حول البرنامج العام للحكومة بالمنطق المألوف لسياسة- عارض كل شيء لأنك معارض- أصدرت أحزاب المعارضة ( الإصلاح, الاشتراكي والوحدوي الناصري) بيانا تهكميا مشتركا ترفض فيه البرنامج العام للحكومة جملة وتفصيلا.. لأنها وجدته بعد ( دراسة وافية) على غير هواها ( ومخيبا للآمال والتطلعات)على حد تعبير البيان ويبدو أن الخيبة التي تحدث عنها البيان كانت ذات وقع أعظم بعد أن شق طريقه إلى وسائل الإعلام, والتهمته العيون بالقراءة. فإن أحدا لم يصدق أن يكون ذلك التفكير الضحل وتلك الصياغة التعبيرية الهزيلة للغاية هي ثمرة ( دراسة وافية) وخلاصة ثقافة سياسية وطنية لأحزاب مطالبة أمام الجماهير بأن تكون المرآة الأمينة التي تتلمس بها السلطة أخطائها ومواضع قصورها, وتستمد من حصافة رؤاها السياسية, ومن مواقفها المبدئية الصادقة والشجاعة قوة الدولة وأساساتها النهضوية المتينة. ولاشك أن تعاظم خيبة الشارع اليمني في بيان أحزاب المعارضة الثلاثة لم يكن ناجما عن أنفعالات وجدانية غير مبررة, أو ردود فعل لأثر سابق بقدر ماسببه البيان من استفزاز عبثي لمشاعر الإنسان اليمني, ومداركه العقلية الناضجة التي أستخفت بها قيادات تلك الأحزاب, وسخرت من قدراتها, في التمييز بين ما هو منطقي وماسواه من جدل أو إدعاء .. والتفريق بين ما هو واقع معاش وبين الوهم الذي يمحق النعم, ويجحد حتى ما هو ماثل للعيان, وتتلمسه أيادي القاصى والداني.. إن إلقاء نظرة سريعة على مضمون بيان رفض البرنامج العام للحكومة الذي حملت صياغة خلاصة قيم العمل السياسي عند حزب الإصلاح والاشتراكي والوحدوي الناصري, وبلورت بعد ( دراسة وافية) لبرنامج الحكومة ما تعتقده تلك الأحزاب شهادة أمام الله تترجم بها مستوى أمانتها مع الجماهير.. لابد وأن تقودنا إلى اكتشاف جملة من الحقائق المريرة التي ظلت تلك الأحزاب تعتمدها بدائلا للقيم السياسية والأخلاقية للممارسة الديمقراطية, وتجعلها الهم الأكبر الذي تسخر له جل إمكانياتها المادية والبشرية لتفعيله في الساحة بدلا عن أي عطاءات أو برامج إنسانية ووطنية تخدم غايات الممارسة الديمقراطية والحركة التنموية للمجتمع اليمني.. ومن تلك الحقائق التي نقرأها في بيان أحزاب المعارضة حول البرنامج الحكومة مايلي: * ترى أحزاب المعارضة أن إيفاء المؤتمر الشعبي العام في البرنامج الحكومي بكل ما أعلن عنه في برنامجه الانتخابي هو " مخيباً للآمال والتطلعات للشعب اليمني) وتضع ذلك في مقدمه الأسباب الداعية لرفض برنامج الحكومة..وكان لهذه الانتقادات وقع مثير للدهشة إلى أبعد حدود لأنها مؤشر قوي على جهل قيادات تلك الأحزاب بأصول وقيم العمل السياسي. فهم يتنكرون لظاهرة أعدها جميع مفكري العالم السياسيين خاصية نادرة قلما ترتقي الأحزاب إلى فلسفتها الأخلاقية فتفي بما قطعت من عهود لجماهيرها.. ولو راجع أحدهم بعض ما كتبة المفكر" (جان جاك روسو) بهذا الخصوص في كتابه( العقد الاجتماعي) لوقفوا على فداحة الخطأ الذي ارتكبوه , لأنه يعتبر إخلال الحاكم ببعض بنود الوعود التي عاهد عليها شعبة قبل تسلمه السلطة بمثابة فسخ للعقد المبرم بين الشعب والحاكم, ويبرر للطرف الآخر حتى الخروج على طاعة الدولة ومناهضتها. وفي الحقيقة