نموه وتطوره وضمانة لقدرته علي حماية كيانه وقدرته علي أداء دور فعال وإيجابي علي المستوي القومي والدولي.
المقال نشر في صحيفة الزمان
ارسل هذا الخبر اطبع الخبر
حقوق الطبع محفوظة © للمؤتمر الشعبي العام 2004
تصميم الموقع: ديزاين جروب للدعاية والإعلان