محمد حسين هيثم (رجل ينسى كيف يموت) مقاطع من ديوانه الأخير، غير المطبوع (على بُعد ذئب) (1) رجل يقرأ صحف اليوم رجل لا طائل منه ويمشي منذ بزوغ البنت الحلوة تحت الشرشف خضراء ببلوزتها الشيفون بلا ( ........ ) وبنهدين بلون الزهر العالي وبرائحة العندم رجل يمشي حتى ساحات ظهيرته الممهورة بالسلكون وبالنهر الحافي وبمحاولة البنك الدولي كتابة أشعار لا يقرؤها الشيطان وبالهذيان الأدهم رجل يمشي وستتعب ركبته من قرقعة المنعرجات ومن أكداس الطرق المشروخة قرب شموس كم تُرجم وستتعب عيناه من الفترينات ومن طيش البهرجة الفضية من طقس حذاقتها المطمورة في قاع الهم وسيجلس في أعلى درج فوق رصيف الدكان المغلق ثم سيطلب من كفتيريا شاحبة في ركن مرتبك شاباً وشطيرة جبن مهموم وشطيرة بيض ملغوم وشطيرة فول لا يرحم لن يشرب لن يأكل شيئاً لن يذهب أبعد من جلسته سيظن بأن اليوم هو السبت الفائت ثم يفاجئنا أن اليوم هو الاثنين التالي ممزوجاً بخميس أبكم وسيندم إذ ضيع شيئاً لا يذكره منذ عهود لا يعلم وستطرح بعض العملة قُربه وسيذكر أن الصحف اليومية تملأ جيبه وسيخرجها من معطفه المطروح بإهمال فوق الركبة وسيمعن فيها سيظن كثيراً وقليلاً أن سيشار إليه هنا وهنالك في خبر عن تعديلات بين الوزراء أو في "ريبرتاج" عن نفق للسجناء أو في تصريح أهوج عن مسألة عرجاء قد يرد الاسم جلياً في جائزة لـ"نوكيا" أو بمسابقة في ساعة خط بيضاء أو حتى في قائمة للمنسبين وللمفصولين من الأحلام لا شيء سوى أكوام من حبر وظلام لا اسم له في صحف اليوم ولا ظل كلام هل يحلم لم يهجس شيئاً لم يتكلم وسيرمي صحف "اليوم" بعيداً خلف جدار مهجور ومهدم وسيقضي الحلم هنالك في ركن المقهى الأعتم وسيقهر كل جماعات الكوتشينة حتماً ثّم وحيداً سيقود مظاهرة الكيرم (2) الحلاج... تتسلل ضوء اً مغتبطاً يرمح بين هلاك وهلاك ونساؤك قرب طواسينك يغسلن دماء ملاك ونساؤك قربك يرشقن الليلة بالوردة كل مساءات حنينك ويلذن بماء يقينك وقليلاً فقليلاً يرفعن سماك (3) المتنبي.. تلك منازل لم تتنزل من قتبان ولم تعبر قرب الأيكة في نيسابور تلك منازل كانت من نور حاجبها سيف الدولة وأميرتها خولة والمخصى بها كافور تلك منازل لم تمكث تحت النخلة في سامراء ولم ترجع من أقصى الصحراء بسوى رأس المتنبي محشوراً في صرة جندي مدحور تلك منازل تنأى في وردة هذا المتنبي أو تزهر بين محاريب الحور (4) البردوني.. كيف أشق حنيني بين مرارات الروح وأنت تروح وحواليك ملائكة ينعون سماءك لكنك ترجع كالعادة والفضة حبرك وغناؤك سلسال بين أقاح وبيوت والعسكر حول الياقوت والثكنات تنوء بخطوة رجل أعمى ينسى كيف يموت (5) هولاكو.. مر على دجلة هولاكو ورمى في النهر رؤوساً لا عد لها كتبًا لا تحصى تواريخ بلاد فلماذا بعد قرون عاد إلى دجلة ثانية (هولاكو) هل نسي كتاباً لم يغرقه؟ هل ضيع خاتمه؟ فأتى ليبعثر أشلاء أبي نواس ويمزق أحشاء النهرين هل قالت عرافته إن السر هنالك في قاع الـ............أين؟ فمضى يشطب إيقاعات المدن النهرية أو يلغي البصرة أو ينسف كل هواء في بغداد أم أن حنيناً شب به فأتى ليزلزل هذا العالم كي يَسمع منتشياً ثانية صرخات الأولاد هولاكو عاد. ****************************** (من ديوانه الأخير غير المطبوع ( على بُعد ذئب). |