الإثنين, 20-مايو-2024 الساعة: 03:08 ص - آخر تحديث: 01:30 ص (30: 10) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
صديقي بن مساعد بن حسين سجل تاريخه الوطني بأحرف من نور في اليمن العظيم
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
ضبابية المشهد.. إلى أين؟
إياد فاضل*
شوقي هائل.. الشخصية القيادية الملهمة
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
أخبار

الملف التوثيقي التاريخي الكامل لـ30 نوفمبر 1967م

المؤتمر نت-نزار العبادي -
قصة الاحتلال.. وملحمة الاستقلال(الحلقة الثانية)

 من النضال الثوري إلى الكفاح المسلح
إن المعاناة المشتركة للشعب اليمني في كلا الشطرين وضعته في خندق واحد يحاول من بلورة اتجاهاته النضالية الوطنية التي تحرره مما يعانيه. وعلى هذا الأساس نشأت بعض الصحف الوطنية الداعية إلى التحرر وتبلورت توجهات وطنية واعية بين صفوف بعض طلبة اليمن في القاهرة، وانتظمت العديد من الشخصيات اليمنية المثقفة في إطار سياسي جريء يحرك الأحداث انطلاقاً من عدن بقيادة احمد النعمان ومحمد محمود الزبيري وغيرهم، واقترن الحديث في النضال والتحرر بالحديث عن وحدة اليمن، وواحدية العمل الوطني في جميع أرجاء اليمن.
وقد تهيأت الكثير من الظروف والمتغيرات السياسية التي أخذت بيد الحركة الوطنية اليمنية مثل تصاعد الدعوة إلى الوحدة العربية بعد تألق الرئيس عبدالناصر بدوره في العمل القومي، بجانب تصاعد حركة المقاومة ضد الإنجليز في أماكن مختلفة من العالم بحيث أن حركة (أيوكا) التي يقودها (جيري فازل) في قبرص تبنت عمليات فدائية ضد الجيش البريطاني أجبرته على نقل مقر قيادة قواته في الشرق الأوسط من قبرص إلى عدن. وهذا الأمر أعطى حماساً لليمنيين لتصعيد المقاومة. علاوة على ذلك فإن نجاح اغتيال الإمام يحيى عام 1948م واشتداد الحركة الثورية المناهضة للحكم الإمامي ف يالخمسينيات عززت ثقة اليمنيين بقدراتهم على التغيير والنضال حتى الاستقلال. فضلاً عن البدء بإقامة التنظيمات السياسية في اليمن والتي كان بعضها متأثراً بالتيارات الفكرية العربية القومية، وبطبيعة الحال أعطت تلك التنظيمات للحركة التحررية صبغتها التنظيمية وخبراتها التي ساعدتها على التصدي للمؤامرات الاستعمارية البريطانية التي حاولت فصل عدن عن بقية الجسد اليمني، وبعد فشلهم حاولوا إنشاء دولة في الجنوب تضم مستعمرة عدن وبعض المحميات الغربية، ثم طوروا الفكرة إلى إنشاء (الاتحاد الفيدرالي للجنوب العربي) كنواة لتلك الدولة التي يعتزمون إنشائها.
وعلى ضوء تلك الظروف، وما حضيت به الحركة الوطنية من خبرات وتجارب –خاصة- في الخمسينات خلال أنشطتها الرامية إسقاطها النظام الإمامي من جهة أو من خلال تأثرها بالحركات العربية الأخرى، أخذت فكرة الكفاح المسلح تتسلل إلى التنظيمات السياسية اليمنية بعد أن أدركت عدم جدوى الحوار أو النضال السلمي، وكانت حركة القوميين العرب من أوائل المتبنين لخيار الكفاح المسلح، إلا أن العقبة الوحيدة التي كانت تقف أمام الوطنيين هو افتقارهم للقاعدة المساندة، أو ما يطلق عليه في الحروب الكبيرة (العمق الاستراتيجي للمعركة).
