المؤتمر نت - فهمي هويدي
بقلم: فهمـي هـويـــدي -
تحـذير من الإفـراط في التفـاؤل
احذر من الإفراط في التفاؤل بما يمكن ان يسفر عنه المؤتمر الرباعي المقرر عقده اليوم في شرم الشيخ‏,‏ صحيح أن هناك من ينحاز إلي ذلك التفاؤل‏,‏ بدعوي أن ثمة متغيرات مهمة شهدتها المنطقة خلال الأشهر الأخيرة‏,‏ وهو ما أوافق عليه تماما بتحفظ واحد‏,‏ هو أن شروعه ليسا من بين تلك المتغيرات‏.
‏(1)هذاالكلام سبقني إليه الشاعر والمفكر الإسرائيلي بي ميخائيل‏,‏ في مقالة نشرتها له صحيفة يديعوت أحرونوت في‏2005/1/4‏ وكان فيها أكثر صراحة وافصاحا مني‏,‏ إذ قال فيها إنه يشعر بالغثيان كلما عرف ان هناك من يثق بشارون‏,‏ أو يأخذ كلامه عن خطة فك الارتباط‏)‏ علي محمل الجد‏,‏ حتي انه ذهب إلي حد دعوة العالم والعرب بوجه أخص إلي ضرورة التحرر من وهم شارون الجد
أضاف المفكر الإسرائيلي مانصه‏:‏ ان المعني الحقيقي لخطة فك الارتباط المزعومة واضح منذ لحظة ولادتها‏,‏ فالظروف التي استدعتها‏,‏ وشخصية صانع الخطة‏,‏ والخبرة المتراكمة التي توافرت لدي كل من يعرفه‏,‏ عن حيله وأساليبه ومعتقداته‏,‏ واضحة لكل من تخلص الجديد‏.‏ ذلك أن الهدف الحقيقي للخطة يمكن اختصاره في الفكرة التالية‏:‏ سنعيد إليهم نصف إصبع‏,‏ من أجل أن نتمكن من الاحتفاظ باليد
وهو يحلل شخصية شارون في مقالته‏,‏ ذكر بي ميخائيل انه يعتمد علي التقية في تصريحاته‏.(‏ إظهار موقف مغاير لما يبطنه‏)‏ فهو يقول كلاما يحتمل أكثر من معني وله أكثر من دلالة‏,‏ إذ كثيرا مايتشدد في التذكير بالتزامه بخريطة الطريق‏,‏ التي أطلقها الرئيس عليها شارون‏14‏ تحفظا‏),‏ ولكن من بين السطور‏,‏ ومن خلال السطور ذاتها أحيانا‏,‏ يظهر بجلاء فهمه لهذه الخريطة‏.‏ إذ هي عند شارون خريطة ملتوية لاتفضي إلي أي مكان‏,‏ بل إلي حائط سميك يسد
وهو يختم مقالته قال المفكر الإسرائيلي‏:‏ ان المرحلة القادمة ستكشف عن حقيقة الطريقة الاحبولية لشارون‏,‏ فلا تسوية‏,‏ ولا سلام‏,‏ ولامحادثات‏,‏ بل فقط رخصة طويلة الأمد للاستمرار في سلب الاراضي والحقوق الفلسطينية‏,‏ انها خدعة شارون
لكي نستكمل الصورة كما يراها بعض المحللين الإسرائيليين‏,‏ فانني أضع هذه الشهادات بين أيدي الجميع‏*‏ في‏2/3‏ الحالي‏,‏ نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت مقالة كتبها أحد كبار معلقيها‏,‏ سيفر بلوتسكر قال فيها ان مشاركة شارون في القمة الرباعية تعد انتصارا عظيما له وهو من كان العالم العربي يعتبره حتي وقت قريب كبيرا للقتلة ومصاصي دماء الفلسطينيين‏,‏ ومن ثمي من أي حوار‏,‏ وأرجع الرجل ـ الذي لايحسب علي مؤيدي رئيس الوزراء الاسرائيلي ـ مشاركة شارون في القمة الرباعية ـ إلي ثباته علي سياسته وعناده واصراره علي التمسك بقناعاته‏,‏ واستشهد في ذلك بحزمه إزاء ياسر عرفات نفسه‏,‏ وكيف أن ذلك اثمر ثمارا ايجابية لصالئيل‏.