كان من السذاجة جدا للمعارضة أن تطالب المؤتمر الشعبي العام بالنزول في الانتخابات ببرنامجه الخاص به, حتى إذا ما تجاوبت معه الجماهير وفاز مرشحوه, نقضه وعمل ببرامج أحزاب المعارضة التي بارت في أسواق الدعاية الانتخابية ولم يثق بها إلا نفر قليل .. ولعل مطلب مثل هذا يعد شهادة تزكية للمؤتمر الشعبي العام, ويؤكد الإفلاس الديمقراطي للآخرين الذين لم يجدوا في البرنامج الحكومي ما ينتقدوه فصاروا يتخبطون القول والإدعاء. * تنكر البيان الصادر عن الحلف الثلاثي للمعارضة لأي جهود من أجل ( تعزيز العمل الديمقراطي وإيجاد الحياة الآمنة والمستقرة لكافة أفراد الشعب) واتهم الحكومة بـ ( تجاهل متطلبات الأمة) .. فعلي الرغم من أختلاف هذه الأحزاب في تفسيرها لمفهوم( الأمة ) بين الناصريين الذين يفهمونها ( الأمة العربية ) والإصلاح يفهمها ( الأمة الإسلامية) ويتنكر للأولى, والاشتراكي الذي يجحد بالتفسيرين ويعتبرها ( كيان فكري أيديولوجي) .. فإننا لا ندري كيف يقرأ البيان مفاهيم الديمقراطية.. فلعله يحتفظ لنفسه بمعاني أخرى يطلقها على ما هو كائن من ممارسات انتخابية حرة لمجلس النواب والمجلس المحلي وحتى الرئاسة, فضلا عن الحريات العامة الأخرى.. إن لمن الغريب حقا أن تصدر أحزاب المعارضة بيانا تهكميا على الحكومة متخم بالزيف والافتراء ثم تدعي أن هذا الفعل لا يمت للممارسات الديمقراطية بصلة..؟ أما فيما يتعلق بالأمن والاستقرار , فإن أنفعالات الغضب منها في البيان مفهومة عند الجميع ومتوقعة أيضا حيث أن البعض لم يعد بمقدوره ممارسة لعبته المفضلة في التفجيرات والاغتيالات السياسية, واختطاف الأجانب , وتفجير مصالح الدول الصديقة وأنابيب البترول المصالح الحكومية, ولا حتى التهديد والابتزاز السياسي, فهذه الممارسات عند البعض تعني مشاريع مستقبلية لتحقيق الأمن والاستقرار. *لعل من أكثر ما لفت انتباه الشارع اليمني في بيان مثلث المعارضة هو الفقرة الخاصة بحقوق المرأة, فقد كانت ردة الفعل العفوية عند كل من أطلع على البيان أن يتوقف عند هذه الفقرة, ويتمتم ببضع كلمات ويلقي بالبيان جانبا دون إكمال القراءة. فهي اللحظة التي كان الجميع يستحضر لذهنة فتوى الشيخ عبدالمجيد الزنداني التي أطلقها مؤخرا بخصوص المرأة وعدم جواز تعليمها أو خروجها للعمل. لكن تأكيد البيان على حقوق المرأة وتعليمها وخروجها للعمل, والتباكي الموجع على دورها الفاعل في المجتمع كان يحمل بين طياته دلالات سياسية عديدة تتعلق بحزب الإصلاح الذي يمثل الثقل الأكبر في مثلث المعارضة المتبنية للبيان فمن المعلوم عند الجميع أن الشيخ الزنداني يمثل الواجهة الأكبر لحزب الإصلاح , وسبق أن مثله في المجلس الرئاسي أبان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية, لذلك فإن تقاطع الآراء والدعوات حول مسألة حريات المرأة تؤكد بلا أدنى شك بأن الإصلاح لا يقوم على أي منهجية فكرية سياسية, وأنه لا يتعدى أن يكون (حزب الأقنعة) الذي يعمل بلا أوجه حقيقية, وأن أقصى غاياته أن يمسك بمقاليد الحكم ثم ليعرف من يعرف أي لون من الأحزاب هو.. فقيادة الإصلاح أثبتت خلال السنوات القليلة الماضية أنها لا تكترث لقيم العمل السياسي, ولا لمشروعية وسائل