لكن مع انتصار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م في القضاء على النظام الكهنوتي الرجعي وإقامة نظام جمهوري، فإن انفراجا كبيراً في قضية النضال التحرري من الاستعمار البريطاني قد فتح آفاقه للوطنيين فمن جهة أدركت القوى الوطنية أهمية العمل المسلح في التغيير والتحرر من خلال ما أثبتته تجربة تنظيم الضباط الأحرار بثورتهم السبتمبرية، ومن جهة أخرى أصبحت ساحة الشطر الشمالي ليست مهيأة وآمنة لتحركاتهم فقط، بل ومصدر الدعم والمؤازرة وجبهة المواجهة الحقيقية مع المستعمر، خاصة وأن الدفاع عن الجمهورية كان عملاً انصهرت فيه الآلاف من أبناء الجنوب للانخراط في صفوف الحرص الوطني بوازع ذاتي مستند إلى خلفية الانتماء الواحد لأبناء الشعب اليمني.
 الإنجليز بين (نت كراكر) و (دنكن ساندز)
وهكذا تطور حوار التنظيمات السياسية إلى عقد لقاء صنعاء في مايو 1963م الذي اجتمعت له العديد من القوى على رأسها حركة القوميين العرب، وقاد الحوار إلى تشكيل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، على أساس تبني خيار الكفاح المسلح لطرد المستعمر، وتزامن ذلك مع احتدام صدامات بين القبائل والقوات البريطانية في ردفان، فكان أن احتشدت الجهود صوب هذه الجبهة لتبرز وجودها الوطني في الساحة ولتشغل فجر شرارة الانتفاضة المسلحة في ردفان التي انطلقت من أرضيتها ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م.
إن تصاعد حركة الكفاح المسلح ونجاح ثورة 14 أكتوبر دفعت بالإنجليز إلى قيادة خمس حملات عسكرية تاريخية لاحتواء الوضع المنهار.. فكانت حملتهم الأولى أطلقوا عليها اسم (نت كراكر) بمعنى (كسارة جوز الهند) واستغرقت الفترة (4-31) يناير 1964م اشتركت فيها طائرات (هنتر) و (شاكيلتون) و (بليفيدر) و (ويسكس) وبمجرد أن بدأت إنزالها على الجبال المحيطة بوادي (ربوة) حتى تم التصدي لها بقوة واضطروها للتراجع عن الخطة كاملة.
ثم أعقبوها بالحملة الثانية باسم (رستم) للفترة (1 فبراير-13 أبريل 1964م) وكان هدفها الوصول إلى وادي (تيم) لكنها فشلت وتم قتل خمسة جنود بريطانيين مع قائد سريتهم. فكان رد الفعل البريطاني هو إرسال 8 طائرات هنتر لضرب (حريب) وهدم المنازل وقتل المدنيين مما صعد الأمر من روح المقاومة والكفاح.
وجاءت الحملة الثالثة للفترة (14 أبريل- 11 مايو 1964م) بقيادة (جون كابون) القائد العام للقوات البرية في الشرق الأوسط، وأطلقوا عليها (رد فورس) بقوة لواء كامل، وكان هدفها وادي (تيم) ووادي (ذنبه)، لكنها قوبلت بمقاومة شديدة أفشلت الحملة واضطرت قائدها إلى إلغاء إنزال الكوماندوس.. ولهذا أعقبوها بحملة رابعة (11-23 مايو 1964م) بقيادة (بلاكر) وهدفها جبال (البكري) وفشلت أيضاً في بلوغ أهدافها.
وفي الفترة (24 مايو –23 أغسطس 1964م) انطلت الحملة الخامسة، وكان هدفها جبل (الحورية) واشترك فيها المظليون ودعم جوي كثيف، وكانت بقيادة (بلير) ثم خلفه (بلاكر) لكن مصيرها لم يختلف عن سابقاتها وأسقط الثوار طائرة هيلكوبتر من طراز (آر. أن. ويسكس) وفي موقع آخر تم إعطاب طائرتين من ضمن ثلاثة مخصصة لعملية استيلاء على جبل (ودنا).
