في ذكرى المولد النبوي الشريف

المؤتمر نت -
محمد رسول الرحمة حتى مع أعدائه
ألم تر كيف تنبسط رحمة الله من خلال بذرة صغيرة تزرع؛ فإذا بها دوحة وارفة الظلال كثيرة الثمار تمنح الناس بركاتها؟وهل رأيت كيف ان الفجر يبدأ خيطا رفيعا في الأفق؛ فلا يزال يتماوج ويتنامى ويتسع حتى يتنفس عن صبح بهيج؟
وهل رأيت كيف ان الله تبارك اسمه قد خزن نوره وأودعه في الشمس، فأصبحت لاهبة تضيء المنظومة فينتشر الدفء والحياة.. كذلك سنة الله في العالمين. فرحمة الله تبدأ من نقطة مركزية ثم تنتشر وتتنامى حتى تصل إلى حيث يعجز الخيال البشري عن تصوره.. وكذلك خلق الله سبحانه وتعالى جميع الكائنات.
نقطة الباء
ولو اننا ركبنا سفينة فضائية تنطلق بسرعة الضوء، وطال سفرنا مليارات السنين الضوئية، لما وصلنا إلى نهاية الكون التي لا يعرف احد أين هي وما هي.. ونعرف أيضا ان الله سبحانه وتعالى قال: “والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون”، (الذاريات/ 47) وهذا التوسع تغيب عنه قدرة التصور وأرقام “الكمبيوترات”.. نظرا إلى ان أقل التقديرات تشير إلى وجود خمسمائة مليار مجرة، ولا تعني المنظومة الشمسية سوى ذرة صغيرة في هذا المحيط المتلاطم.
لقد وقفنا جميعا متطلعين الى المعرفة لعلنا نغترف غرفة من الحقيقة، إلا أن الأكف قد ارتدت إزاء حقيقة الكائنات من حولنا، بل بإزاء حقيقة من أنا ومن أنت؟ وحقيقة السماء والأرض، وطبيعة وسر العلاقة بين الكائنات وبين ربها.. قبل ان نلمس ببركة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصيصاً من نور وومضة من ضياء وموجة من الحقيقة، وذلك حينما تجلت لدينا نقطة؛ هي المبدأ في كتاب ربنا سبحانه وتعالى، وأعني بها نقطة الباء من البسملة الشريفة..
إنها نقطة باء (بسم الله الرحمن الرحيم) التي تربط بين الحادث والقديم، أي بين الذي كان عدما وبين الأزلي.. فالله عز وجل قد سبق وجوده العدم.


الرحمة الإلهية

لقد خلق الله سبحانه وتعالى الكائنات بالرحمة، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ولم يقل: بسم الله المنتقم الجبار، رغم ان هذه الأسماء كلها أسماء حسنى وشريفة، ولكن الاسم الذي ابتدأ به الله خلقه هو اسم الرحمة الربانية التي وسعت كل شيء، فكانت الشمس تجري لمستقر لها برحمة الله، وكانت الريح تنشر السحب فيحيي الله الأرض بعد موتها برحمة الله، وها نحن الأحياء نعيش ونتنفس برحمة الله.. .
أما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد خاطبه الله سبحانه وتعالى بالقول الكريم: (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) وكان هو قال عن نفسه الشريفة: (إنما أنا رحمة مهداة) ودليل هذه الرحمة ان المرء يزداد حبا وتعلقا بنبيه وبكتاب ربه كلما ازداد معرفة بهما، حتى لا يفتأ يطلب الرحمة والقرب من النبي صلى الله عليه وآله، لأنه عرف ان رحمة الله لا تحدها الحدود، ولأن نبيه هو نبي الرحمة.و حينما تتعرف على عدم محدودية الرحمة الإلهية، وعلى ان الله قد خلق خلقه ليرحمهم، فلابد ان تسعى سعيك وتبذل كل جهدك لأن تعيش في بحبوحة الأمل واذا ما أذنبت ذنبا ما فليس لك ان تقنط من رحمة الله، بل عليك ان تجر نفسك إلى جادة الأمل عبر التوبة والدعاء، لأن الله تبارك وتعالى يحب التوابين، كما يحب المتطهرين من الذنوب، ويحب ان يرى عبده داعيا إياه راجيا ثوابه..
فلتطلب من الله كل شيء، وكن في طلبك إلى الله متطلعا إلى المزيد، لأن ذلك يمثل إيمانا منك بأن الله هو الرب الذي لا تنقصه كثرة العطاء.. فهذا أفق واسع من آفاق الرحمة. ثم لتتعلم من ربك ولتتخلق بأخلاقه.. فترحم نفسك وجسمك ان يمسهما عذاب جهنم، ما يعني لزوم طرد الأحقاد والضغائن والعصبيات، حيث تجتهد في كسب الفضائل والكمالات الروحية والأخلاقية.

