المؤتمر نت - حينما تعود كبسولة مسبار جنيسيس من الفضاء بعد غد مع عينة من الجسيمات الايونية التي تنطلق من هالة الشمس والمعروفة باسم «الرياح الشمسية» لتسقط ضمن المنطقةالواقعة في ولاية يوتا في الولايات المتحدة والمعروفة بـ«ميدان التدريب والاختبارات» سيكون ذلك حدثا مهما في مجال الفضاء المدني الذي يستطلع ما كان يعتبر من ضمن البرامج السرية...
المؤتمر نت -
كبسولة مسبار «جنيسيس» تعود للأرض بعد غد
حينما تعود كبسولة مسبار جنيسيس من الفضاء بعد غد مع عينة من الجسيمات الايونية التي تنطلق من هالة الشمس والمعروفة باسم «الرياح الشمسية» لتسقط ضمن المنطقة الواقعة في ولاية يوتا في الولايات المتحدة والمعروفة بـ«ميدان التدريب والاختبارات» سيكون ذلك حدثا مهما في مجال الفضاء المدني الذي يستطلع ما كان يعتبر من ضمن البرامج السرية.
وما هو أكثر من ذلك أن مسبار جنيسيس هو رائد للمستقبل. فالمهمة تفتح الباب لإعادة سفينة فضاء إلى الأرض مع عينات من عالم الفضاء الخارجي.
وفي حالة المسبار جنيسيس فقد استطاع أن ينتزع قدرا من «الرياح الشمسية» باستخدام رقائق عالية النقاء موضوعة على متن المركبة الفضائية. ثم عرضت تلك الرقائق الجامعة للعينات للفضاء الخارجي ثم تمت تعبئتها لرحلة العودة إلى الأرض. وهذه المهمة تم تنفيذها أثناء الدوران حول الموقع المعروف باسم «لاغرانج بوينت 1» والواقع بين الأرض والشمس حيث تكون جاذبيتهما على المركبة متساويتين.
وحالما أطلقت «جنيسيس» يوم 8 أغسطس 2001 بدأ تحريكها باتجاه موقع عملها في الفضاء كي تشرع بتجميع العينات المقرر حصولها وقامت تلك السفينة الفضائية بتأدية ذلك ما بين 3 ديسمبر 2001 و2 أبريل 2004 أي خلال 884 يوما. والآن حان الوقت إلى شحن سلعها الفضائية للأرض.
* انقضاض رأسي سريع
* إذا مضى كل شيء حسب ما خطط له فإن «جنيسيس» ستصبح أول مركبة فضاء خاصة بوكالة «ناسا» تقوم بالدخول المستهدَف للأرض منذ وقوع كارثة المركبة «كولومبيا» التي قتل فيها طاقم فضائييها في فبراير 2003.
وفي هبوطها الرأسي شديد السرعة باتجاه ولاية يوتا ستقوم «كبسولة عودة العينات جنيسيس» (أس آر سي) بالتحول الى كرة نارية مشتعلة فوق ولاية أوريغون ضمن المنطقة الصغيرة الواقعة في زاوية ولاية إيداهو وشمال شرقي ولاية نيفادا حسبما قال جوزيف فلينغا مدير برنامج جنيسيس في دنفر، بولاية كولورادو.
وتبلغ تكاليف المهمة بضمنها الصواريخ التي ساعدت على دفع جنيسيس إلى الفضاء 260 مليون دولار. كما أن من أكثر المهام تحديا بالنسبة لهذه السفينة هو «كل شيء له علاقة بجلب العينات الفضائية إلى الأرض»، حسبما قال فلينغا.
وأضاف روبرت كوروين مهندس أنظمة الاستعادة ورئيس فريق استعادة «جنيسيس» في شركة «لوكهيد مارتن»: «مع أول مهمة روبوتية لجمع عينات فضائية.. فإنه ليست هناك عملية معالجة راسخة لكيفية إعادة الأشياء إلى الأرض.. إنها تجربة تعلم أيضا مع تقدم الوقت».
* استرجاع المركبات في الماضي والحاضر
* حينما تصبح «جنيسيس» فوق موقع «التدريب والاختبار» سيتم نشر مظلتين تكون الأولى منهما صغيرة ثم تتبعها أخرى كبيرة ذات شكل مثلثي. وسيسمح ذلك بتخفيض سرعة السفينة «جنيسيس» ويجعلها تطفو ببطء في الهواء ضمن كبسولة حُدد لها موقع الهبوط مسبقا. ستنطلق طائرتا هليكوبتر تقوم إحداهما باصطياد الكبسولة عند قطعها نصف المسافة في الجو. ويبلغ قطر الكبسولة العائدة 152 سنتمترا، بينما يبلغ طولها 81 سنتمترا وتزن 210 كيلوغرامات. ويعود هذا النوع من الانجازات إلى الفترة المبكرة من تاريخ الأقمار الصناعية التي تقذف علبا صغيرة محملة بأفلام تجسس صوب الأرض. لكن بالنسبة لـ«جنيسيس» فإن استخدام طائرات الهليكوبتر لاسترجاع الكبسولات الفضائية بعد دخولها المجال الجوي للأرض مع حمولتها هو إنجاز جديد ـ على الأقل بالنسبة للأوساط المدنية.
