طالبان اليمن خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات النيابية حرص حزب التجمع اليمني للإصلاح على صياغة برنامج انتخابي غاب عنه الخطاب الديني المتشدد لجهة إظهار حزب "الإصلاح" في صورة المدافع عن الديمقراطية والحقوق المدنية والسياسية للشباب والطلاب والمرأة والعمال والفقراء. في الوقت نفسه كان معظم مرشحي حزب "الإصلاح" من غلاة المتشددين والمتزمتين الذين لا ينطبق على أفكارهم وتوجهاتهم ما جاء في البرنامج الانتخابي لحزب "الإصلاح" من مهام "عصرية" كان الهدف منها خداع الناخبين وقواعد أحزاب "اللقاء المشترك" وتحسين وتلميع وجه حزب "الإصلاح" وهو البرنامج الذي خاض مرشحو حزب "الإصلاح" الانتخابات على أساسه، ونجح بعضهم في تضليل الناخبين والوصول إلى مجلس النواب بتأثيره!! وعندما انتهت الانتخابات، بدأ المشهد السياسي لحزب "الإصلاح" يتغير بصورة لا تخلو من مفارقات مدهشة، حيث اتجه جناح "الإعلام والعلاقات العامة" في حزب "الإصلاح" ممثلا بالأستاذ محمد قحطان رئيس الدائرة السياسية وصحيفة "الصحوة" وصحيفة "الناس" و"الصحوة" نت" وكتابها لخوض معارك صوتية دفاعا عن الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، فيما بدأ حزب "الإصلاح" الحقيقي ممثلا بشيوخ مجلس الشورى "الإصلاحي" ونوابه في البرلمان ومعظمهم من خطباء المساجد المتزمتين يخوض معركة همجية ضد المرأة طفحت بمعاداة حقوقها المدنية والسياسية، والمطالبة بمنعها من العمل وحبسها في المنزل والدعوة إلى ممارسة التغيير ضدها!!!). حزب الإصلاح الحقيقي يخوض منذ نهاية الانتخابات وفوز المؤتمر الشعبي العام معركته ضد المرأة وقد دشن الشيخ عبد المجيد الزنداني- رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح ومرشده الروحي- هذه المعركة عبر صفحات إحدى المجلات الصادرة باللغة العربية في لندن، وما زالت هذه المعركة دائرة عبر منابر مساجد العاصمة صنعاء حيث يتبارى نواب حزب "الإصلاح" من خطباء المساجد في الاقتداء والتأسي بسيرة نظام "طالبان" المقبور، وذلك من خلال مطالبتهم الوقحة بمنع المرأة عن العمل وحبسها في البيت وحصر دورها في تربية وتنشئة الأطفال وخدمة الرجال، والزعم بأن ذلك من أصول الدين عندهم!!؟؟ حين تأتي هذه الدعوة من أكبر حزب معارض في البلاد وهو الحزب الذي يقود تحالف أحزاب "اللقاء المشرك" ويسعى و "يجاهد" بشراسة من أجل الوصول إلى السلطة، فإن ثمة خطراً كبيراً يهدد الديمقراطية والمجتمع، خصوصاً عندما يتم توزيع الأدوار داخل حزب "الإصلاح" بين جناح يتفرغ للعلاقات العامة والإعلام بهدف تلميع وجه هذا الحزب لدى الرأي العام اليمني والعربي والعالمي والسفارات الأجنبية؛ وجناح آخر يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ويستنسخ على أرضنا صورة سوداء لتجربة نظام "طالبان" القبيحة والعياذ بالله!!. لسنا بصدد إثبات زيف ادعاءات شيوخ حزب "الإصلاح" ونوابه في البرلمان من خطباء المساجد وتعارضها مع أصول الإسلام، واختلافها مع مواقف معتدلة ومشهورة لعلماء دين أفاضل ومفكرين إسلاميين مستنيرين، وهذا ما سوف نسعى إليه في بحث مفصل قريبا جدا بإذن الله.. بيد أن ما يعنينا هو صمت أحزاب "اللقاء المشترك"- التي تدعي أن لديها مشروعا أفضل من المؤتمر الشعبي العام- عن هذه الهجمة الرجعية التي تتعرض لها المرأة على يد حزب "الإصلاح" الحقيقي ونوابه المتطرفين في البرلمان، الذين أعلنوا حربهم المسعورة ضد المرأة منذ أسبوعين عبر منابر المساجد التي يخطبون فيها.. ولعل ذلك ما يفسر قلق وغضب الأخت المناضلة رضية شمشير عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني التي اتهمت حزبها بأنه تخلى عن قضية المرأة تحت ضغط تحالفاته السياسية الانتهازية وما يترتب عليها من مراهنات ومساوقات وتنازلات خطيرة!! الزنداني وشيوخ حزب "الإصلاح" يتهمون المرأة بأنها سبب البطالة