قيادة اردوغانية لـ تتريك التجمع اليمني للاصلاح حسم حزب الاصلاح الازدواجية في القرار والمناصب لاول مرة منذ نشأة الاخوان المسلمين في اليمن منتصف الخمسينيات، حيث بقيت القرارات داخل الاصلاح مشدودة الي اصحابها ومشاربهم الفكرية وانتماءاتهم القبلية اكثر من كونها مؤسسية. ولم ينجح الاصلاح في حسم المؤسسية بداخله فما يزال اختيار اعضاء المؤتمر العام ـ اعلي سلطة في الحزب ـ يتم عن طريق الفروع بالتزكية واعتبارات الولاء التنظيمي والسمع والطاعة لمسؤولي الفروع والمكاتب التنفيذية، وكذلك يخضع اختيار اعضاء مجلس الشوري لقائمة التزكية التي تنزل وفيها مئة وثلاثون اسما يتم اختيارهم من تيار يطلق علي نفسه تنظيم الاخوان داخل حزب الاصلاح يعتمد اختيار القائمة علي المسار الفكري بالالتزام بمبدأ التعايش مع غير الاخوان من علمانيين ولادينيين وشيعة وطوائف واديان اخري، وكذا النضال السلمي في كل الحالات حتي في حالات الاحتلال كما يناضل اخوان العراق بالتحالف مع الاحتلال والدخول في حكومة عراقية يشرف عليها المحتل ويلتقي بها جميع الاطراف من شيعة وسنة وغيرهم علي برنامج واحد يسيرون عليه. والمبدأ الثاني لاختيار القائمة هم الاكثر سمعا وطاعة للقيادة التي ترسم هذا البرنامج وتمكنت علي مدي سنوات من التغلغل في مفاصل رئيسية داخل الحزب والسيطرة عليه اهمها الاعلام الحزبي والتكوين التربوي الذي يفرض المناهج والبرامج التربوية للاعضاء. ولاول مرة تلتئم مؤسسات القرار داخل الحزب باتجاه القيادة المدنية التي لم تعد تعتمد الخطاب الشرعي الاسلامي ولا تركز علي قضايا الدين المحورية وتحولت بالحزب الي كيان مدني سياسي شأنه باقي الاحزاب العلمانية الموجودة في الساحة كالاشتراكي والبعث والناصري وغيرها من الاطياف التي لا تتخذ من الاسلام تكوينا تربويا ولا مسارا فكريا ولا برامج تقدمها للناس، وانحصرت برامج حزب الاصلاح في قضايا المعدة والهم المعيشي اليومي للناس. قيادة اردوغانية للحزب وحين زرت تركيا مؤخرا والتقيت فيها بمن يلقبه الاتراك صانع تركيا الحديثة البروفيسور نجم الدين اربكان وقيادات سياسية وفكرية واعلامية وشبابية من حزبه السعادة المعارض ومن حزب العدالة الحاكم برئاسة اردوغان، ادركت لماذا امتدحت كوندوليزا رايس نموذج الاسلام التركي الحاكم في تركيا. حين نزلت الي الشارع ورايت بيوت الدعارة بتراخيص رسمية تتجدد بين الحين والاخر ويتم ضخ العاهرات بصورة شبه يومية الي المراقص والبارات المنتشرة في تركيا وفق القانون التركي الصادر من البرلمان ذي الاغلبية الاسلامية من حزب العدالة التركي واعتبار هذا منشطا كبيرا للسياحة ومصدرا رئيسا وهاما من مصادر الدخل القومي التركي، ادركت لماذا اعتمدت وزارة الخارجية الامريكية برنامج تتريك العالم الاسلامي بمعني تعميم النموذج التركي أي ان تحكم حركة اسلامية بالعلمانية وفق القيم الاوروبية. وحين جلست الي بعض ائمة وخطباء المساجد في اسطنبول ادركت سر حفاوة الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي بالحكومة التركية رغم ان خلفيتها اسلامية، فقد اصدرت الحكومة تعميما شفهيا لخطباء المساجد بحذف الآية الكريمة (ان الدين عند الله الاسلام) من خطبة الجمعة لانها تقرير صارخ في نظر الاتحاد الاوروبي علي الغاء الاخر وعدم القبول به، والتزمت به كثير من المساجد وتوجهت الحكومة لفرض هذا الامر. علي الرغم