وأمام هذه المقاومة الصلبة في ردفان بدا الانهيار والإحباط واضحاً عند البريطانيين مما استدعى الأمر مجيء (دنكن ساندز) وزير الدفاع البريطاني في أوج الطقس الحار إلى جبال ردفان على أمل أن يساعد وجوده في رفع معنويات القوات المحتلة، لكن كان كل شيء يجري على العكس تماماً.
 الموت القادم في الريف
في الوقت الذي كانت قوات الاحتلال تكرس حملاتها على درفان كانت جبهة الضالع قد بدأت هي أيضاً في كفاحها منذ 24 فبراير 1964م بالهجوم على دوريات السرية (5) من الكتيبة الثانية، ثم تلتها عمليات زرع الألغام في طرق سيارات الجيش التي كانت كثيراً ما تقع في كمائن الثوار.. كما امتد النشاط إلى القيام بعمليات نوعية كإطلاق النيران بكثافة على منزل الضابط السياسي في الضالع، وكذلك ضرب معسكرات الجيش الاتحادي بالرشاشات والبوازيك وقتل عدد من أفراده وتدمير بعض المعدات والثكنات.
وفي عام 1965م بلغ عدد القتلى الإنجليز في هذا العام بالضالع فقط (24) جنديا وضابطا وإصابة ما يزيد عن (113) منهم، واصبح إلقاء القنابل على جنود الاحتلال مشهدا مألوفا لا تكاد منطقة يمنية لا تعرفه، وكذلك الحال في زرع الألغام وانفجار العربات البريطانية المختلفة بحيث أن الإنجليز من شدة وضراوة المقاومة التي واجهوها اضطروا في 22/8/1966م إلى إصدار أمر بإغلاق الحدود بين الشمال والجنوب.
ولم تكن مقاومة الريف مقتصرة على الضالع وحدها، بل إنها كانت تشمل جميع مناطق الجنوب بما فيها حضرموت ويافع وحريب والشعيب وبلاد العواذل ودثينة ولحج وغيرها.. ونتيجة لهذا الامتداد لحركة الكفاح المسلح أخذت قوات الاحتلال بإنشاء الوحدات الخاصة للتدخل السريع، كذلك قوة للألغام وغيرها. إلا أن كل ذلك لم يوقف من تصعيد المقاومة لعملياتها، وتطوير أساليبها في المواجهة، بحيث أصبحت تستهدف كبار القادة العسكريين ومراكز القيادة العسكرية الحيوية،و المركبات الخاصة بالضباط، كذلك أماكن هبوط الطائرات ومنازل قادة الجيش، وفي كل تلك العمليات كانت المقاومة تقدم الشهداء من خيرة أنبائها وبالمقابل تحصد المئات، بل الآلاف من قوات الاحتلال، وكان كلما مضى زمن كلما كانت رائحة الموت القادم من الريف اليمني أشد غزارة، وأقوى بأساً على إرجاف فرائص الغزاة، وتحويل أعمارهم إلى محض زمن لترقب الموت على أرض غريبة، لا تجيد حتى الصلاة الكنائسية قبل إيداع الجثمان بين ثراها.
 الكفاح حتى الاستقلال
عدن لم تستكن يوما في جوف ليل غاصب، تسمع فيه وقع أقدام المستعمر وهو يجوس الديار فيبطش بهذا ويجور على ذاك ويصاد حرية آخرين.. فقد ظلت عدن ثائرة تناضل لاسترداد حقها من الكرامة من يوم أن اغتصبها الأجنبي. وإذا ما سكنت يوما فليس أكثر من أن تلعق جراحاتها، وتعيد رص صفوف أبنائها وتتأمل فيما ستقوم به غداً لكسر شوكة الاحتلال وتطهير الأرض من دنسه.
