المثقفون هم مشاعل التنوير في كل المجتمعات وعليهم يعول نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وجود الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الصحافية هي دليل عافية وصحة في جسد المجتمع ودليل على أن المجتمع يسعى إلى تمدين نفسه.. ومن الطبيعي في مثل هذه الحالة أن يوجد من ينادي بقيم غير تلك القيم، مثل الكراهية والعنف والتطرف والغلو ومصادرة الحقوق وكتم الأفواه وإسكات أصوات الحرية وهنا يمتحن دور المثقف.. وماذا يجب عليه أن يفعله تجاه أبناء مجتمعه في التوعية بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح ونبذ التعصب ورفض الاحتكام إلى العقول الضيقة. حول دور المثقف في نشر وتوعية الناس بحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية كان لنا عدد من اللقاءات مع مجموعة من المثقفين اليمانيين تقرءون حصيلتها في السطور التالية:- نشر قيم التسامح في البداية يقول قادري احمد حيدر: - لا نستطيع أن نتعامل أو نتعاطى مع المثقفين باعتبارهم كتلة واحدة متجانسة هناك مثفون يسعون ويعملون من أجل تكريس ثقافة التسلط وثقافة الاستبداد والخضوع وبالنتيجة ثقافة الكراهية وعدم التسامح ورفض الحوار، ثقافة إقصاء الآخر وهؤلاء هم امتداد وتجسيد عملي لجزء كبير من تاريخنا وتراثنا في عمقه الاستبدادي الشمولي الذين يتلكئون على التاريخ والتراث ولتبرير استمرار شروط الاسبتداد في الواقع وأخطر نماذج هؤلاء المثقفون هم الذين يمارسون نشر ثقافتهم تحت الغطاء الإيديولوجي الديني وهم نموذج لثقافة الإسلام السياسي الأصولي الذين يسعون لتوظيف الدين في خدمة مصالحهم، ومن هنا تأتي أهمية دور المثقفين الديمقراطيين، المثقفين العقلانيين التنويريين الذين يستندون على عمق ثقافة الحوار والتسامح والقبول بالآخر، وخاصة في هذه الظروف والمناخات الموبؤة والمشبعة بالكراهية ضد الآخر. الآخر في الوطن والآخر على المستوى الإنساني وأنا اعتقد أن خطورة دورهم وأهميته تكمن في تعزيز ونشر قيم التسامح وثقافة الحوار بديلا عن ثقافة العنف والكراهية وهنا تضاف دور مجموعات واسعة من المجتمع المدني باتجاهاتهم المختلفة في دعم هذه الثقافة والتي تبدأ من وجهة نظرنا من المنزل والأسرة إلى المدرسة إلى الجامعة إلى دور الإعلام في نشر ثقافة الديمقراطية. لأن دور المثقفين بمفردهم قد لا يقود إلى نتيجة عملية مباشرة ولكن بتضافر جهود المثقفين والمجتمع وأجهزة الدولة المختلفة المعنية بذلك يمكن لإسهام المثقفين أن يأتي ثماره. تسييس الحقوق مرفوض: أما محمد المقالح فيقول: أنا أعتقد أن المثقف ينبغي أن يكون لديه حساسية عالية جدا تجاه قضايا المظالم والانتهاكات وإذا لم يكن لديه هذا الإحساس فليس هناك فرق بينه وبين الإنسان العادي. الأمر الذي اعتقد أنه أفضل وسيلة للدفاع هو أن يكون له موقف سياسي فعندما يكون للناس موقفا ما مجرد تجسيد لهذا الموقف هو دور في الحياة. أما أن يكون الإنسان بلا موقف فهذا إحباط للرأي العام بينما يفترض أن يكون نموذج لهذا المجتمع: الأمر الآخر أعتقد أن المثقف هو المعني بهذا الأمر في الدرجة الرئيسية وأن لا يسكت عن أي قضية وتحت أي ظرف: يمكن للمثقف الحزبي أن بسيس القضايا أما المثقف الذي ينتمي إلى الشعب فعليه ألا يسيس القضايا وأن يقولها بوضوح وصراحة دون أي تغطية أو صراع أو تزييف، المثقف عليه أن يقول الحقيقة كاملة فهو في مقدمة الصفوف وعليه أن يعرف هذا الدور وإلا سيفقد دوره تماماً وسيفقد مكانته. على المثقف ألا يسيس الحقوق أو يزيفها وإنما يدافع عنها ويطرحها باستمرار في أي وقت وبغض النظر عن مواقف الآخر. التعامل بطرق واعية: من جانبه يقول محمد الكامل أن مفهوم الحرية موجود منذ وجود الإنسان بشكل عام والمثقف والمفكر والمصلح الاجتماعي من أنبياء ورسل وغيرهم كانوا هم من يدعمون هذا الاتجاه في إبراز الحقوق والحريات في المجتمع بشكل عام، ونلاحظ أن الحرية برزت في العهد الحديث وارتبطت بحقوق الإنسان بشكل أكبر بعد قيام الثورة الصناعية في أوروبا كان هناك مجموعة من المفكرين والفلاسفة الأوربيين ومن قبلهم كان هناك