تهويد القدس بين الكنيست والكونجرس الأمريكي(2) يتباري كل من مجلس: الكنيست الاسرائيلي والكونجرس الامريكي في اصدار المزيد من القوانين التي تحاول اسباغ شرعية اسرائيلية زائفة علي المدينة المقدسة وكانت حكومة اسرائيل قد لجأت الي الكنيست لاستصدار قرار لضم القدس منذ الأسابيع الاولي لاحتلال المدينة المقدسة في يونيو1967 وتبع هذا استصدار قرارات وقوانين عديدة من قبل الكنيست وكان ابرزها واطولها القانون الاساسي الصادر في يوليو1980 وغيره من القرارات والقوانين كما اوضح مقال الخميس الماضي. وبدأ الكونجرس الامريكي يجاري الكنيست منذ عام1990 عندما تبني الكونجرس قرار مجلس الشيوخ رقم106 الذي يعلن ان الكونجرس يؤمن بشدة بأن القدس ينبغي ان تبقي مقسمة وان تحترم بها حقوق كل الجماعات العرقية والدينية وتبع الكونجرس هذا باصدار قرارات عديدة وكان اخطرها قانون الكونجرس بشأن القدس الصادر في24 اكتوبر.1995 ويأتي مشروع القرار الجديد الذي تقدم به السيناتور براونباك في19 ابريل الماضي لاستكمال وتأمين وتأكيد كل القرارات السابقة واخطرها كما أشرنا قانون24 اكتوبر1995 واعاد مشروع القرار الجديد المغالطات التي وردت اكثرها في القرارات السابقة وكأنها مرجعيات لهذا القرار ومن ابرز تلك المغالطات أن القدس كانت عاصمة الشعب اليهودي لاكثر من3 آلاف عام وانها كانت مركزية لليهودية وقد ذكرت في التوراة766 مرة والزعم بانها لم تذكر بالاسم في القرآن وان القدس هي مقر الحكومة الإسرائيلية بما فيها الرئيس والبرلمان والمحكمة العليا. وردا علي تلك المغالطات التاريخية التي يتبناها المجلس التشريعي لأقوي دولة في العالم نسجل الحقائق التاريخية التالية: اولا: ان العرب هم اساسا بناة القدس منذ نحو خمسمائة عام وعاشوا في القدس وعاصروا احداثها بلا انقطاع عبر التاريخ القديم والوسيط والحديث ما لم تعاصره أمة او طائفة أخري من المحتلين والغاصبين والغزاة وعندما غزا العبرانيون القدس في نحو سنة2000 ق.م وأسسوا مملكة داود و سليمان عليهما السلام لم يحكموا القدس حكما موحدا سوي70 عاما فقط فقد تجزأت المملكة ثم انهارت وتوزع اليهود في الدول المجاورة علي شكل جاليات في حين ظل سواد الشعب والحكام في القدس وفلسطين عربيا كنعانيا. ثانيا: أن الكونجرس بمثل هذه الادعاءات والإفتراءات جعل من القدس المركز الروحي لليهودية دون سواها من الأديان السماوية وجعل من إسرائيل دون سواها حامية حمي الأماكن المقدسة, وحامي حريات دخول معتنقي الأديان المختلفة. ولا شك أن وقائع الاحتلال الإسرائيلي للقدس منذ عام1967 كافية للرد علي مغالطات الكونجرس التي أوردها وكأنها نتائج مسلم بها, ونسجل هنا أكثر الوقائع خطورة لكي يدرك أعضاء الكونجرس كم هم منحازون إلي ادعاءات ومزاعم وأساطير إسرائيل, وتبدأ أكثر الوقائع خطورة بمحاولة إحراق إسرائيل للمسجد الأقصي في21 أغسطس1969. ولم تكن هذه المحاولة إلا بداية مخطط عاجل وآخر آجل لهدم المسجد الأقصي, وظهر هذا جليا منذ اقتحام آرييل شارون نفسه الحرم القدسي الشريف في28 سبتمبر2000, وتحرشات اقتحام الحرم في الأسابيع الأخيرة. والكونجرس الأمريكي عندما يتناسي كل هذا وغيره الكثير من الوقائع, ويكرر ادعاءات ومزاعم إسرائيل في قوانينه وقراراته يزج بنفسه دون أن