المؤتمرنت-راي حنانيا* -
حين تحترق العدالة .. بشعلة القيم الأميركية
اميركا دولة في مرحلة تحوّل ، لأن واحدا من الأعمدة الفقرية للقيم الاميركية، وأعني القيم الصادقة للعدالة ، آخذ في التلاشي التدريجي ، بسبب من الغضب القومي المعتمد على الاكاذيب والعنصرية والكراهية ، ولحد أصبح معه العديد من الاميركيين يفضلون احتضان الاكاذيب ، لكيلا يواجهوا قبحهم او يواجهوا قبح الكراهية. ولكن القبح هنا يصبح امرا نسبيا، وهو مقبول ، عندما تتمكن من جعل الشخص الذي تكرهه اكثر قبحا.
خذ كلمة «الارهابي» ، فقد اعيدت صياغتها في «الخطاب الجديد» فلم تعد تتعلق بالانسانية او الاخلاق او المبادئ الصحيحة للعدالة ، لأنها اصبحت رؤية كراهية. ونرى ادلة على ذلك في اميركا كل يوم ، ونحن نقسم العالم ليس من منطلقات الصحيح والخطأ ، ولكن من منطلق «نحن وهم»، فقتل جندي اميركي جريحا عراقيا ببرود هو مثل قمة جبل ثلج من الفظائع التي لا تذكرها وسائل الاعلام ، وبدلا من الشعور بالاشمئزاز، فإن العديد من الاميركيين يريدون عقاب الاشخاص الذين كشفوا عن هذه الفظائع.
وبالمقارنة، فالغضب الاخلاقي ضد الارهابيين الاسلاميين ، الذين ارتكبوا فظائع مماثلة بقطع رؤوس الرهائن ، بلا حدود، كامتداد للفظائع والظلم في معادلة «نحن وهم». نحن إذن نقف حول شعلة نيران الاخلاقيات الاميركية. ولا يوجد ما يحترق اكثر لمعانا في هذه الكراهية من العدالة.
والى ذلك باتت وسائل الإعلام الاميركية تعيش حالة من الارتهان الطوعي. فغياب المبادئ الاخلاقية اصبح يشكل عامل تشويش. وحلت محل الصحافية المهنية الاخبار الترفيهية التي تعج بأحداث القسوة والوحشية، كما حل الخيال العاطفي محل الحقائق المجردة.
لم يتبق سوى نصف خطوة فقط من مستقبل سيطالب فيه الجمهور بالمزيد. ومن الجائز القول ان هؤلاء ربما حتى لا يتظاهرون ، بل سيلقى الـ«المذنب» الى الاسود.
فالعدالة سيحل محلها الترفيه العام، فيما سيقف القاضي الجديد خلف المايكروفون لتأجيج نار المثل الاخلاقية الاميركية ، مصفقا للقسوة والشر وهو يرقص طربا، فيما يصرخ المستمعون بجنون: «الموت... الموت... الموت».
الدليل على تلك الفرضيات موجود كل يوم ، ولا تحتاج ملاحظته الى كثير عناء. فرموز الإعلام الجديد افسحوا المجال للناس لبث الكراهية. على سبيل المثال فقط، وُصف الفلسطينيون في برنامج جرى بثه في الآونة الاخيرة بأنهم «حيوانات قذرة»، كما ان مقدم البرنامج شجع على ذلك بقوله، أمام الحضور، انه امر مقبول ان نجرد من الصفات الانسانية كل من نكرههم.
ولكن لا يمكن إشباع جوع ونهم من تجمعوا حول تلك النار الطقوسية. فإطلاق صفة «حيوان قذر» على شخص لا يعتبر في نظر هؤلاء كافيا، واذا كان بمقدور الشخص تجريد بشر آخر من الانسانية، فمن الممكن لهذا الشخص إذن إزهاق حياة هذا الكائن البشري، ويمكنه بعد ذلك الافتخار والحديث عن العظمة وعن عالم عظيم خال من الخوف والعنف.
الضحية الاولى هنا هي محو الخط الفاصل بين الصحيح والخطأ. فالمبادئ الاخلاقية يعاد تعريفها على الاصول العرقية والدينية للضحية ، الذي جرد مسبقا من صفاته الانسانية. وتلك ولعمري هي طبيعة العنصرية والكراهية. اصبحت اميركا ، وعلى نحو سريع ، شعبا صاحب نسق ذهني موحد، ذلك ان الخطاب الجديد آخذ في الانتشار.
وأخيرا ، فالنار الاحتفالية التي يرقص حولها طربا ادعياء المبادئ الاخلاقية الاميركية ، إنما هي وفي واقع الامر محرقة للكراهية ، حيث يتلاشى فيها ومعها المذبوح مع الدخان، وعندما يختفي الدخان من السماء يمكن ان نتظاهر ، مع هذه الحالة السائدة ، بأن شيئا لم يحدث مطلقا.

*صحافي أميركي من أصل فلسطيني
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 14-مايو-2024 الساعة: 01:02 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/17035.htm