* أقمار التجسس الصناعية

* قال دواين داي المحلل والمؤلف الذي كتب كثيرا في بداية عصر التجسس عبر الأقمار الصناعية، وهو من المحررين الأساسيين لكتاب «عين في السماء: قصة أقمار التجسس كورونا»، الذي نشره معهد سميث سونيان برس عام 1998. وكورونا هو اسم قمر صناعي أطلق لغرض التقاط صور تجسس من الفضاء الخارجي. وكان الرئيس الأميركي الراحل دوايت ديفيد آيزنهاور قد صادق على المشروع في فبراير 1958. وكان الهدف الأولي من المشروع هو أخذ صور من الفضاء للمعسكر الاشتراكي ثم إرسال الصور إلى الأرض لمعالجتها واستخدامها.
وتحت يافطة كورونا تم إنجاز عدد من المهمات الأولى من ضمنها استرجاع مركبة فضائية من الفضاء، وأول تخطيط للأرض من الفضاء والعودة أكثر من مركبة من الفضاء وتنفيذ برنامج تجسسي يتكون من 100 عملية.
وقال داي «من عام 1960 إلى منتصف الثمانينات تمكن طيارو القوة الجوية من اصطياد مئات الكبسولات أثناء وجودها في المجال الجوي. وهم قاموا بالتدرب على ذلك من خلال رمي كبسولات من بالونات أو حتى من طائرات يوـ2 التجسسية فوق صحراء موجافي والتقاطها في الجو بواسطة طائرات سي ـ 130». وأضاف داي «يعود المبدأ إلى منتصف الخمسينات حينما تم إسقاط أجسام من بالونات تجسس عالية جدا تم استرجاعها من قبل طائرات القوة الجوية الخاصة بالنقل. وتم تكييف ذلك لاحقا إلى برنامج أقمار التجسس المعروف باسم كورونا».
وذكر داي « ظل مديرو المشروع يرددون أنهم كلما قدموا مذكرات إلى ضباط كبار أواخر الخمسينات، كان الجنرالات يجلسون بإذعان كامل من دون أي مبالاة ليستمعوا إليهم، وهم يشرحون عمليات عربة روبوتية في الفضاء البارد الفراغ، ثم السيطرة عليها من مئات الأميال. لكنهم سيعارضون بحدة حينما يسمعون تفاصيل خطة استعادة الأجسام العائدة إلى الأرض لان الجنرالات طيارون في الاصل، وهذا ما جعلهم يفكرون في أن إمساك شيء هابط بالمظلة أمر مستحيل. لكن الشيء الذي لم يدركوه هو أن ذلك تم تحقيقه فعلا آنذاك».

* أنظف غرفة

* بالنسبة لكتب التاريخ، فإن «جنيسيس» قلدت الاتحاد السوفياتي في استرجاع العينات بطريقة روبوتية من الفضاء. كان خبراء الفضاء الروس قد حققوا ثلاث مهمات في إعادة عينات من القمر أعوام 1970و1972 و1976 بالتعاقب. كما ستكون سفينة «جنيسيس» هي الأولى في تنفيذ مهمة إعادة مواد من الفضاء منذ مهمة أبولو عام 1972، وهذه هي المهمة الأولى. وحال عودة الكبسولة إلى الموقع المخصص لهبوطها سيتم نقلها برا إلى مركز جونسون الفضائي التابع إلى ناسا والواقع في هيوستن بولاية تكساس حيث يتم نقل عينات «الرياح الشمسية» لغرض تحليلها. ومشروع «جنيسيس» هو الأول من نوعه لتطوير غرفة من الصنف 10(لا توجد فيها سوى 10 جسيمات في حاوية بالمتر المكعب الواحد). وينتظر خبراء «مركز جونسون الفضائي» بلهفة شديدة وصول عينات الكبسولة الفضائية.
وقال كارلتون ألن أمين المواد الفضائية إن المهمات المتعلقة بتفكيك السفن الفضائية وتقسيمها إلى أجزاء صغيرة مع عمليات الحفظ والسيطرة على التلوث هي «أمور جاهزة للعمل».
