![]() تلافـــي الخطــر إن أمن الوطن واستقراره مسئولية جماعية لاتقتصر على أحد دون آخر، بل هي بمثابة فرض عين يجب على الكل القيام بها وليست مسئولية الحكومة فقط، فالأسرة تتحمل جزءاً من هذه المسئولية من خلال متابعة الأبناء وتربيتهم التربية الوطنية وتعميق مفهوم الولاء الوطني في أذهانهم وغرس قيم المحبة والتسامح والاعتدال والوسطية التي تنطلق من جوهر الإسلام الحنيف، ولايقتصر الأمر عند هذا المستوى من التربية، بل ينبغي متابعة الأبناء في المدرسة والشارع والجامع لمعرفة مَنْ يصاحبون ويرافقون، وما الأفكار التي يتداولونها، ومن ثم العمل على تصحيح المعوج منها وتكثيف المتابعة في حالة ظهور مؤشرات تدل على بداية الانحراف الفكري لدى الأبناء.. وأستطيع القول ان الأمر يتطلب متابعة الأبناء في حالة التدين وتقويم سلوكيات الأبناء التي تظهر على غير العادة القائمة على الاعتدال والوسطية، وفي حالة ظهور مؤشرات الانحراف الفكري في جانب التدين قد لايستطيع الأب والأم العمل على تقويم ذلك الانحراف إما بسبب الأمية أو عدم القدرة على الإقناع، وهنا ينبغي اللجوء إلى من يثقون في قدرتهم على إيصال الأفكار السليمة إلى أذهان الأبناء لإيضاح حالة اللبس التي ربما تعمَّد البعض -ممن يصاحبهم الأبناء- على الترويج لها، وإن استدعى الأمر إبلاغ الجهات الأمنية والإرشادية لحمايتهم من اختراقات الأفكار الضلالية. بعد ذلك يأتي دور المدرسة التي ينبغي أن تتابع سلوكيات الطالب وأسلوب نقاشه واكتشاف المعوج في فكره والعمل بمسئولية كاملة على تقويم ذلك الفكر المنحرف ومتابعة من يحاولون غرس أفكار لا صلة لها بالدين الإسلامي الحنيف وإبلاغ أولياء أمور الطلاب بكل المؤشرات أولاً بأول دون تردد.. ثم يأتي دور المسجد -المدرسة المحمدية- حيث ينبغي أن تكون جميع المساجد تحت إشراف الدولة ممثلة بوزارة الأوقاف والإرشاد، ولاتسمح بالتدريس فيها أو الخطابة إلاّ لمن تتحمل مسئوليته الوزارة وعلى دراية بأفكاره واعتداله وقدرته على إيصال الرسالة الإسلامية المجتمعية إلى أذهان النشء، وتحلّيه بأمانة المسئولية وصدق الكلمة والتزامه جوهر الإسلام الحنيف، وأن يكون بعيداً عن الغلو والتطرف، وعلى وزارة الأوقاف أن تتحمل المسئولية الكاملة في إعادة تأهيل وتدريب الخطباء والمرشدين والوعاظ على أسس علمية ومناهج تدريب تلتزم الابتعاد عن الشبهات والتشدد، ولايجوز الوقوف عند هذا المستوى بل لابد من متابعة الخطباء والمرشدين والوعاظ والمدرسين في أدائهم الميداني وتقويم الاعوجاج الفكري إن وُجد بعد هذا كله. إن هذه المسئولية لاتقتصر على الأسرة والحكومة فحسب، بل أيضاً الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني تتحمل قسطاً وافراً من هذه المسئولية وبدرجة أساسية الأحزاب السياسية، حيث نرى أن بعضها تقوم على أساس عقائدي وليس برامجياً.. وهنا مكمن الخطورة على المجتمع والأمن والاستقرار، فعندما تعمل على استقطاب صغار السن وتحشو عقولهم بأفكار ما أنزل الله بها من سلطان تظهر النتيجة المدمرة لأمن وسلام المجتمع نتيجة للتربية الحزبية المنحرفة، والغريب أن نجد أحزاباً تسلك هذا السلوك، وعندما تظهر سوءات هذه التعبئة الخاطئة نجدها إما أنها تلتزم الصمت ولاتحرك ساكناً لمعالجة نتائج التعبئة الخاطئة، أو أنها تبحث عن المبررات وتحمّل الحكومة والمجتمع المسئولية، فأية حزبية تربي الأجيال على الأفكار المنحرفة ولاتدرك مسئولياتها عن ذلك إلاّ عندما ينالها خطر تلك التعبئة فقط، أما مسئولية الحفاظ على أرواح الناس غير المنتمين لمثل هذه الأحزاب فإنها تتنصل عنها وتبرر تلك الأفعال الإجرامية الإرهابية بأسلوب لايمت بصلة إلى روح المسئولية، بل بحقد أسود على البلاد والعباد، وهذا هو الأشد خطورة على أمن وسلامة الوطن ووحدة الأجيال. إن المسئولية جماعية ومواجهة الإرهاب والتطرف والغلو لايمكن أن يتنصل عنها أحد على الإطلاق.. لذا أدعو كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى مراجعة أساليبها في التربية الحزبية وتصحيح الخطأ منها، وليس عيباً الاعتراف به لأنه البداية العملية لتصحيحه، وعليه فإن كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يكون لها موقف وطني واضح من كل أعمال الإرهاب والتمرد، وهو الطريق الوحيد لاستعادة ثقتها بالجماهير، أما إذا استمرت على هذا الأسلوب المتبع حالياً فإن الشعب سيدرك أنها تسير في طريق مظلم غلبت فيه المصالح الآنية النفعية على المصالح العليا للوطن، ولذلك فلن يركن الشعب إليها ولن يعطيها الثقة، كما أن التاريخ لايرحم مثل هذه الأحزاب التي جعلت من الحزبية غاية وليست وسيلة لتحقيق الصالح العام.. فهل تدرك الأحزاب ذلك قبل فوات الأوان؟ نأمل ذلك بإذن الله. |