الحكم الرشيد والتنمية في الجمهورية اليمنية 1-5 تضافرت عوامل ومتغيرات مختلفة، محلية وعالمية، لفرض ضرورة تحديث الدولة في الجمهورية اليمنية، ومراجعة توجيه دورها وظيفتها. تمهيدا لتامين البيئة والسياق المناسب الذي يتأسس عليه الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري بما يؤدي إلى المداخل المنهجية الكفيلة بالوصول إلى التنمية الشاملة المستدامة والتخفيف من الفقر ويرجع التفكير في إعادة بناء الوظيفة العامة للدولة في الجمهورية اليمنية إلى عام 1990. وحددت مرجعية ذلك التفكير بالاستفادة مما توصلت إليه المراجعة الدولية حول وظيفة الدولة ودورها. وذلك في حسم خيارين استراتيجيين اثنين: 1. تحديد ما ينبغي وما لا ينبغي أن تعمله الدولة. o فكان خيار التركيز على الخدمات الأساسية، ووظيفة مطالب التنمية الشاملة والمستدامة، وتصميم برامج مكافحة أسباب الفقر، وتامين شروط التمكين لنمو القطاع الخاص. وتعزيز الآليات المؤسسية لفاعلية الخضوع للمساءلة ولقواعد القانون. وحسمت الحكومة ذلك مع برنامج الإصلاح الهيكلي المعزز المعروف باسم ( ESAF , 1995) : Enhanced Structural Adjustment Facility program. o ووجهت إدارتها العامة وخدمتها المدنية في أن يعاد تأسيسها وتصميم هيكلتها نحو تحقيق هذه الخدمات الأساسية بفاعلية وكفاءة. فكان مشروع تحديث الخدمة المدنية، ليتولى مهام الوظيفة الجديدة للإدارة العامة والخدمة المدنية. 2. تحديد كيف تعمل الدولة. o فكان اختيار نهج ما يعرف بالأدبيات العربية بالحكم الرشيد Governance وهو النهج الذي يقوم على قاعدة أن الحكومات لم تعد هي المنفردة بصناعة القرار السياسي والتنموي والخدمي وإنما يشاركها في ذلك المستفيدون خارجها ممثلين بمؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص. فكان الشعار المنتشر في أدبيات المؤسسات المعنية بالتنمية حيث يقول: .From Government to Governance وتأتي هذه الورقة لتتحدث عن مستوى ما حققته الحكومة اليمنية في مجال الحكم الرشيد ( Governance) وذلك بالاستناد إلى المفاهيم والمعايير المستقرة لهذا المفهوم، وفي سياق توجه وتوجيه فخامة الأخ علي عبد الله صالح، رئيس الجمهورية، حفظه الله، في بناء الدولة اليمنية الحديثة، بعد أن أرسى المكونات الأساسية للبيئة التمكينية الحاضنة لبرامج الإصلاح الشامل ممثلة بتجاوز الوطن مرحلته الانتقالية مع عام 1990. ومن هذه المفاهيم والمعايير ما يلي: 1. أن تعتمد الحكومات مبدأ المشاركة Participation في أنشطتها التنموية مع أصحاب المصلحة خارجها External Stakeholders ممثلا في القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. 2. أن تنسحب من الاستثمار الاقتصادي الإنتاجي، لتتجه نحو الاستثمار في مجال الإنسان. والقطاعات الأساسية للتنمية. 3. تعزيز الخضوع للمساءلة والاستماع لأصوات المواطنين والاستجابة لها: Accountability and Responsiveness 4. تحسين القدرة المؤسسية. 5. الشفافية والسيطرة على الفساد. في هذا السياق العالمي، يأتي تحديث وظيفة الدولة ودورها في الجمهورية اليمنية، وتبعا لذلك تحديث إدارتها العامة في وظيفتها ودورها. وذلك في إطار من العقلانية والرشد السياسي، والمنهجية العلمية في التعامل مع مفردات التحديث: سياسات وبرامج وخطوات تنفيذ. واضعة في الاعتبار المواءمة بين قدراتها البشرية والمالية والمؤسسية، ومتطلبات قضايا التحديث. السياسات العامة للدولة في مجال الحكم الرشيد: Governance بعد عام 1990 تتمثل أهم هذه السياسات فيما يلي: 1. توفر الإرادة السياسية الداعمة لتحديث الدولة على مبادئ ومعايير الحكم الرشيد Good Governance بما يمكن الحكومة من الإسهام بقوة في تطوير مؤسساتها، وفي التنمية المستدامة، والتخفيف من الفقر. 2. مراجعة كون الدولة هي المورد الوحيد للخدمات الاجتماعية وغيرها من السلع، لتتولى الاهتمام بالخدمات الأساسية. 3. اعتماد الدولة( مبدأ المشاركة Participation ) مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والسلطة المحلية، في تحديد احتياجات التنمية وبناء آليات تحقيقها. حيث لم تعد الحكومة هي المنفردة بصناعة القرار التنموي والسياسي. 4. المواءمة بين دور الدولة وقدراتها Matching role to capability. والعمل على تعزيز قدراتها المؤسسية. وذلك يوجب مراجعة( وظيفة الدولة: Government Mandate. بما يؤدي إلى ترشيد حجم جهازها الإداري، وإعادة هيكلة وحداتها الإدارية. 5. تعزيز وتنمية القدرات المؤسسية للدولة ( Government Effectiveness) من خلال تامين الأساسيات الاقتصادية والاجتماعية، بما يمكنها من الوفاء بمهام برامج التنمية. 