وقال ألن إن مختبر «جنيسيس» بني في الأصل للتعامل مع السفينة الفضائية قبل إطلاقها. وفي ذلك الموقع جرت عمليات التنظيف ودمج الأجزاء مع بعضها. والآن سيصبح ذلك المكان موقع التفكيك والتقسيم والحفظ. وقال ألن «الغرفة من الصنف 10 هذه هي أنظف غرفة في مجمع ناسا. ويقع المختبر في البناية 31 الواقعة تحت مجمع المختبرات الذي يحتوي على عينات من سفينة الفضاء أبولو القمرية».
وباعتبارها أول رحلة أميركية لجلب عينات من الفضاء بعد عدة عقود فإن «جنيسيس» هي أيضا الرائدة في هذا العقد للمهمات التي ستجلب للأرض جسيمات من مذنبات ومناطق ما بين النجوم وقطع من الكويكبات العائمة وربما عينات من القمر أيضا. فهناك مهمة «غبار النجوم الخاص بناسا» المخطط لها في جعل هبوط المظلة في ولاية يوتا يوم 15 يناير 2006. كذلك هناك مشروع «هايابوسا» الياباني الذي سيعقب هذه المهمة والذي سيجلب مواد من سطح كويكب إلى الأرض في صيف عام 2007. كذلك فإن مقترح مشروع ناسا «الحدود الجديدة» (نيو فرونتيرز) والمعروف باسم «مون رايز» (صعود القمر) هو موضوع دراسة حاليا والهدف منه هو جلب تربة وصخور من الجانب البعيد من سطح القمر إلى الأرض.
إضافة إلى ذلك، فإن من الأولويات بالنسبة لـ«ناسا» هو إرسال روبوت إلى المريخ يقوم بجلب بعض المواد من هناك إلى الأرض، إذ مع وجود احتمال أن يكون المريخ في الماضي أو في الحاضر حاضنا لشكل من إشكال الحياة، فإن جلب عينات من مواده يعني إمكانية التعامل مع خاصية بيولوجية ساخنة وتصورات للجماهير عن سلالة شبيهة بالـ«أندروميدا» تهدد الارض.
وقدرة مركبة «جنيسيس» على تجميع ذرات «الرياح الشمسية» من جميع عناصر الجدول الدوري (جدول مندليف للعناصر) قد جلبت متطلبات غير مسبوقة في التنظيف والتعامل الدقيق مع العينات، حسبما قال ألن من «مركز جونسون الفضائي»، لان تعلم تلبية كل هذه المتطلبات يهيئنا بشكل جيد للتعامل مع التحديات التي ستظهر لدى تعاملنا مع العينات المقبلة من المريخ».
يقول جون رامل المسؤول عن الحماية من الكواكب في ناسا لمجلة «سْبَيسز كوم» الخاصة بالفضاء «ستجلب جنيسيس عينات لجسيمات من الرياح الشمسية مثل الأيونات من الشمس التي ليس لها أي قدرة كامنة بيولوجية ولا لها أي علاقة بالبيولوجيا.. مع ذلك، فإن هذه العينات الثمينة هي الحصيلة المفيدة من هذه المهمة وسيجري التعامل معها كحمولة ثمينة من خلال اضطلاع الكادر المتخصص بالتعامل معها. وهؤلاء سيستفيدون من التجربة العملية التي سيكسبها مركز يوتا حتى لو أنه لن يكون في نهاية المطاف موقع الهبوط للكبسولات العائدة من المريخ والمحملة بمواد من ذلك الكوكب. كما سيستفيدون من الإجراءات المتسلسلة التي يستخدمونها لنقل حمولة جنيسيس بشكل أمين إلى مركز الحفظ في مركز جونسون الفضائي».
واستنادا إلى تجربة جنيسيس، قال الموظف المسؤول عن إجراءات الوقاية الخاصة بالمواد المجلوبة من الفضاء الخارجي «ستكسب ناسا معرفة ستساعد بشكل كبير على التعامل لاحقا مع مواد مجلوبة من المريخ أو مناطق فضائية أخرى قد تكون أكثر جذبا من حيث احتمال وجود حياة بيولوجية فيها». لذلك، فمن هذا المنطلق يهيئ مشروع «جنيسيس» الأرضية لمشاريع تهدف إلى التقاط وشحن وجلب مواد من الفضاء خلال السنوات اللاحقة المقبلة. وقال رامل «ليس هناك ما يهزم الخبرة المكتسبة من خلال تأدية العمل في ظروف حقيقية».

المصدر: الشرق الأوسط
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 04:55 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/14354.htm