محطة أخيرة يكاد لا يمر يوم من دون ان يصدر نص اميركي، مقال او بحث او دراسة او كتاب، حول لبنان، البلد الصغير الذي أعاد الاميركيون اكتشافه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد نسيان امتد نحو عقدين من الزمن. حالة سياسية نموذجية: بلد صغير تقل مساحته عن مساحة ولاية كونكتيكت الصغيرة، ولا يزيد عدد سكانه كثيرا عن سكانها، ولا يتعدى حجم اقتصاده حجم عائدات شبكة ماكدونالدز للوجبات السريعة، حسب تعبير الكاتب ماكس رودنبك، اصبح احد الهموم الرئيسية لإدارة الرئيس جورج بوش التي لا تنقصها العناوين والقضايا الداخلية والخارجية، وبات ينافس العراق ويغطي على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ويضاهي الارهاب أحيانا. وكما هي العادة، تفتقر جميع النصوص الاميركية الى العمق التاريخي: لم يتوقف اي صحافي او كاتب اميركي مطولا عند التجربة الاميركية الاخيرة في لبنان، كيف ولماذا تورطت اميركا سياسيا وعسكريا في الحرب اللبنانية ثم فرت منه خائبة في اوائل الثمانينيات. تعود بعض الكتابات الى الخطأ الاميركي في صفقة التسعينيات مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، على ما جاء في المقال الاخير لفؤاد عجمي في فصلية ال<<فورين افيرز>>.. الذي يمكن ان يدرج في الكتابات الاسرائيلية اكثر مما يمكن ان يصنف من الكتابات الاميركية، ليس فقط لأنه اخطرها، بل لأنه اسوأها. وبناءً على تلك المقدمة النقدية للتواطؤ الاميركي الاخير مع سوريا حول لبنان، يعبر معظم الكتاب الاميركيين عن الدهشة والذهول للتحرك الشعبي الهائل، والسلمي، الذي شهدته شوارع بيروت في أعقاب اغتيال الحريري، والذي كان ينادي بالحرية والسيادة والاستقلال عن الوصاية السورية، من جهة، او الذي كان يصرخ من جهة اخرى بالاعتراض على التدخل الدولي في الشؤون الداخلية اللبنانية والدفاع عن المقاومة في وجه الخطر الاسرائيلي. ومن دون تحليل دقيق للظاهرتين المهمتين اللتين لم يفهم الكثير من اللبنانيين حتى الآن مغزاهما الفعلي، يقفز الكتاب الاميركيون الى الاستنتاج السطحي بأن اللبنانيين، على اختلافهم، اكتسبوا شجاعة جديدة نتيجة الاحتلال الاميركي للعراق وبرنامج الرئيس بوش لنشر الإصلاح وتعميم الديموقراطية في العالمين العربي والاسلامي، والذي بات يؤتي ثماره من دون غزو عسكري اميركي، بل فقط بواسطة الضغوط السياسية والدبلوماسية والحملات الاعلامية، التي نجحت في إخراج سوريا من لبنان. وبغض النظر عن الاسماء المضحكة التي أطلقها الاميركيون على تلك التحركات الشعبية اللبنانية، والتي لا تمت الى الواقع بصلة، فإن المحور الرئيسي لتلك النصوص هو البحث عما إذا كان لبنان صار بالفعل نموذجا يجب تعميمه: الاجتهادات متنوعة وتصل الى حدود خيالية.. لكن ابرز ما فيها انها تؤكد مرة اخرى عدم وجود فارق بين عقل بوش المحدود وأفكار النخبة الاميركية حول ثورة الأرز التي تحوّلت الى ثورة التبولة...! |