تحدث بلوتسكر عن ظهور شارون مع ثلاثة من القادة العرب في الصور ـ في أثناء مشاركته في مؤتمر شرم الشيخ ـ وكيف ان تلك اللقطات الاحتفالية‏,‏ ستحل في اذهان الرأي العام محل صور النار والقتل والتصفيات والتجريف‏,‏ التي ظلت مستقرة في الأذهان طيلة سنوات الانتفاضة بع الأخيرة‏,‏ وأعتبر ذلك تحولا جوهريا له دلالته التاريخية العميقة
‏*‏ هذا المعني ذاته‏,‏ ذكره بن كاسبيت كبير المعلقين في صحيفة معاريف في مقالة نشرها يوم‏2/2,‏ اعتبر فيها ان دعوة شارون إلي شرم الشيخ‏,‏ تمثل انتصارا كبيرا لشخصه
‏*‏ عميرة هاس‏,‏ التي تنتمي إلي مدرسة ما بعد الصهيونية‏,‏ نشرت لها صحيفة ها آرتس في‏2/2‏ مقالة انتقدت فيها بشكل لاذع أولئك الذين تفاءلوا بانعقاد مؤتمر شرم الشيخ‏,‏ واستهجنت فكرة احسان الظن بشارون‏,‏ مستغربة كيف يمكن لكثيرين ان يستسلموا للتضليل ‏,‏ بحيث تنصرف أنظارهم عما يرتكبه الرجل من جرائم‏,‏ وهو في طريقه إلي شرم الشيخ‏,‏ وقالت إنه لا بأس أن يكون الانسان متفائلا‏,‏ ولكن المشكلة تبرز حين يكون التفاؤل سببا في التخدير والخداع والبلبلة‏,‏ وعندما يكتفي المتفائلون بتبادل الاحاديث والامنيا‏ في حين لايهتمون ولايرون ماتفعله الجرافات علي الارض‏,‏ تمهيدا لاقامة المستوطنات عليه
‏*‏ في‏2/3‏ نشرت صحيفة ها آرتس تقريرا لحركة السلام الآن جاء مؤيدا لوجهة نظر عميرة هاس‏,‏ حيث ذكر انه خلال العام المنصرم الذي ظل فيه شارون يروج لمشروعه الخاص بفك الارتباط والخروج من غزة‏,‏ تم بناء‏27‏ موقعا استيطانيا جديدا‏,‏ وتم تكثيف البناء فيطنة في أرجاء الضفة الغربية‏.
‏(2)هذه خلفية تفيدنا في تصور سقف التوقعات والآمال التي يمكن أن تعلق علي شارون في مؤتمر شرم الشيخ‏,‏ وفي الوقت ذاته فإنها تسلط أضواء كافية علي صورة شارون الجديد التي يحاول البعض تسويقها في ثنايا الخطاب السياسي والاعلامي‏,‏ غير ان ثمة خلفيات أخري في تحليل ال‏,‏ جديرة بالاستدعاء في اللحظة الراهنة هي
‏*‏ ان انتخابات البلديات التي جرت منذ اسبوعين في غزة ورفح وبيت حانون بعثت برسالة إلي الجميع‏,‏ لم تستقبل بما تستحقه من اهتمام‏,‏ ذلك ان تلك الانتخابات التي جرت في‏10‏ بلديات فازت فيها حركة حماس بسبع بلديات‏,‏ الأمر الذي يعني ان شعب القطاع الذي تعاشهر الاخيرة لاجتياحات مستمرة وعمليات قصف واغتيال وهدم للبيوت وقطع للأرزاق‏,‏ انحاز إلي خيار المقاومة في نهاية المطاف‏,‏ وينبغي ان تقرأ هذه النتيجة في ضوء مقاطعة حركة الجهاد الاسلامي لها‏,‏ لان الحركة لو شاركت بقواعدها لفازت المقاومة بكل مقاعد البلوليس بسبع منها فقط‏,‏ الملاحظة الأخري المهمة أن بيت حانون التي تعرضت بدورها للاجتياح والتجريف‏,‏ وكان حظها في ذلك أكبر من حظوظ غيرها‏,‏ بدورها صوتت لصالح المقاومة‏,‏ وأهمية هذه النتيجة انها ترد بشكل عملي علي دعاة التيئيس وال