6. اعتماد سياسة مالية واقتصادية مواتية تكفل المحافظة على الاستقرار الاقتصادي، وتحقيق معدلات نمو قابلة للاستمرار. 7. توجيه الدولة لإدارتها العامة في أن يعاد تأسيسها وتصميم هيكلتها، بما يخدم تحقيق الوظائف الأساسية للدولة في المجال الاقتصادي : وظائف رسم السياسات والتنظيم، والتوسط في حال بروز بعض الاختلالات في بعض أوضاع الاقتصاد السوقي. ووظيفة مطالب التنمية، وتصميم برامج مكافحة أسباب الفقر، وتامين شروط التمكين لتشجيع نمو القطاع الخاص. 8. أن تعيد الإدارة العامة توجيه آليات عملها في سياق من الإجراءات التي تتسم بالشفافية، والفاعلية، والترشيد في الجهد والكلفة، ومؤسسة في بنيتها على مبدأ احترام العميل أو المستفيد الأساسي من الخدمة. 9. إنهاء العمل بقاعدة ( ضمان التوظيف ) لمخرجات المؤسسات التعليمية، واعتماد مبدأ الجدارة والاستحقاق والمعايير المهنية في عملية التوظيف والترقيات في الخدمة المدنية. 10. مكافحة الفساد وتعزيز الخضوع للمساءلة Accountability) ). وذلك من خلال تأمينه بقواعد وتشريعات ومؤسسات دستورية تتمثل في تقسيم سلطات الدولة أفقيا إلى تشريعية وتنفيذية وقضائية، ورأسيا ( في نطاق السلطة التنفيذية) إلى مركزية ومحلية، وتعزيز دور القضاء والأجهزة التشريعية والرقابية. 11. أن يكون للدولة استراتيجياتها الخاصة بالتنمية المستدامة في مجالاتها: الهيكلية والبشرية والمادية والقطاعية. وهذا ما بدأ مع حكومات 1994 وما بعدها. 12. كما إن التعاون الدولي ممثلا بالدول والمنظمات الدولية المانحة أخذ يتعامل مع قضايا التحديث والإصلاح في اليمن على أن يتم بشكل جذري وشامل ومستدام، فكانت الاستراتيجيات الأمهات: استراتيجيات مساعدة البلد الثلاث (CAS 1996) و( CAS 1999 ) و ( CAS 2002 ) وبرنامج ESAF ( 1995) وبرنامج تحديث الخدمة المدنية ( مارس 2000 - 2005) وإنشاء الخطتين الخمسيتين: الأولى 1996 ــ 2000. والثانية 2001 ــ 2005 . واستراتيجية التخفيف من الفقر 2002. 13. تعزيز علاقة اليمن مع المانحين وشركاء التنمية. والاستمرار في تأكيد المصداقية في التعامل، والوفاء بالتعهدات التشريعية والتنظيمية والإدارية المتسقة مع تحولات ومفاهيم العولمة. المؤشرات ذات الطبيعة الاستراتيجية والمؤسسية للأداء في إطار الحكم الرشيد --------- معيار المواءمة بين دور الدولة وقدراتها Matching role to capability. من أهم ما يترتب على الأخذ بهذا المعيار أن تتم مراجعة( وظيفة الدولة: Government Mandate. بما يؤدي إلى ترشيد حجم جهازها الإداري، وإعادة هيكلة وحداتها الإدارية. ويتجلى ذلك في برامج الإصلاح الشاملة التي انتهجتها الحكومة منذ منتصف عام 1995 . وذلك كما يلي: أولا : المجال الاقتصادي والمالي والنقدي o من السياسات 1. تحرير التجارة والأسواق، والعمل على توفير بيئة داعمة للأعمال الحرة تدعم الأسواق التنافسية. من خلال إيجاد قواعد تسهل دخول السوق والتنافس فيها، ومن خلال إطار مؤسسي قانوني وتنظيمي قادر على ترسيخ حقوق الملكية والأسواق، ومن خلال إدارة عامة تتسم بالفاعلية والكفاءة وتشجع المشروعات الخاصة. وهو أمر يحتاج إلى وقت. 2. تحول استثمارات الحكومة من المجال الإنتاجي إلى الاستثمار في المجال البشري، وفي قطاعات البنية الأساسية ( الكهرباء، المياه والصرف الصحي، الطرقات، النقل، الاتصالات ... 3. اعتماد الإدارة غير المباشرة في شئون التجارة ممثلة في رسم السياسات والتنظيم والتوسط. 4. إتباع سياسة مالية مواتية تكفل المحافظة على الاستقرار الاقتصادي وتحقيق معدلات نمو قابلة للاستمرار. 5. إعادة هيكلة كافة قطاعات الاقتصاد وتعديل تشريعاتها وآليات عملها. 6. إعادة الثقة والمصداقية في الاقتصاد اليمني. o من المؤشرات التفصيلية 1. في مجال مراجعة السياسات المالية: o تخفيض نسبة السيولة المحلية إلى معدلات دنيا تتناسب والمعايير الاقتصادية السليمة o التنمية المستمرة للموارد غير النفطية . o تحرير الوساطة المالية من القيود والمعوقات وتعبئة المدخرات المحلية من خلال النظام المصرفي بدلاً من المضاربة بها في شراء العملات والمتاجرة بالأراضي والعقارات. o انتهاء السياسات غير السليمة المتمثلة في الدعم، وتوظيف الوفر الناتج عن ذلك في دعم التنمية الاجتماعية. o التطبيق العملي للجوانب المالية والإدارية لنظام السلطة المحلية وصدور موازنة 2002 متضمنة للمرة الأولى تقديرات كل من الموارد والنفقات للسلطة المركزية والسلطة المحلية ( المحافظات). |