المؤتمرنت- سلامة نعمات -
احتلال ديموقراطي؟
مثير هذا الحرص العربي المتهافت على حرية العراق واستقلاله وسيادته، وعلى شرعية انتخاباته المرتقبة وشرعية تمثيلها للاطياف السياسية والاثنية والمذهبية كافة. يكاد المراقب، لولا انه يعرف الحقيقة، ان يصدق أن حكومات دول عربية لم تعرف انتخابات في تاريخها، باتت الاكثر حرصاً على ان تعكس الانتخابات العراقية المقبلة ارادة الشعب العراقي بكل مكوناته، وبخاصة الاقلية السنية - التي كانت ايام صدام حسين، ولأسباب معروفة، «غالبية» لا يسائلها احد.

مثير ورائع ان اول انتخابات عامة حرة في تاريخ الامة العربية، ستجري في كانون الثاني (يناير) المقبل، في كل من العراق، تحت حماية الاحتلال الاميركي، وفلسطين، تحت حماية الاحتلال الاسرائيلي. ومثير ان تحرص الجامعة العربية، الممثلة لإرادة الانظمة الحاكمة في عشرين دولة من المحيط الى الخليج، على دعوة «المعارضة» العراقية الى مؤتمر شرم الشيخ، لضمان ان يكون العراق كله حاضرا، بكل اطيافه السياسية، لتمثيل الشعب العراقي. ليس مهما هنا ان المعارضات العربية الاخرى لم تدع الى اي اجتماع لمجلس الجامعة وقممها العتيدة عبر تاريخ حافل بالإنجازات التي ترفل في ظلها الشعوب العربية.

جميل ان يطالب العرب بحق العرب السنة في التمثيل السياسي خوفاً عليهم من طغيان الفئات العراقية الاخرى وحرصا على الوحدة الوطنية والتمثيل النسبي الامثل. إلا اننا لا نفهم لماذا لا ينسحب هذا الحرص على كثير من الدول العربية التي لا يسمح للأقليات فيها بأن تعلن عن وجودها، ناهيك عن المطالبة بحقها في التمثيل. هل انتبه وزراء الدول المشاركة في شرم الشيخ ان بعض الدول المشاركة ما زالت تحكمها اقليات لا تسمح للغالبية بالتعبير عن رأيها؟ لماذا لم نسمع بحرص عربي مماثل كما هي الحال تجاه العرب السنة في العراق؟ هل دعيت المعارضات العربية الاخرى الى المؤتمر حتى تصر الجامعة العربية على حضور المعارضة العراقية؟

محزن ومثير للشفقة ان تتركز انظار العالم كله على الانتخابات الفلسطينية والعراقية التي ستجري تحت حراب الاحتلال الاجنبي، فيما لا تملك شعوب دول عربية «مستقلة وحرة وذات سيادة» اي سبيل الى التعبير عن ارادتها. محزن ومثير للشفقة ان تمارس بعض الدول اليوم ارخص انواع النفاق السياسي والمزاودة تجاه العراقيين رغم ان احداً لم يسمع منها احتجاجاً عربياً يتيماً ابان حكم نظام القبور الجماعية.

الحال هي ان ما يمنع انظمة عربية عدة من اجراء انتخابات حرة وحقيقية هو خوفها من النتائج، ليس إلا، اي خوفها من ارادة شعوبها.

رغم ان نظام طالبان الظلامي بات جزءاً من التاريخ، ورغم ان صدام حسين بات يقبع في زنزانة بإنتظار محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، لا تزال هناك انظمة عربية تتصرف وكأن شيئا لم يكن. بل كأن التاريخ لا يحدث ما لم تعترف به تلك الانظمة وتعلنه في صحفها ومحطاتها التلفزيونية الارضية والفضائية المحكومة لها. هل هناك من يسأل الجامعة العربية عن اسباب تمتع الاعلام العربي في العراق وفلسطين بحق العمل بحرية تحت الاحتلال، فيما لا يتمتع الاعلام بالحق ذاته في بقية الدول العربية؟

لا يتوقع احد من احتلال ان يستجيب مع ارادة شعوب تعاني تحت وطأته. إلا انه ليس هناك ما هو ابشع من حكم وطني هو بالفعل أسوأ من الاحتلال. ويبقى التحدي: هل تستطيع دول عربية مستقلة، تتمتع بالسيادة، ان تقدم لشعوبها افضل مما يقدمه الاحتلال للعراق ولفلسطين اليوم؟
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 26-أبريل-2024 الساعة: 08:02 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/16726.htm