من ان حزب العدالة ذا الخلفية الاسلامية يمتلك اغلبية الثلثين في البرلمان التركي تمكنه من تعديل الدستور العلماني وتغيير القوانين الا ان الحزب اقر قانون العقوبات والجرائم الذي لا يعتبر الزنا وامتهان الدعارة جريمة في تركيا، وقد ادركت لماذا ضربت كوندوليزا رايس المثل باردوغان ووصفته بنموذج الاسلام المعتدل وهو ما شجع الادارة الامريكية علي تعميم النموذج في العالم الاسلامي لامتصاص الاحتقان باستخلاف قيادات جديدة ومواجهة التيار الاصولي ـ تنظيم القاعدة ـ المتنامي بالحركة الاسلاعلمانية. الذي لم ادركه لماذا القيادة العليا للتجمع اليمني للاصلاح تمتدح نموذج اردوغان ايضا وتعتبره نموذجا يحتذي به؟! واليوم هذه القيادة الاردوغانية تمسك بمفاصل الحزب ومؤسسات القرار والتنفيذ بعد ازاحة اهم شخصية مطلوبة لامريكا في اليمن، بينما هذه القيادة الاردوغانيه تاخذ مكانها اليوم في الصفوف الاولي بعد ان كانت تدير المعركة من الصفوف الخلفية بتصريحات بين الحين والآخر ضد اطراف ترفض المسار للحزب وتنتقده علنا او في اروقة الحزب ، وجاءت نتائج المؤتمر الرابع للحزب لتعطي القيادة الاردوغانية حق امتلاك القرار رأيا ومشورة وتنفيذا. الاجندة الامريكية ويتبني حزب الاصلاح ذو الخلفية الاسلامعلمانية التقارير الامريكية عن حقوق الانسان والحريات الصحافية وتمكين المراة وتحقيق تقدم في محاصرة الفساد المالي والاداري. وهي ذات الاجندة الامريكية التي تطرقت اليها الادارة الامريكية عبر تقاريرها الرسمية وقال الرئيس الامريكي انه لم يعد لديه هم بعد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) الا نشر الديمقراطية وتخليص العالم العربي من القيادات الفاسدة التي تسببت في انتاج المتطرفين الذين كانت احدي ثمارهم ضرب امريكا في الحادي عشر من ايلول (سبتمبر). ورغم ان الملف الامني في اليمن هو الاكثر خطورة في ملفات حقوق الانسان فهو يمارس القتل خارج القانون والاعتقال التعسفي والخطف والاعتقال دون ادانة وتهمة وتغييب في السجون السرية للامن السياسي لسنوات، وتهديد العائلات والاسر ومداهمة البيوت واعتقال النساء، الا ان القيادة الاردوغانية في الاصلاح لا تاخذ هذا الملف ضمن تحمسها لحرية الصحافة كمطالبتها بالافراج عن صحافيين اعادوا نشر الرسوم المسيئة للنبي صلي الله عليه وسلم، او التضامن مع صحافة اعادت نشر رواية تصف الله عز وجل بانه ظالم كما حصل من تضامن صحافيي حزب الاصلاح مع صحافة الثقافية او صحافة الاوبزرفر وغيرها ممن تتعامل مع هكذا موضوعات في اطار ما يعتبره الحزب من حملة علي الصحف هذه وتوقيف اصحابها انه انتهاك للحريات الصحافية وقمع للصحافيين. وتثبت قيادة الاصلاح الاردوغانية التي اشرفت علي انتقاء مئة وثلاثين عضوا لمجلس الشوري للحزب، انها احرص علي تحريك ملف المراة وتحقيق تقدم ملموس فيه برفع سقف مشاركة المراة في المؤتمر العام ـ السلطة العليا في الحزب ـ الي ستمائة امراة عضوة فاعلة فيه. وبلغ عدد النساء اللواتي تم ترفيعهن ضمن قائمة التزكية في مجلس الشوري الي ثلاث عشرة امراة وفتاة. وتنطلق القيادة الجديدة لترشيح المراة في الانتخابات البرلمانية القادمة والمجالس المحلية وترشيحها لمناصب عليا في الدولة بحسب كلمة رئيسة القطاع النسوي داخل الحزب في المؤتمر العام مطالبة باشراك المراة في كل الحياة والمناصب القيادية في المجتمع. وتركز