‏*‏ ان قطار السلام الذي يتحدث البعض عن تحريكه واعادة اطلاقه‏,‏ كان الرئيس الراحل ياسر عرفات من بين ركاب الدرجة الاولي فيه‏,‏ بله كان بين الذين قادوه‏,‏ حيث يجب ألا ينسي أنه من بين موقعي اتفاق أوسلو عام‏93,‏ ومابرح يترحم علي رئيس الوزراء الاسرائيلسحاق رابين‏,‏ الذي دأب علي وصفه بانه شريكي في السلام‏,‏ لكن الرجل حين رفض أن يسلم بكل ماتريده إسرائيل‏,‏ وأن يفرط في كل الحق الفلسطيني‏,‏ سجن في رام الله لاكثر من ثلاثين شهرا‏,‏ ثم قتلوه بالسم في نهاي
‏*‏ إن شارون لم يأت بجديد علي مبادرته التي أعلن عنها قبل أكثر من عشرة أشهر‏,‏ وأرجو أن يتذكر الجميع أنه وقتذاك قال إن عصر التفاوض انتهي‏,‏ وانه سوف ينسحب من غزة من جانب واحد‏,‏ وحين أثار ذلك بعض العتب لدي الادارة الأمريكية لانه تجاهل خريطة الطريق فان الاتصالات اللاحقة عملت علي احتواء الموقف‏,‏ وتحدثت عن الربط بين مبادرته وبين الخريطة المذكورة‏,‏ وحينئذ جري الحديث عن الانسحاب من بعض مدن الضفة الغربية‏,‏ بالتزامن مع الانسحاب من غزة‏,‏ حتي تبدو الخطوة الأخيرة وكأنها تنفيذ لخريطة الطريق‏,‏ وئل إنه أضاف حكاية الافراج بالتدريج عن‏900‏ من المعتقلين والأسري الفلسطينيين‏,‏ فان هذه المعلومة سرعان ما ثبت فسادها‏,‏ بعدما تبين ان هؤلاء ممن أوشكت محكومياتهم علي الانتهاء‏,‏ وكان يفترض اطلاق سراحهم في كل الأحوال‏,‏ ناهيك عن ان تلك الخطوة لاتح لأن عدد المعتقلين والأسري يتراوح بين‏8‏ و‏10‏ آلاف فلسطي
‏*‏ إن كل الجدل الراهن والشد والجذب في الملف الفلسطيني يدور حول العودة إلي ما كان عليه الوضع في شهر سبتمبر عام ألفين‏,‏ أي قبل انتفاضة الأقصي‏,‏ وهو الوضع الذي نشأ بعد قطع عدة أشواط في تنفيذ استحقاقات اتفاقيات أوسلو‏,‏ وتم بموجبه الاتفاق علي تقسيم المحتلة إلي أ‏.‏ و ب و ج ومن ثم فغاية المراد من كل المباحثات الجارية هو استعادة المنطقة أ لكي تخضع لنفوذ السلطة الفلسطينية‏,‏ وفي تقدير الخبراء فإن انجاز تلك المهمة وحدها سوف يستغرق فترة مابين سنة وسنت
‏*‏ في ضوء ذلك فإن كل ملفات التسوية النهائية المتعلقة بالحدود والسيادة والقدس وعودة اللاجئين مرحلة إلي المستقبل المجهول‏,‏ علما بأن المنطقة ج التي تشمل‏70%‏ من مساحة الضفة الغربية‏,‏ لاتعد في نظر اسرائيل أو المجتمع الدولي منطقة محتلة‏,‏ ولكن يشارالوثائق باعتبارها مناطق متنازعا عليها الأمر الذي يعني ان كل الجهود التي تبذل الآن تريد لها اسرائيل ان تنصب في نهاية المطاف علي‏30%‏ من الضفة الغربية
‏(3)ليس خافيا علي احد ان ثمة ضغوطا قوية تمارس الآن لاغلاق الملف الفلسطيني استثمارا لما يسمي بالفرصة التاريخية التي لاحت بعد التخلص من الرئيس عرفات‏,‏ الولايات المتحدة في مقدمة الضاغطين‏,‏ ليس فقط من جراء الدور الذي يلعبه الجناح الليكودي واسع النفوذ في الادالأمريكية‏,‏ وهذا عنصر لاينبغي التقليل من شأنه‏,‏ ولكن أيضا لان واشنطن تريد تهدئة المنطقة‏,‏ بالتخلص من الصداع الفلسطيني لكي تركز علي مواجهة ورطتها في العراق‏,‏ وأيضا لكي تعد عدتها للتعامل مع إيران‏,‏ ولاسبيل إلي تفرغها لهذين الأمرين إلا بتحقيق أكن للموضوع الفلسطيني‏.
