الخميس, 18-أبريل-2024 الساعة: 05:43 ص - آخر تحديث: 02:25 ص (25: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت/ د. فؤاد الصلاحي -
البناء الديمقراطي في مجتمع تقليدي
إن طبيعة النظام السياسي الديمقراطي في المجتمع – أي مجتمع- يعبر ويعكس منظومة من القيم والمحددات الثقافية والسلوكية التي تربط به وتبلور عمليا الأيديولوجيا الرسمية المحددة للدولة (أو نظام الحكم)، في هذا السياق شهد المجتمع اليمني منذ 22 مايو 1990م تحولات سياسية هامة شكلت نقلة نوعية في طبيعة النظام السياسي اليمني أبرز ملامحه التحول الليبرالي الذي أسس دستوريا وقانونياً للتعددية الحزبية والديمقراطية، هذا الواقع المتحول شكل من جانب آخر تجاوزاً للشمولية والشطرية وممارستهما اللاديمقراطية، الأمر الذي أفرز معه تحولات قيمية وثقافية تعتبر من أهم متطلبات البناء السياسي للنظام الديمقراطي الحديث، وذلك يعني أن التحول الديمقراطي Democratization يتطلب بالضرورة نسقاً ثقافياً يتبلور عمليا في أنماط السلوك والعلاقات والتفاعلات بين الدولة والمجتمع وبين مختلف الأفراد والجماعات والقوى السياسية والاجتماعية، أي أن البناء الديمقراطي يتطلب تجديداً مؤسسياً وثقافياً وسلوكياً، ذلك يعني أن الدولة اليمنية المعاصرة في تمثلها نسق سياسي ليبرالي لا بد وأن يرتبط به بالضرورة تغير ثقافي يطرأ على النظام الاجتماعي وعلائقه المتعددة (أفقياً وعمودياً) وذلك يعبر في دلالته عن حركية المجتمع وتحولاته، هذه التحولات تشكل في مجملها استجابة إيجابية للمتغيرات الدولية التي لم يعد في مقدور أي مجتمع أو دولة عزل نفسه عنها. ولعل التحول الديمقراطي المعلن منذ عام 90م يعبر عن أهداف وتطلعات غالبية أفراد المجتمع في بناء دولة وطنية حديثة تكون فيها المواطنة المتساوية المحك الأساس للوجود الاجتماعي للأفراد والجماعات، إضافة إلى كون تلك المواطنة المتساوية دلالة هامة وعلامة مائزة للتحديث السياسي المعبر عنه في التعددية والديمقراطية، إن إعلان التحول الديمقراطي يرتبط به مباشرة ضرورة وجود ثقافة سياسية حديثة أهم مفرداتها: (التعدد، التنوع، المنافسة، المشاركة، تداول السلطة، التسامح، الحوار، الاختلاف، نبذ العنف..) وهي مفردات تدخل ضمن منظومة متكاملة تشكل وعيا ضديا للتقليدية والعصبوية وما يرتبط بهما من قيم ثقافية، وهنا تتجلى في الواقع المجتمعي إشكالية تعكس صراعاً ثقافياً (قيمياً وسلوكياً) بين مرجعيتين متباينتين تنتمي كل منهما إلى مجال زمني ومعرفي مغاير، وتعبر كل منهما عن قوى اجتماعية محددة. وذلك يعني أن التحول إلى الديمقراطية في المجتمع اليمني ترتبط به وتترافق مع بروز إشكالية الصراع والتداخل والتأرجح بين نمطين من المحددات الثقافية والقيمية تعكس طبيعة السياق المجتمعي العام ومسار تطوره التاريخي، ولما كان المجتمع اليمني المعاصر يصنف بأنه مجتمع تقليدي، فإن الموروث الثقافي لا يزال يؤثر في مجمل الحياة الاجتماعية بل ويؤثر ايضا في الحياة السياسية. من هنا يمكن القول أن الواقع الراهن في المجتمع اليمني كما عكسته الانتخابات البرلمانية والمحلية منذ 93-2003م يشهد صراعا بين الثابت والمتحول في القيم والمعايير وأنماط السلوك في إطار جملة من التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يتعرض لها المجتمع منذ بداية حقبة التسعينات من القرن العشرين، فالتحول