أزمة أُمة جسدت الأمة الإسلامية منذ بدايات نشأتها على يد الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ وقيم ثابتة ودائمة – تسكن وتمتزج في قول وفعل وسلوك وحوار وأخلاقيات ومعاملات المسلم – من تسامح، وتعاون،وشراكة عادلة، ونافعة، واحترام قول، وفعل الآخر، ودينه، وحضارته، وجهوده، وحقه الجغرافي، وانتمائه العرقي، وتحافظ بكل ما أويت من إمكانيات وقوة على كرامته وحياته الإنسانية. لم تكن تلك المفردات لتعمل بتلك السرعة والأثر في وعي وواقع المسلمين وأخلاقياتهم ومعاملاتهم، دون أن يكون لها دافع وداعم من الدين، يقويها على الوجود والاستمرار، وإلزام عقدي لا يترك الفرصة للمسلم حيثما كان ليتخلى عنها أو يتنصل منها. وأي خلو للوعي الإسلامي من هذه المبادئ يصاب بالجفاف والتأزم، لأن ثمة تماسك عضوي بين الإسلام كنصوص ومبادئه، وقيمه كوعي وسلوك، ومهما أدعى المسلم انتمائه للإسلام، يظل بيانه العملي على ذلك الإتباع فهمه وإدراكه وسلوكه وأخلاقياته ومعاملاته وتفاعله مع آمال وآلام الأمة الإسلامية، خاصة إذا ما ألتفتنا إلى وعيه وثقافته ومدى استيعاب تلك الثقافة لمبادئ وقيم الخير في الإسلام، وظهورها على هيئة شراكة دائمة مع المجتمع في إقامة جسور المعروف، وإصلاح وتنوير وتثقيف وتغيير النساء، وقيامه بدور إيجابي للحفاظ على وحدة وتماسك واستقرار ورفاهية ونماء الوطن. صرخات كثيرة مزعجة أصمتنا، أرعبتنا بدعواتها حين كان أمراء الحرب في أفغانستان يتسابقون بشراسة، ومنابرنا تدعمهم بكل وقاحة باسم الجهاد، ولم يدرك الكثير من الناس من أبناء الأمة الإسلامية أنهم يدعمون قتال الإخوة في أفغانستان وتقوية جهل وتخلف وديكتاتورية وتسلط جماعة طالبان والكل متحمس حتى النخاع للحرب المقدسة هناك، ترسل الأفواج تلو الأفواج من شبابنا إلى المحرقة التي أكلت الأمة الإسلامية وأحرقت طاقاتها ومقدراتها، شوهت ثقافتها وفهمها، وأحالتها إلى أمة العنف والرعب والتطرف والإرهاب حتى يومنا هذا. أناس كانوا وراء أزمة الأمة وتشوه صورتها، كنا نعتقد فيهم الوعي ورجاحة الرأي وكثرة العلم وعظمة الحرص على الأمة وأبنائها ولم نك نعتقد أن أولئك مأزومون، يبحثون عن دور وسلطان، ويفتشون في أوردة الأمة عن فائدة ومنافع وأرباح، غرتنا مظاهرهم الخادعة وعباراتهم البراقة، فقد باتت الأمة الإسلامية مكسورة الجناح ضعيفة العدة والطاقة والعقول، محاصرة من كل مكان، مشوهة الخلق والخُلق، أبرز ملامحها العنف والتطرف، والتخلف واللاوعي بالزمان، تسير إلى الوراء مغمضة العينين، بثقافة متشكلة من صرخات الثكالى وحطام البنادق والبشر والأحزمة الناسفة والمتفجرات، وبقايا من تجار الحروب، وعقود الصفقات السرية، وشركات عملاقة، وجموع غفيرة من الناس يرقبون تلك المهازل دون وعي أو فرز أو إدراك. إن أول ما خُرب في هذه الأمة ثقافتها بعدها تسلم أمرها أولو المصالح وأصحاب المطامح، والباحثون عن الشهرة والجاه، جروها من أزمة إلى أخرى، غيروا في المفاهيم والمصطلحات والقيم، غذوا ثقافتها البديلة بالعقد والأزمات والبغضاء والكراهية، حولوها إلى معاول هدم للذات، ومع كل تلك النكبات والمصائب التي جلبوها على الأمة ما زال الناس منخدعين بهم، منقادين لأفكارهم الشيطانية، مع أن أولئك قد أوقعوا في الأمة التخريب والدمار والإعاقة ما يفوق ما فعله المستعمرون، والمتآمرون على مر التاريخ أضعافاً مضاعفة. علينا أن نساعد أمتنا لتخرج من أزمتها الخانقة، وتترك بقناعة قواقع المأزومين وتجار الحروب، مالم فإننا سنظل وقوداً لتلك الأزمة ويظل التخلف والجهل بالإسلام ملازماً لنا، والفهم المغلوط للدين إماماً شرعياً في مساجدنا وثقافة تخريب ورعب وتطرف في كل مناحي حياتنا. * جامعة عدن |