شارون أيضا يواجه ضغوطا متعددة المصادر في ذات الاتجاه‏,‏ ذلك أنه ـ بعد ان ركب أعلي خيله كما يقال ـ لم يستطع ان يقضي علي الانتفاضة برغم مضي اكثر من أربع سنوات علي اطلاقها‏,‏ وبرغم كل ما فعله بالفلسطينيين من تنكيل وافتراس فإنه لم يجد مفرا في نهاية المطاف حاولة الاحتماء وراء السور والاقدام علي اعلان الانسحاب من غزة من طرف واحد‏,‏ ولايستطيع احد ان يجادل في ان المقاومة الفلسطينية سببت وجعا للمجتمع الاسرائيلي الذي يعيش شعور الطواريء منذ عام ألفين‏,‏ وإذا كانت المقاومة قد أوقفت عملياتها بقرار من جانبها‏,‏إسرائيل لحسابات معينة قدرتها‏,‏ فإن الذي أوقفها بوسعه ان يستأنفها‏,‏ فضلا عن ان المقاومة مازالت مستمرة في الاراضي المحتلة واذا كانت فصائلها قد تجاوبت مع رسالة التهدئة التي أراد توجيهها الرئيس الفلسطيني‏(‏ أبومازن‏)‏ فان تلك التهدئة تظل مؤقتة ومعلقةط معينة‏.
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مضغوط عليه بدوره‏,‏ وهو من دعا في البداية إلي وقف ما أسماه عسكرة الانتفاضة لكن الأمر اختلف معه حينما تسلم السلطة‏,‏ فقد طالبه الاسرائيليون والأمريكيون والاوروبيون‏,‏ وربما بعض العرب ـ بتطبيق شعاره‏,‏ لكن الشعب الفلمنحاز إلي المقاومة‏,‏ والذي دفع الكثير طيلة نصف القرن الأخير‏,‏ كان يضغط بدوره مطالبا باستحقاقاته‏,‏ ومتطلعا إلي الوفاء ببعضها علي الاقل‏,‏ ومحذرا من التفريط أو الدفع دون
في الأسبوع الماضي‏,‏ حينما كان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس‏,‏ والدكتور رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد في زيارة للقاهرة ـ في اطار التشاور مع المسئولين المصريين ـ ناقشت معهماالظروف التي تضغط علي الاطراف المختلفة وتضطرها إلي التعجل في مح إغلاق الملف الفلسطيني‏,‏ وكان رأي الاثنين ان الضغوط تمارس ايضا علي فصائل المقاومة بدورها وهي مستعدة للتهدئة اذا تمت علي الجانبين واقترنت بالافراج عن الأسري والمعتقلين جميعا‏,‏ لكن ليس هناك مايضطرها إلي الهرولة واللحاق بأي تحرك مهما كانت وجهته أو ثمنأن أكثر مايهمها هو الشعب الفلسطيني وتضحياته وصموده‏,‏ وذلك اعتبار يتقدم عندها علي الحسابات الاقليمية والدولية التي تضغط علي الآخرين‏,‏ وخيار المقاومة الذي انحاز إليه‏,‏ الشعب الفلسطيني تاريخيا‏,‏ وفي انتخابات البلديات مؤخرا بوجه أخص‏,‏ يرفع عنهمارة‏,‏ ويجعل المقاومة في غير عجلة من أمرها إذا لم تستوف التهدئة شروطها‏,‏ يدفعها إلي ذلك ان قطارها الذي تركبه ـ في لغة التفاوض ـ له قضبان أخري‏,‏ وسرعة مغايرة لأن له قبلة مخ
‏*‏ ملحوظة‏:‏ كنت قد وعدت الأسبوع الماضي بأن أواصل اليوم حديثا عن ايران الداخل‏,‏ كما رأيتها في زيارتي الأخيرة لطهران ولكن تطورات الأحداث فرضت تأجيل ذلك الحديث إلي الاسبوع المقبل بإذن ا


نقلا عن الاهرام
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 13-مايو-2024 الساعة: 09:48 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/19094.htm