السياسي نحو الديمقراطية الذي ترافق مع إعلان دولة الوحدة تطلب بدوره محددات ثقافية وقيمية جديدة تعبر عن محاولة الخروج من البناء التقليدي العصبوي ومنظومته الثقافية الموروثة والولوج إلى مرحلة الحداثة السياسية التي تنتمي إليها الدولة الوطنية والتطور الرأسمالي بكل محدداته وتداعياته، إلا أن واقع الحياة اليومية يعكس صعوبة خروج الأفراد (في علاقاتهم وثقافتهم) من مؤسساتهم التقليدية ومنظومتها الثقافية، فهذه الأخيرة قد تسمح للتحولات السياسية الحديثة، ولكنها لا تتيح لهذه التحولات أن تتجذر وتتمأسس في الواقع وفق شروطها الخاصة، الأمر الذي أدى ببعض الكتاب الأجانب إلى القول بعدم جاهزية اليمن للديمقراطية. ولكن ما هي الديمقراطية؟ ما مفهومها؟ وما دلالاتها ومؤشراتها؟ إن الديمقراطية كمفهوم رغم كثرة استخدامه وترديده إلا أنه يفهم بأكثر من معنى: وفي إطار ظروف المجتمع العربي عامة واليمني خصوصا تعتبر الديمقراطية من أهم الأولويات السياسية، ذلك أن مجمل التحديات والمشكلات التي نواجهها يكمن أهم مفاتيحها في الديمقراطية باعتبارها منهج وعملية وثقافة تمكن المجتمع من تفعيل إرادته نحو التجديد والتطور السياسي، وذلك يعني البحث عن أفق جديد للممارسة السياسية في إطار بناء الدولة الحديثة القائمة على مبدأ المواطنة المتساوية. وتحديد مفهوم الديمقراطية لا يعني البحث عن نظرية جاهزة ومكتملة يتم نقلها أو استيرادها، فالديمقراطية عملية تاريخية وتدرجية ولهذا يتطلب بنائها وقتا أطول، ولا يمكن أن تطبق الديمقراطية في جميع دول العالم بصورة واحدة، فما هو قائم حاليا يؤكد تعدد الديمقراطيات في صيغها وملامحها وفقا للسياق المجتمعي ومسار تطوره التاريخي الذي يتباين من مجتمع إلى آخر، ومع ذلك يمكن القول بوجود قواسم أساسية مشتركة بين جميع الديمقراطيات في العالم أهمها ثلاث صفات أساسية لا يمكن أن توجد الديمقراطية دونها وهي: الاعتراف بالحقوق الأساسية، المواطنة المتساوية، الصفة التمثيلية، ولكي تترجم هذه الخصائص واقعياً، نقول أنه لا بد من مقومات أو مرتكزات ثلاثة تنهض عليها عملية البناء الديمقراطي كما عبر عنها (ألان تورين- أهم الكتاب الفرنسيين المعاصرين).
1- التعددية التنظيمية والفكرية التي تعبر عن المصالح والرؤى الاجتماعية السياسية المتباينة بما يتضمنه ذلك من الاعتراف بالحريات الأساسية.
2- التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخاب لتجسيد مبدأ الشعب مصدر السلطات وإشراك الجميع في تقرير مسألة السلطة.
3- سيادة القانون كقاعدة أساسية لتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع.
إذاً الديمقراطية هي حق الشعب في انتخاب حكامه دون اللجوء إلى العنف، وهي الاعتراف بحق الأفراد والجماعات في أن يكونوا صانعي تاريخهم، وأنها تجعل من الأفراد ذوات فاعلة، صانعة لنفسها أي لحياتها الفردية والجماعية، وكل ذلك يعني حق الأفراد والجماعات في اختيار من يحكمها (أي تحقيق الصفة التمثيلية المجتمعية التي يتمتع بها الحكام) وهنا تأخذ النخب الحاكمة مشروعيتها من المجتمع المدني الذي يشكل وجوده علامة مائزة للديمقراطية، الجدير بالذكر ان الاعتراف بالحقوق الأساسية يكون فارغا من أي مضمون إذا هو لم يفضي إلى توفير الطمأنينة والأمن للجميع، وإلى تعميم الضمانات الشرعية وتدخلات الدولة من أجل حماية الفقراء والضعفاء.