صحافة الحزب ولقاءاته علي تقارير الخارجية الامريكية ومنظمة الشفافية العالمية والحريات الصحافية وتمكين المرأة لتتبناها كبرامج عمل يومية تغذي بها افرادها في لقاءاتهم الحزبية وبرامج العمل الميدانية للتوعية المجتمعية باهمية دور المرأة. وتدرك الحكومة الامريكية اهمية اخراج المراة وتأثيره في تمرير برامج استراتيجية حيوية لها في البلاد بتدمير البنية الثقافية والاجتماعية والاخلاقية، فقد ارتفعت معدلات المصابين بالايدز الي اكثر من الفين وخمسمائة حالة معلنة رسميا وتقول منظمة مكافحة الايدز في اليمن انه من المحتمل ان يكون خلف كل حالة ما لا يقل عن عشر حالات، مما يعني بلوغها رقما قياسيا في اقل من عشر سنوات. تزامن مع اتخاذ القيادة الاردوغانية في حزب الاصلاح في منتصف التسعينيات من القرن الماضي قرارا بتحويل الحزب ذي المرجعية الاسلامية الي حزب مدني يهتم بالشؤون المحلية اليمنية والهم المعيشي اليومي وفق الاجندة العالمية كي يضمن الاستمرار في ظل حرب الارهاب التي تطال كل من يرفض سياسة امريكا وفرض اجندتها. فاختار حزب الاصلاح في مؤتمره العام الاخير ان يتخذ طريق تبني الاجندة الامريكية محليا وعالميا كما تبناها نظراؤهم في العراق الذين تصفهم قيادة عليا في الاصلاح بان الاخوان المسلمين في العراق استفادوا من التجربة الاخوانيه في اليمن، ويتجه الاخوان في مصر للاستفادة منها ايضا بعد تقييمها انها من انجح التجارب كما ذكر ذلك الدكتور عصام العريان الناطق الرسمي باسم جماعة الاخوان في مصر. من الحاكمية الي البيضة! وقد مرت بالتجمع اليمني للاصلاح تجاذبات كثيرة منذ تأسيسه حين اختار الاخوان المسلمون طريق العمل العلني، في ظروف واجواء كانت ملتهبة بالصراخ علي السلطة بين اقطاب الوحدة اليمنية الحزب الاشتراكي اليمني ذي الخلفية الماركسية الالحادية، والحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام ذي الخلفية التي تجمع القوي الوطنية والاسلامية. ووظفت القيادة الاصولية طبيعة المعركة بين اقطاب الوحدة لتعبئة الراي العام بمنظومة مفاهيمية اعتبرتها قيادة اردوغانية في الاصلاح منذ وقت مبكر انها متهورة وغير ناضجة لاعتمادها علي الخطاب الاسلامي والمصطلحات الشرعية التي تصنف الناس ما بين مؤمن وكافر ومنافق ومرتد ومحارب ومسالم.. وغيرها من التوصيفات التي تنبني عليها احكام شرعية يتم وفقها التعامل مع كل صنف بما قررته الشريعة الاسلامية بموجب الوحي كمصدر سماوي متفق عليه حسما لاختلافات الفقهاء. ورفعت القيادة الاصولية مصطلحاتها الي مستوي الحكم والرياسة بعيدا عما افرزته حركات التحرر في العالم والثورات التحررية كالثورة الفرنسية من نموذج للدولة الحديثة، فرفعت شعار الحاكمية لله والشريعة الاسلامية لا يعلو فوقها شيء، في وقت توسع فيه مفهوم الامة وتركيبتها ونظمها واطرها التي تحكمها في العالم. وفي زمن الامم المتحدة والقانون الدولي والاعلان العالمي لحقوق الانسان ارادت فئة ان تأتي بالشريعة الاسلامية لتكون مهيمنة علي كل القوانين، مما حدا ببعض قيادات الاصلاح التي تصدرت اليوم قيادة الحزب لأن تبدي امتعاضها وتعتبر ذلك مفهوما سيئا وضيقا للاسلام في عالم متعدد ومترام يزخر بالمعاهدات والاتفاقيات والعلاقات الدولية والمصالح المشتركة. ولم تبق تلك القيادة مكتوفة الايدي فبدأت خطتها بترشيد الخطاب الاسلامي لتغييب المصطلحات الشرعية