فعندما أقام الإنجليز (الاتحاد الفيدرالي للجنوب العربي) كان المغزى مفهوما لأبناء عدن وجاء رأيهم فيه يوم 10 ديسمبر 1963م بأن ألقوا بقنبلة في المطار أودت بحياة (جورج هندرسن) مساعد المندوب السامي البريطاني، وجرح إلى جانبه (53) من كبار الموظفين الإنجليز والوزراء الاتحاديين بما فيهم المندوب السامي البريطاني نفسه السير (كنيدي ترافيسكس). ومن يومها دخل الكفاح المسلح في عدن طوراً جديداً ومنظما وخطا خطواته التنفيذية العملية بدء من 6 نوفمبر 1964م بزيارة (انتوني جرينود) ووزير المستعمرات الجديد والذي أزاح المندوب السامي في عدن (كنيدي ترافيسكس) من منصبه، ثم صار يحاول إقناع الوطنيين بالاشتراك في حكومة الاتحاد بعد أن كان يقطع الوعود على نفسه قبل الفوز في الانتخابات بأنه سيعدل من السياسة البريطانية بعدن.
ومنذ تلك الزيارة ارتفعت وتيرة المقاومة، وفي 24/12/1964م قتلت ابنة قائد سلاح الطيران للشرق الأوسط بقنبلة رماها أحد المقاومين إلى منزل ضابط في (خور مكسر) وفي عيد رأس السنة الميلادية ثم قتل أول ضابط يمني يعمل بالمخابرات البريطانية هو (فضل خليل) بالرشاش وسط سوق مزدحم في (كريتر) وبلغت حصيلة شهري نوفمبر وديسمبر من العام 1964م في عدن بـ(36) بين قتيل وجريح. أمام في العام 1965م فقد ارتفعت الإصابات إلى (237) بين قتيل وجريح ناجمة عن (286) عملية قامت بها المقاومة.
وركز رجال المقاومة في البداية على اغتيال رجال المخابرات البريطانية بالذات. فمن أصل (22) حادثة اغتيال تمت بنجاح في عام 1965م كانت (10) منها موجهة ضد ضباط مخابرات و إحداها في (الشيخ عثمان) تركت فوق جثة المقتول ملاحظة تقول: هذا العميل نفذت فيه الحكم الجبهة القومية. وعلى إثر ازدياد نشاط المقاومة لجأت الحكومة البريطانية في يونيو 1965م إلى إصدار قانون الطوارئ وحظرت بموجبه نشاط الجبهة القومية واعتبرتها حركة إرهابية.
وفي 29 أغسطس 1965م قامت الجبهة باغتيال ضابط المخابرات البريطاني (هادي باري) وهو يمر بسيارته ذاهباً إلى عمله صباحا ثم تبعه بأيام اغتيال (آرثر شارلس) رئيس المجلس التشريعي، فتسبب ذلك بهزة عنيفة للإنجليز فرضوا على أثرها منع التجول في (كريتر). وهو الأمر الذي لم يردع المقاومة بل دفع الحركة العمالية والمؤسسات الوطنية الأخرى إلى إعلان الإضراب العام في 2 أكتوبر 1965م فرد الإنجليز على هذا بأمر الجيش النظامي بقمع المظاهرات، وتم اعتقال (760) شخصاً وتم زج عدد من زعماء الحركة العمالية بالسجون وإغلاق صحيفتين.. كما أنشأ الإنجليز لواء خاص بعدن يسمى بلواء (أيدن بريجيد) وتم تقسيم عدن إلى أربع مناطق أمنية إضافة إلى إجراءات أخرى كثيرة تستهدف الحد من نشاط المقاومة.
وفي 22 فبراير 1966م اضطرت بريطانيا إلى أن تعلن في ورقة الدفاع البيضاء بأنها (ستسحب قواتها من قاعدة عدن عام 1968م) لكن ذلك زاد من نشاط الثوار وتكثفت العمليات العسكرية خاصة بعد أن ثبت لهم أن نية بريطانيا كانت في إعطاء الاستقلال في عام 1968م لحكومة الاتحاد بعد أن تقوم بدعمها بالأسلحة وتوفر لها الحماية الجوية من على مسافة قريبة منها.