يدري في معركة عقائدية علي جبهة إسلامية مسيحية واسعة يشهد لها التاريخ أن أعلي مراتب التسامح الديني قد ازدهرت في القدس طوال14 قرنا من الزمان, تحت ظلال السيادة العربية الإسلامية. ثالثا: إن الكونجرس قد أكد جهله بالتاريخ عندما زعم أن مدينة القدس كانت وماتزال عاصمة دولة إسرائيل!! والتساؤل المطروح لتفنيد هذا الادعاء التاريخي, أية مدينة اتخذتها إسرائيل عاصمة لها منذ إعلان قيامها في14 مايو1948, وما هي الملابسات التي أدت إلي اختيار القدس كعاصمة منذ(1950) تحديدا!؟ وأية قدس يقصد قانون الكونجرس؟ هل يعلم أعضاء الكونجرس أن زعماء إسرائيل قد اختلفوا فيما بين(1948 ـ1950) حول اختيار العاصمة بين ثلاث مدن ليس من بينها القدس, لقد اقترح بن جوريون مستوطنة كورنوب في النقب, بينما فضلت جولدا مائير مدينة حيفا, وأخيرا استقر رأي اللجنة الإسرائيلية المعنية باختيار العاصمة في13 مايو1949 علي اتخاذ إحدي ضواحي تل أبيب عاصمة لإسرائيل. جاء اختيار تل أبيب كعاصمة رغم قيام إسرائيل باحتلال القدس الغربية في غفلة من الزمن, عندما استغلت إسرائيل فترة الهدنة الأولي وتقدمت في29 مايو1948 نحو جدار القدس واحتلت بعض المواقع المهمة كاللد والرملة, وشقت طريقا بين تل أبيب والقدس واستمرت إسرائيل باستعداداتها العسكرية حتي الهدنة الثانية, حيث تحول الموقف العسكري لصالحها, مما دفع بالوسيط الدولي برنادوت إلي تقديم تقرير إلي مجلس الأمن, جاء فيه أن القدس تقع في وسط الإقليم العربي, وأن أي محاولة لعزلها سياسيا أو غير ذلك عن الإقليم العربي المحيط بها تنطوي علي صعاب جمة, ودفع برنادوت حياته ثمنا لهذا التقرير عندما اغتالته إسرائيل. أما ملابسات إعلان القدس الغربية عاصمة لإسرائيل بعد ذلك, فقد جاءت في إطار سياسة فرض الأمر الواقع التي أجادت إسرائيل استخدامها خطوة خطوة, وكانت بدايتها عندما شكلت إسرائيل محكمتها العليا في القدس(15 سبتمبر1948). حتي أعلن بن جوريون فجأة نقل العاصمة إلي القدس في1 ديسمبر1949, وذلك بعد يومين فقط من صدور قرار الأمم المتحدة بشأن تأكيد وضع وكيان القدس المستقل. ولم يدرك قرار الكونجرس الأعرج عدم مشروعية إقامة مثل هذه المؤسسات في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي للقدس الغربية, حتي أن إسرائيل نفسها لاتستطيع في أية مناظرة قانونية أو جلسة تحكيم دولي ـ إنكار شرعية الواقع الخاص للقدس ـ لأنها ـ أي إسرائيل ـ قبلت القرار رقم181 الخاص بتقسيم فلسطين بشكل واضح, كما استندت إليه للإعلان عن قيامها كدولة يهودية عام1948, وقد اعترفت إسرائيل ـ كذلك ـ وبصورة محددة ـ بالأثر القانوني لذلك القرار علي المدينة المقدسة من خلال التأكيدات التي قدمتها للجمعية العامة عام1949 لدعم طلبها لنيل عضوية الأمم المتحدة, وقد أعلن مندوب إسرائيل لدي المنظمة الدولية آنذاك( وهو أبا ايبان) أمام الجمعية العامة( إن الوضع القانوني للقدس يختلف عن وضع بقية البلاد التي لإسرائيل حق السيادة عليها). وأخيرا.. فهناك الكثير من الوقائع الآخري لتفنيد المزاعم والادعاءات والمغالطات التي ترد في قرار يصدر عن مجلس تشريعي لدولة كبري دون أن يكلف المجلس نفسه بتحري الحقائق التي تكتسب مرجعيتها من وقائع التاريخ ومختلف المواثيق والقرارات الدولية. |