العمل الوطني, فبات كل همها أن تمر مخططاتها وتلعب أدوارها, على الطريقة الماركسية بحضور الاشتراكيين, وعلى إيقاع الشعارات القومية بحضور الناصريين, وبلسان الصحابة الإجلاء بحضور البسطاء الكادحين, حتى إذا أقترب يوم الاقتراع للانتخابات كان ( اليدومي) يلعبها على الطريقة الأمريكية ( المخابراتية) فيعلن من غير أدني تحفظ بأن حزب ( الإصلاح) مستعد لاقامة علاقات مع أمريكا بأفضل مما هي عليه الآن.. في القوت الذي كان إعلام الإصلاح يهاجم العلاقات القائمة ويكيل لها الشبهات.. وهو الأمر الذي الجميع يتساءل: ماهي الثوابت الفكرية الوطنية التي يعتمدها حزب الإصلاح في برامجه السياسية. * وبالعودة إلى البيان, نجد أن تلك الأحزاب كانت تتضور جوعا, وتلقي باللائمة على حكومة المؤتمر الشعبي العام.. ويبدو أن قياداتها لم تعرف بعد أن اليمن مصنفة عالميا ومن قبل الثورة السبتمبرية بأنها واحدة من الدول الفقيرة نظرا لصغر مساحاتها الزراعية, وشحه المياه, وضعف الموارد الطبيعية الأخرى, ولم يتم اكتشاف البترول فيها إلا أواسط الثمانينات وبكميات محدودة جداً لا تفي بسد نفقات القطاعات الخدمية, وبفضل الاستقرار الذي هيأته القيادة السياسية للمؤتمر الشعبي العام وبرنامج الإصلاحات الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات أخذ الوضع الاقتصادي بالتحسن وبدأت نسبة الفقر بالتراجع لكن الحقيقة التي ينبغي إدراكها هي أن المؤتمر الشعبي العام لا يمتلك العصا السحرية التي يفجر بها الثروات من باطن الأرض على غرار القدرات العجيبة لحزب الإصلاح التي وعد من خلالها برفع المرتبات بنسبة 100% مائة بالمائة, أو كغيرة من الأحزاب الذين وعدوا ببناء مساكن لكل الأسر اليمنية الفقيرة, واليوم يتحدثون عن (عشر ملايين) فقير لا أحد يدري كيف كانوا سيفون بوعودهم لهم. * تعرض البيان لموضع الإرهاب وتعريفاته والخلط مع مفهوم المقاومة وأشار إلى تصريح فخامة الأخ الرئيس مؤخرا حوله ومن هذه الملاحظة بالذات تترسخ القناعة لدينا بإفلاس هذه الأحزاب وجهلها الكبير بما يجري على الساحة الوطنية اليمنية بسبب انشغالها بالفتن وأثاره القلاقل والبلبلة, حيث أن موقف القيادة اليمنية من الإرهاب وتفريقه عن المقاومة هو موقف معلن ومعلوم للقاصي والداني ولايدع مجالا للشك فيه.. فإذا كانت هذه الأحزاب لم تعلم بعد بذلك الموقف ولم تستشهد إلا بحديث قصير لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح حول الإرهاب. فالأولى لقيادة الإصلاح والاشتراكي والناصري العودة إلى كتاب البيانات السياسية للأخ الرئيس بمناسبة أعياد الثورة لقراءة نصوص مطولة ومفصلة ضمن خطابات سيادته للأعوام ( 2000م-2002م) فضلا عن الكثير من اللقاءات والمناسبات التي أكدت الموقف اليمني *وأخيراً- فلا نظن أن البيان كان مخاض ( دراسة وافية) كما جاء في صدره, حيث أن أسلوب صياغته اللغوية لا يرتقي حتى إلى أسلوب مقال صحفي لإعلامي حديث العهد, ولم يكن مستوفيا للضوابط المعهودة في صياغة البيانات .. ويغلب الظن إنه ليس إلا حاصل تحصيل لتسجيل موقف من نوع ما .. لكن للأسف .. موقف مخيب لأمال السلطة والجماهير والمراقبين فيما يمكن أن تؤديه المعارضة من عمل وطني |