لكن في 13 يناير 1966م ساهمت وساطات خارجية في التقاء جبهة التحرير والجبهة القومية وإعلان الدمج القسري لهما، مما تسبب في الركود النسبي بأنشطة المقاومة لكن الأمر لم يستمر طويلاً، إذ عادت الجبهة القومية للعمل مستقلة بذاتها عقب انعقاد المؤتمر العام الثالث لها في (خمر) بتاريخ 29 نوفمبر 1966م وتم انتخاب سالم ربيع علي مسئولاً عن جناحها العسكري.. ومثل ذلك تحولا حاسما في مسار الكفاح المسلح والحركة الوطنية. فقد تضاعفت العمليات العسكرية التي تستهدف قوات الاحتلال إلى ستة أضعاف عما كانت عليه في العام السابق، إذ بلغت في عام 1967م حتى شهر أكتوبر منه فقط (2908) حادثة تسببت في (1248) إصابة بين قتيل وجريح بحسب وثائق قوات الاحتلال نفسها.
ولأول مرة في هذه السنة تستخدم الأسلحة الصغيرة بكثرة إلى جانب القنابل كذلك زادت المظاهرات والتجمعات وانضمت إليها المرأة على نحو ملحوظ وبارز، وأصبحت الإضرابات العامة الطويلة من مميزات هذا العام أيضاً.
وعلى أثرها زاد ارتباك الإنجليز، وأقدموا على تجريد البوليس المدني من صلاحياته في حفظ الأمن ليجعلوها بيد القوات البريطانية، وأعلن منع التجول بعد قيام الجبهة القومية بتنظيم إضراب عام في 19 يناير (يوم الاحتلال البريطاني لعدن) وتساقط عدد من الشهداء من جراء الالتحام مع القوات البريطانية وفي 28 فبراير قام أحد الفدائيين بتفجير لغما في منزل الضابط السياسي (انتوني انجليدو) في شكل لعبة أثناء حفلة عشاء تم فيها قتل امرأتين وجرح (11) آخرين، وبعد أسبوع حدثت عملية مماثلة.
وأمام عجز قوات الاحتلال في الوقوف بوجه العمليات الفدائية والمظاهرات والإضرابات والألغام وغيرها، اضطرت لعمل مراكز مراقبة فوق قمم ومنحدرات جبل (شمسان) ذات نواظير وأجهزة لا سلكي لتحذر من خلالها قواتها.. ولكن دون جدوى.
وعندما جاءت بعثة الأمم المتحدة في 3 أبريل 1967م صعد الثوار كفاحهم المسلح وبقيت البعثة حبيسة فندق (سيفيو) لتغادر بعد خمسة أيام غاضبة، ورافق ذلك إضراب عام أيضاً. وكانت البعثة قد زارت سجن المنصورة في اليوم الثالث لها فقابلها المعتقلون بالتظاهر والهتاف بحياة الثورة وسقوط الاستعمار. وفي ذلك الأسبوع وحده بلغت الحوادث (280) حادثة تسببت في إصابة (64) بين قتيل وجريح وشهد شهر أبريل موجة صاخبة من الاغتيالات والتفجيرات.
وفي الأول من مايو 1967م بدأت السلطات البريطانية بتسفير عوائلها من عدن بحيث يقدر عدد الذين غادروا خلال أسبوعين (8000) شخص، وأقدمت بريطانيا على استبدال مندوبها السامي (ريتشارد ترنبول) باللورد (همفري تريفليان). ونتيجة لأحداث نسكة الخامس من حزيران 1967م اشتدت المقاومة وأجبرت الإنجليز على نقل الكتيبة البريطانية من مقر قيادتها الرئيسية في (خور مكسر) إلى مستشفى (عفارة) في الشيخ عثمان.