مفكرون إسلاميون كتبوا عن الحكم والحريات وحقوق الإنسان. قضية الحقوق في الوقت الحالي يجب أن يتعامل معها المثقف بطريقة واعية وإدراك لما يتعرض له الإنسان من انتهاك وسلب، فلذلك المثقفون هم من يمثلون الخطوة الأولى والقيادة الجبارة في توعية الناس، ومن ثم المطالبة بإدراكهم وبقدراتهم العلمية على إصلاح الوضع واختلالاته من جانب الانتهاكات والممارسات الخاطئة التي تعارض معنى الحرية الإنسانية (فطرت الله التي فطر الناس عليها). - أما عبدالرحمن احمد حسين فقد قال: المثقفون هم الركيزة التي على أساسها يبني المجتمع المدني القوى بأبنائه والمتماسك بنيانه إذ يعول على المثقفين توعية أبناء جلدتهم والأخذ بأيديهم صوب كل جميل وتوضيح الصواب من الخطأ. إذا تنكر المثقف لأبناء مجتمعه فهو عبء عليهم وإذا انطوى المثقف بين جدران بيته فهو حاجة زائدة عن المجتمع وإذا أغمض عينيه وصم أذنيه فلا داعي لوجوده. نحن نريد مثقف يعيش حياته لأجل بناء مجتمعه، ويكرس اهتماماته لإنعاش الفكر والوجدان واستنهاض الهم الثقافي والقانوني والمعرفي لدى أبناء المجتمع الذي ينتمي إليه. تضافر الجهدين الثقافي والسياسي - أما عبدالحفيظ النهاري فيقول: بالتأكيد أن المثقف وسيلة هامة للتعاطي مع الحرية وحقوق الإنسان فهذا المجال -بالدرجة الأولى- هو مهمة النخبة المثقفة وهي النخبة التي تحمل على عاتقها الكثير من المهام التي من شأنها أن ترفع مستوى الشعوب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ومجال حقوق الإنسان والديمقراطية هو أبجديات ومنطلقات تبدأ وتنطلق منها بقية جوانب التنمية ولأن الإنسان هو محور الحريات ومحور الديمقراطية كان لا بد أن يطلع المثقف بدوره ويتبنى مثل هذه الرؤى والأفكار والعمل على تحويلها إلى سلوك يومي في حياة الناس سواء في علاقة الأفراد ببعضهم أو علاقة الفرد بالجماعة أو العلاقة بالشأن العام والخاص، وطبعا مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان مسألة تناط بكثير من المؤسسات وفي مقدمتها المؤسسات التربوية فهي مؤسسة لها دور أساسي في التربية على مثل هذه القيم الحضارية والتقدمية وهذا يتطلب إعادة نظر في المنهج المدرسي وهذا أيضاً يحتاج إلى حملة واسعة تقوم بها النخبة المثقفة لأن المثقف يظل هو أول وآخر المسؤولين عن هذه التحديات التي نتطلع جميعاً إلى تجاوزها من خلال تحقيق مستوى مقنع من ممارسة الديمقراطية. ولا شك أن مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان هي في الدرجة الأولى سياسية، صحيح أنها حقوقية إنسانية، لكنها تظل خطاب سياسي لا نستطيع الابتعاد عنه، وهذا ليس عيباً أن تكون في الخطاب السياسي ولكن العيب أن توظف هذه المسائل أو تجير لأن تؤدي عكس الأهداف المتوخاة منها، وهذا لا يمنع المثقف والسياسي في أن تتضافر جهودهما من أجل تثبيت هذه القيم وهي إذا اعتبرناها قيم حديثة ومدنية فإنها في ذات الوقت قيم أصيلة وذات علاقة بالحضارة الإنسانية والحضارة العربية. المثقفون مشاعل التنوير ويرى سيعد احمد السرجي أن المثقفين هم مشاعل التنوير والتحديث في المجتمع وهم النور الذي يرى به الناس ما أظلم في حياتهم وعليه ينبغي على الإنسان المثقف أن يظل دائما في الطليعة يوجه ويرشد وينصح ويدافع. على المثقفين جميعاً أن يكونوا في طلائع المدافعين عن الحريات وقضايا حقوق الإنسان وتوعية أبناء المجتمع بمفاهيم الديمقراطية والعدالة والمساواة ونبذ العنف والتعريف بقيم التسامح والإخاء، على كل المثقفين أن يسهموا في نشر هذه المفاهيم كل بما أتيح له من فرص وإمكانات سواء عن طريق التحدث أو الكتابة في وسائل الإعلام المختلفة أو عن طريق الحديث المباشر في المجالس والأماكن العامة. ماذا لو كل إنسان أراد أن يوعي ويعرف من حوله من أقاربه وأصدقاءه أو أقاربه بأهمية الديمقراطية ودور مؤسسات المجتمع المدني في النهضة التنموية. بالتأكيد سينتج عن ذلك مجتمع متنور يعرف ماله من حقوق وما عليه من واجبات، ومن هنا سيصبح من الصعب على أية جهة كانت أن تزايد أو تنتهك أو تضطهد أحداً لأن الكل يعرف حدود الفرد وحدود القانون. |