في البلاد، ويعرضون على الناس وصفة سحرية لمعالجة البطالة من خلال حبس المرأة العاملة في البيت وتوظيف الرجال العاملين بدل النساء العاملات.. وهذا يعني أن حزب "الإصلاح" سيقوم بجرة قلم في حالة وصوله إلى السلطة بالانقلاب على الدستور وشطب المنجزات المتواضعة لكفاح المرأة اليمنية منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وسقوط دولة الإمامة الدينية الكهنوتية التي كانت تتستر بشرعية الحاكمية وتطبيق الشريعة الإسلامية؛ حيث أصبحت المرأة تشتغل في العمل السياسي العام وتمارس وظائف الولاية العامة كوزيرة وسفيرة ونائبة في البرلمان وموظفة حكومية وعاملة صناعية على تواضع هذا الدور الذي ينبغي تعزيزه وتوسيع نطاقه بدلا من الانقضاض عليه وتصفيته بحسب ما يدعو إليه شيوخ التطرف في حزب "الإصلاح"! إنهم يهددون بكل صراحة مكاسب المرأة اليمنية التي أصبحت بفضل المتغيرات التي حدثت بعد الثورة والوحدة والديمقراطية عاملاً نشطاً في الجماعات المهنية التي تشمل الأطباء والمهندسين والمحامين والصحفيين والتجار وأساتذة الجامعات وهيئات البحث العلمي والقضاء والشرطة والأدب والفن والإعلام والتدريس والتمريض، بالإضافة إلى دورها الإنتاجي في القطاع الهامشي مثل إنتاج المواد الغذائية والحرفية والخدمة في البيوت. وتشير مؤشرات عمل المرأة في الريف إلى أنها تعمل ساعات أطول من الرجل سواء في الحقل أو المنزل.. غير أن المجتمع لا يعترف بعملها هذا نظراً لغلبة المفاهيم التي تعرف عمل المرأة في إطار المجال الخاص، بينما يتم تعريف عمل الرجل في إطار المجال العام!!. يقيناً إن دعوة شيوخ حزب "الإصلاح" إلى حبس المرأة في المنزل وعزلها عن محيطها الاجتماعي، تهدد بحرمانها من التفاعل مع هذا المحيط، ومنعها من اكتساب الوعي الاجتماعي والنضج الحر اللازم لتنشئة وتربية الأطفال؛ وهي المهمة المحببة لدى شيوخ "الاصلاح" بالنسبة للمرأة!! وحين يتم حبس المرأة في المنزل تنفيذاً لأفكار شيوخ حزب "الإصلاح" المتطرفة، فما قيمة تعليم المرأة وحصولها على المؤهلات العلمية عندما تلوذ بجدران البيت في نهاية المطاف؟.. فالمعارف المكتسبة من التعليم تحتاج إلى ممارسات وخبرات حية تمنحها القدرة على الاستمرار والتجدد والعطاء. وقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن حبس المرأة المتعلمة في المنزل يؤدي إلى بلادتها وخمولها.. وهنا يمكن إدراك مغزى ربط "طالبان أفغانستان" بعد وصولهم إلى السلطة بين حرمان المرأة من العمل وحرمانها من التعليم وهو ما يدعو إليه اليوم الزنداني وشيوخ حزب "الإصلاح" بكل وقاحة. مشكلة أحزاب "اللقاء المشترك" أنها غير مهتمة بهذا الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبل البلاد، فهذه الأحزاب لم يعد يهمها سوى التباكي على خيبتها من نتائج الانتخابات التي لا تكون ديمقراطية بحسب منظورها إلا إذا أدت إلى وصول "طالبان اليمن" إلى السلطة، ووصل أشباه "الأكليروس" في حزب "الإصلاح" إلى الحكم، ليصدروا بعد ذلك فرمانا تهم بحبس المرأة في المنزل وتحريم الفنون والموسيقى وجلد المفكرين والشعراء والمطربين والرسامين والعازفين على الآلات الموسيقية، وتحطيم العود والربابة والبيانو في الساحات العامة، وتكفير التصوير وإغلاق التلفزيون، وإجبار الرجال على التشبه بأشباه "الأكليروس" من خلال إطالة اللحى الكثة وارتداء الجلابيب القصيرة والنظر إلى الناس بعيون قاسية وحادة، وصولاً إلى إصدار قائمة من الضوابط التي تسمح لنا بما ينبغي أن نقوله في مجالسنا ونكتبه في مقالاتنا وقصائدنا ونفكر به في أبحاثنا.. بمعنى مصادرة حريتنا في الاختيار والتفكير والتعبير والعمل، واغتيال عقولنا. يا أحزاب "اللقاء المشترك".. أيتها النساء الحرائر من كل اليمن.. أيها المدافعون الحقيقيون عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة.. استيقظوا أو موتوا؟؟ |