إن محاولة بناء دولة مؤسسية ديمقراطية في اليمن وترسيخ وجودها اجتماعيا وسياسيا لابد وأن تتأسس معه ثقافة حديثة تجدد وتطور وعي الأفراد وفق عملية منهجية في جيمع مجالاتها وميادينها وخاصة مجال التأسيس المعرفي لمفهوم الديمقراطية في وعي الأفراد والجماعات وذلك من خلال عملية التنشئة السياسية، وهي العملية التي تشكل البعد الرئيسي في تجذر بناء الديمقراطية، ومعنى ذلك أن تتحول معاني وقيم الديمقراطية من أفكار وتصورات مجردة إلى وعي مدرك لدى الأفراد والجماعات التي تحول ذلك الوعي إلى سلوك ممارس في الواقع المعاش. والتنشئة السياسية هي: عملية تهدف إلى إكساب الأفراد وعيا سياسيا جديدا يمكنهم من تحقيق مشاركة إيجابية وفعالة أي يمكنهم من الوعي بطبيعة المجال السياسي الذي ينبغي عليهم المشاركة فيه، بمعنى آخر يمكن القول أنها عملية تهدف إلى رفع مستوى وعي الأفراد السياسي والاجتماعي وإكسابهم قيما وأفكاراً وتصورات واتجاهات سياسية ومعرفية حديثة تبلور وعيهم وتخلق لديهم قناعات قيمية وثقافية بأهمية الديمقراطية حتى تترسخ لديهم كسلوك ممارس وهنا تصبح الديمقرايطة ليس فقط منهجا للحكم بل وأسلوب للحياة بعبارة أخرى نقول إن مهمة التنشئة السياسية تعميق المفاهيم الجديدة في وعي الأفراد والمجتمع من أجل تحقيق تكامل بين البناء السياسي الحديث ومنظومة القيم الثقافية الداعمة له. فالديمقراطية حتى يتقبلها الأفراد ويرتبطون بها ويدافعون عنها لا بد من أن تتأسس وتترسخ في وعيهم ومداركهم كقناعات معرفية راسخة، وهذا الوعي تكمن دلالته في اتساع معارف الناس بالديمقراطية وانعكاسه على إدراكهم للمتغيرات السياسية التي تحدث في الدولة والمجتمع، ومدى التعامل معها أو مدى تقبلها والاستجابة لها. في هذا السياق يكون السؤال الذي يطرح نفسه علينا هو ما مصادر اكتساب الوعي بالديمقراطية؟ وأين وكيف نتعلم الممارسة الديمقراطية؟
إن وعي أفراد المجتمع بالديمقراطية يرتبط بمحددات متعددة ومتنوعة: اجتماعيا، اقتصادياً ثقافياً، مكانياً (الوضع التعليمي- المهنة- الوضع الاجتماعي (الطبقي)- العمر- مكان الإقامة الحالي- الإقليم (المحافظة)- وسائل الإعلام المختلفة).. وهذا يعني وجود مصادر أو قنوات متعددة تتشكل من خلالها الثقافة السياسية الحديثة، من هنا ندرك أهمية وجود مؤسسات للتنشئة السياسية سواء كانت مؤسسات رسمية أم أهلية، أهمها مؤسسات المجتمع المدني (نقابات/ جمعيات/ منظمات/ أندية/ مراكز/ أحزاب/ جامعات) وسائل الإعلام المختلفة (مسموعة/ مرئية/ مقروءة) إضافة إلى مؤسسات التعليم العام. وكل منها تقوم بأدوارها في مجال تنمية الوعي السياسي والاجتماعي حتى يمكن خلق ثقافة سياسية حديثة وخلق وعي جمعي ينتشر في أوساط كل أفراد المجتمع. ولما كان الإعلام الرسمي غير قادر على مواكبة التحول الديمقراطي ويبالغ في تصويره، فإن اكتساب الوعي السياسي يرتبط بمصادر حديثة وتقليدية في آن واحد تعمل على خلق ثقافة نمطية تؤثر في طبيعة المشاركة السياسية لكل فرد وتحدد اختياراته، وهنا يمكن القول أن فعالية الأطر التقليدية أكثر تأثيراً من الأطر الحديثة التي لم يعد بالإمكان عزل تأثيرها عن أي مجتمع.
صفوة القول إن المتغيرات السياسية التي يشهدها المجتمع اليمني إضافة إلى كونها تمنح النخبة الحاكمة مشروعية جديدة باستمراريتها في السلطة، إلا أنها أيضاً أوجدت وعي نسبي لدى أفراد المجتمع بالديمقراطية، وأن هذا الوعي يتزايد نموه بإطراد وفقاً لتعدد وتنوع مصادر التثقيف والمعرفة، خاصة تلك المصادر المرتبطة بالمتغيرات الدولية المرتبطة باتساع الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي في العالم حيث تتشكل منها آليات دعم إيجابية لعملية التحول الديمقراطي في المجتمع اليمني.
أستاذ علم الاجتماع السياسي










أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024