وفي 19 يونيو أعلن وزير خارجية بريطانيا عن سياسة حكومته القاضية بتحديد تاريخ الاستقلال ووعد بتقوية الجيش الاتحادي ودعمه جوياً بعد الاستقلال من حاملات طائرات بريطانية.. وهذا الإعلان أدى إلى انفجار الوضع في اليوم التالي في انتفاضة عارمة انطلقت من (معسكر ليك)، و(مدنية الاتحاد)، و (معسكر شامبيون) و (معسكر البوليس المسلح) هاجم فيها الثوار المعسكرات وأطلقوا السجناء وأحرقوا المكاتب الاتحادية واحتلوا مبنى السكرتارية العامة ونهبوا الأسلحة والذخائر من معسكر النصر وتمركزوا فوق البنايات، كما أطلقوا النيران على التجمعات البريطانية، وتحول يوم 20 يونيو 1967م إلى يوم مشئوم في تاريخ الجيش البريطاني، إذ خسر فيه (23) قتيلاً و (31) جريحاً.
خلال الأسبوعين اللاحقين بقيت (كريتر) بأيدي الثوار، لكنهم ما لبثوا الانسحاب منها بعد حصار قوات الاحتلال للمدينة، واستأنفت الهجمات بكثافة خلال الفترة يوليو- سبتمبر 1967م في (الشيخ عثمان) والمنصورة وتعرض الإنجليز لأكثرمن (80) حادثة ولاذوا يحمون أنفسهم داخل الثكنات.
وفي 23 أغسطس 1967م وجهت الجبهة القومية (8) قنابل (مورثر 8 مم) إلى دار المندوب السامي البريطاني في منطقة (حصينة وعسكرية). وفي 28 سبتمبر وقف هجوم عنيف بالمورتر ضد ثكنات (كانت) في (التواهي). لكن بعد سبتبمر توقفت هجمات الثوار في (عدن الصغرى) و (الشعب) و (الشيخ عثمان) بعد أن اضطرت قوات الاحتلال الانسحاب منها نهائياً وتسليمها لقوات جيش الاتحاد. وكانت القوات البريطانية قد أكملت انسحابها من الأرياف في يوليو تقريباً، ومن (عدن الصغرى) في 13 سبتمبر، و (الشيخ عثمان) في 24 سبتمبر، وتجمعت في خنادق جديدة في (المملاح) التي بقيت فيها حتى تاريخ الانسحاب النهائي في نوفمبر 1967م.
ويجدر الذكر أن الفترة الواقعية بين 6-11 سبتمبر كانت قد شهدت انفجار الاقتتال بين جبهة التحرير والجبهة القومية، ثم انفجر القتال ثانية في 3-6 نوفمبر 1967م وكان هذه المرة حاسماً لصالح الجبهة القومية حيث أعلنت القوات المسلحة وقوفها إلى جانبها بصفتها ممثلة وحيدة للشعب.
لقد مثل الانسحاب البريطاني من عدن وبقين المدن اليمنية صفحة سوداء في تاريخ القوات الاستعمارية لم يمنح أي منهم فرصة تأدية التحية ومصافحة الأيادي كما جرت العادة عند تسليم الاستقلال، فقد خرجت بريطانيا مكرهة تجر أذيال خيبتها أمام شعب فقير الإمكانيات، عزلته ظروف الاحتلال والنظم الرجعية عن امتلاك أبسط حقوق العيش الكريمة.. لكن الشيء الوحيد الذي لم يقو أحد على سلبه إياه كان إرادته وعزيمته وتشبثه بإنسانيته وحقه في الحياة الحرة الكريمة.. وربما كان ذلك هو الجانب الوحيد الذي تفوق فيه اليمنيون على قوات الاحتلال القادمة من أقصى بقاع الأرض لتتطفل على حياة ومقدرات الشعوب الفقيرة.. ولهذا السبب فقط انتصر اليمنيون، وأعلنوا استقلال بلادهم في 30 نوفمبر 1967م، ولم يقفوا عند هذا الإنجاز، بل أعادوا وحدتم اليمنية في 22 مايو 1990م، وباتوا اليوم مثلاً يحتذى به في الوحدة والديمقراطية والنهوض وصناعة السلام.















أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "أخبار"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024