منه واحلال المصطلحات وفق المنظومة المفاهيمية للشرعية الدولية، ثم انتقلت الي التركيز علي الصحافة الحزبية لتعميم المصطلحات الجديدة ونزع التنافر اللفظي في اذهان اعضاء الحزب من خلال البرامج التربوية. ثم تقدمت في خطوتها باتجاه تحالف اقامته مع اطراف كانت في علاقتها مع الحزب ضحية تلك المفردات الشرعية والمصطلحات الاسلامية بما يوحي تربية الجيل الجديد علي واقع آخر بالطريقة العملية من خلال المواقف بعد ان حسمت موضوع المصطلحات في الخطاب، فأجري حزب الاصلاح حركة تحالفات واسعة مع كل الاطراف التي كانت ترفضها المنظومة المفاهيمية الاسلامية التي كانت مسيطرة علي عقلية الحزب وقيادته ومناهجه التربوية. فلم تعد تتطرق الي حاكمية الشريعة الاسلامية رغم عدميتها في الدستوراليمني والقوانين المنبثقة عنه، واعتمدت قيادة الاصلاح رغم الانتقادات الواسعة من داخله وقيادات تمت ازاحتها نهائيا في المؤتمر الاخير، الا انها اعتمدت منظومة مفاهيمية اخري وشرعية ترتكز عليها غير الشريعة الاسلامية اهمها قاعدة الاغلبية الجماهيرية التي تلقي انتقادا واسعا من التيار الاصولي لان قاعدة الاغلبية هي جوهر وحقيقة الديمقراطية الغربية التي كان يصفها حزب الاصلاح بالكفر والزندقة. ثم انتقلت الي مرحلة نقد الاشخاص علنا لتحجيمهم في نفوس الجيل الجديد، ونقد الاشخاص بالتاكيد مصاحب لنقد الافكار التي يتبناها هؤلاء الموصوفون بانهم اصحاب عقليات متحجرة وأفق ضيف وعدم ادراك بطبيعة المرحلة وفقه الواقع الجديد، وهي ذات العقول التي امتعضت منها الولايات المتحدة الامريكية وادرجتها في لائحة ممولي الارهاب حتي تحدد موقفها بوضوح من اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وعملياته في كل مكان في العالم. وهي قيادة علي عكس القيادة الاردوغانية التي سارعت الي تعزية قتلي هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) وتقديم المواساة لقتلي انفاق لندن وقطارات مدريد ولم تتقدم بالعزاء لأسرة القيادي في تنظيم القاعدة فوازالربيعي الذي قتلته القوات اليمنية في عملية امنية يمنية ـ امريكية مشتركة في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي ولا لابو علي الحارثي ورفاقه الستة الذي قضوا نحبهم بالصاروخ الامريكي الملتهب في صحراء مأرب اليمنية، في تاييد واضح وبين قولا وعملا للاجندة الامريكية التي تعتبر هؤلاء ارهابيين كما تعتبره قيادة الاصلاح الاردوغانية كذلك وافعالهم جرائم تمنح امريكا ان تقوم باي عمل للدفاع عن نفسها بحسب تصريحات هؤلاء القادة الرسميين للحزب اليوم. ولم يبق اليوم في برامج الاصلاح سوي البرنامج الذي يتبناه اي حزب مدني سياسي في اي بلد في العالم وهي البطالة والفقر والحريات الصحافية وسعر البيضة. وكانت القيادة الاردوغانية للحزب قد وضعت برنامجا اطلقت عليه برنامج التطهير للوعي والممارسة داخل الحزب اوصلت الحزب الي تطهيره فكرا ومنهجا وقيادة وصولا الي شعار النضال والتعايش والحوار السلمي. وبالمؤتمر الرابع لحزب الاصلاح يحسم خياراته وتتوافق ـ لاول مرة منذ نشأته ـ صورته الداخلية والخارجية بنزع اخر ديكور اسلامي كان يمنح الحزب صفة الاسلامية ليتحول الي حزب مدني بالمفهوم الغربي. كاتب متخصص في شؤون الارهاب [email protected] |
| إقرأ في المؤتمر نت |
|
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2003-2024 