بقلم-د. محمود حمدي زقزوق -
الإسلام حضارة..احترام النظام والقانون
النظام نقيض الفوضى والاضطراب والعشوائية والارتجال، وإذا انعدم النظام وسادت الفوضى في مجتمع من المجتمعات اختل كل شيء فيه ولم تعد هناك حدود واضحة بين الحقوق والواجبات، ولا بين ما يجوز وما لا يجوز.
ولا يمكن أن يتصور المرء حضارة من الحضارات من دون نظام يحدد الإطار العام الذي يجوز لكل فرد في المجتمع أن يمارس فيه حياته وحريته دون إضرار بالآخرين، فالإنسان كائن اجتماعي يعيش مع الآخرين وبالآخرين.
ومن أجل ذلك شرعت القوانين المنظمة للحقوق والواجبات في المجتمعات البشرية لتشكل مع القواعد الأخلاقية الفطرية والقيم الدينية صمام الأمان والاستقرار في المجتمع.
والهدف من ذلك كله هو مصلحة الناس ومساعدتهم على التعاون فيما بينهم من اجل خير مجتمعهم وتقدمه وازدهاره.
وقد عني الإسلام عناية فائقة بهذا الجانب المهم المنظم للحياة الإنسانية من منطلق انه دين للحياة بأبعادها المختلفة، ومن هنا جاء بأحكام وتشريعات منظمة لحياة الإنسان في صلته بالله أولا ثم في صلته بسائر أفراد البشر في مختلف شؤونهم، وذلك حتى لا يترك الناس للأهواء والمصالح الذاتية تتحكم فيهم وتسيطر على تصرفاتهم وسلوكهم مما يهدد كيان المجتمع وأمنه واستقراره.
ومن هنا حرص الإسلام كل الحرص على أن يغرس في نفوس المسلمين حب النظام ويدربهم عليه حتى يصير سلوكا يوميا لهم، وان نظرة متأنية إلى بعض العبادات في الإسلام نجدها ترسم لنا صورة مثلى في النظام، فالصلاة على سبيل المثال لها أوقات محدودة لأدائها ومعروفة بكل دقة، ولها نظام مخصوص لا يجوز الخروج عنه أو الزيادة أو النقصان فيه، وإذا وقف الإمام في محرابه ليؤم الناس في الصلاة سمعناه يقول: “سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج”، وهذا النظام المحكم في الصلاة وقوفا وركوعا وسجودا وجلوسا.. إلخ خمس مرات يوميا هو درس في الانضباط في الحياة وكذلك الشأن في بقية العبادات.
وكما يكون الانضباط والنظام في العبادات المعروفة، يكون في ميدان الجهاد، وقد رأينا ما حدث للمسلمين في غزوة احد عندما لم يلتزم الرماة بأماكنهم التي حددها لهم النبي صلى الله عليه وسلم القائد، وظنوا أن المعركة قد حسمت بالنصر للمسلمين، فتركوا أماكنهم وانهمكوا في جمع الغنائم، وعندئذ استغل الأعداء الفرصة وطوقوا المسلمين وانتهت المعركة بهزيمة جيش المسلمين، وكان ذلك أيضا درسا بليغا في ضرورة التقيد بالنظام وعدم الخروج عنه، لأن الخلل في احد الجوانب من شأنه أن يؤدي إلى حدوث خلل في الجوانب الأخرى.
وقد شملت النظم والتشريعات الإسلامية جميع جوانب الحياة: في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والأخلاق وغيرها، وليس من غرضنا هنا أن نفصل القول في ذلك كله فهذا له مجال آخر.
ولكن الأمر الذي نريد أن نؤكد عليه في هذا الصدد هو أن الإسلام لم يجعل من هذه النظم كما قد يتبادر إلى الأذهان قيدا على حرية الإنسان في تطوير الحياة وتجديدها، فالإسلام في الوقت الذي وضع فيه أحكاما في أمور لا تستقل العقول بإدراكها ولا تختلف باختلاف الزمان أو المكان أو الأشخاص.. فوض العقل الإنساني في الوقت نفسه فيما وراء ذلك، وأتاح له فرصة الاجتهاد في تقرير ما تقضي به المصلحة في حدود وأصول الإسلام وثوابته.
وبذلك حفظ للعقل الإنساني كرامته، وصانه في الوقت نفسه من الاضطراب والفوضى، فالأمر يدور إذن حول الثوابت والمتغيرات، فالثوابت ليست محلا للاجتهاد أو إعادة النظر أو التغيير والتبديل، أما المتغيرات فإنها ميدان فسيح لنظر العقل واجتهاده وصولا إلى ما فيه مصلحة المجتمع.
ولكن التدهور الحضاري الذي أصاب الأمة الإسلامية منذ فترة طويلة كان له بطبيعة الحال تأثيره الضار على حياة الإنسان في المجتمع الإسلامي، وقد تمثل ذلك في تخلخل التزام المسلمين بالقيم الحضارية ومن بينها قيمة النظام التي تكاد تكون قد اختفت من حياتهم وقد أدى ذلك إلى أن أصبحت حياة كثير من المسلمين خليطا عجيبا من الفوضى على المستويات الفكرية والدينية والعلمية والحياتية.
إن النظام هو الحياة الصحيحة بكل ما تعنيه من تخطيط سليم وتحضر ورقي في الفكر وفي السلوك، أما الفوضى فإنها تعني التخلف والانفلات من كل القيم والنظم وهذا أمر مضاد لكل تعاليم الإسلام ولكل القيم الحضارية المعتبرة.
نقلاً عن صحيفة الخليج
تمت طباعة الخبر في: السبت, 27-أبريل-2024 الساعة: 03:30 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/20124.htm