الناس إثنان

ثم ان هذه الرحمة من طبيعتها ان تأخذ بعدا آخر، وهو الرحمة بجميع الناس، وقد قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه: (الناس اثنان؛ إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). وقد امتنع النبي صلى الله عليه وآله عن قطع مجرى الماء عن حصون خيبر، وهو كان بأمس الحاجة إلى تعجيل القضاء على اليهود الممتنعين عليه في تلك الحصون، اليهود الذين نقضوا كل عهودهم التي أبرموها مع المسلمين، وراحوا يتعاونون مع مشركي قريش.. لأن رحمة النبي والقرآن كانت تمنعه من اتخاذ هذا الأسلوب غير الإنساني وغير الرحيم.
هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وآله حينما فتح الله حصون خيبر، وغنم من اليهود ما غنم من كميات هائلة من الذهب، قد أمر بها لتوزع على فقراء مكة، رغم ما فعلته به مكة وكفارها.. حتى قيل ان النبي قد فتح قلوب أهل مكة قبل ان يفتح أرضها.ان المسلمين ولفرط ما أشربت قلوبهم بالرحمة يحرم عليهم استخدام السم حتى في حالة الحرب، علما أنهم تطوروا في مختلف العلوم. إننا حينما ندعو إلى التمسك برحمة الله والدعاء لنيلها، نعرف انها تتجلى دائما وأبدا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وإننا اذ نحتفي بذكرى مولد نبينا ورسولنا الأكرم نعلم مطلق العلم بأنه في نهاية المطاف سيطرد النور ظلام الجاهليات، حيث سينبلج الصباح، وسنجد ان الكرة الأرضية سترفل تحت راية (لا إله الا الله محمد رسول الله) فنحن قد وعدنا بذلك، والذي وعدنا هو الله، وهو أصدق القائلين الذي لا يخلف وعده سبحانه وتعالى.. ولذلك تجدنا مطمئنين في مسيرتنا وحركتنا، ومتمسكين بطريقتنا.. لا نخدع ولا نركع ولا نخضع ولا نستسلم.



من معجزات النبي
إن معجزات كثيرة حصلت لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في حال حياته (قيل بين الألف والثلاثة آلاف)، وأعظم المعجزات معجزة القرآن الكريم، المعجز المبين وحبل الله المتين الذي وصفه ربنا تبارك وتعالى بقوله: “وَإِنهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ منْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ” سورة فصلت 41-42 وقد قال الشافعي رضي الله عنه: “ما أعطى الله نبيًا معجزة إلا وأعطى محمدًا مثلها أو أعظم منها”. فقيل للشافعي أعطى الله عيسى إحياء الموتى، فقال رضي الله عنه: “أعطي محمد حنين الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك”.
فقد جاء عن جابر بن عبد الله “ان امرأة من الأنصار قالت يا رسول الله ألا أجعل لك منبرًا تقعد عليه فإن لي غلاما نجارًا؟ قال: إن شئت قال: فعملت له منبرًا فلما كان يوم الجمعة قعد على المنبر الذي صنع له، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت تنشق، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذها، فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يُسكت، حتى استقرت” فبكى الحسن وقال يا معشر المسلمين، الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه، أفليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه.
وكان صلى الله عليه وسلم مضطجعاً يوما تحت شجرة فجاء إليه أعرابي مشرك يريد قتله فقام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهرا سيفه وقال يا محمد من يمنعك مني اليوم؟ فقال محمد النبي العربي بقلب ثابت: “الله عز وجل” فجاء جبريل ودفع المشرك في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام على رأسه فقال من يمنعك مني؟ فقال: “لا أحد. أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. ومن معجزاته أنّه كان صلى الله عليه وسلم يوم الخندق والصحابة الكرام يحفرون الخندق فعرضت لهم صخرة كبيرة فأخبروا بذلك قائدهم محمدًا فجاء صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول فسمى ثلاثًا ثم ضرب الصخرة فنزلت رملاً سائلاً. ومن معجزاته صلوات ربي وسلامه عليه أنه أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا غلام من أنا فأنطق الله تعالى الغلام فقال أنت رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله فيك” فكان هذا الغلام يسمى مبارك اليمامة.
ومن معجزاته أنّه كان صلى الله عليه وسلم يرى أصحابه وهم وراء ظهره فعن أنس بن مالك قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ أقيمت الصلاة، فقال: “أيها الناس إني أمامكم فلا تسبقوني في الركوع ولا في السجود ولا ترفعوا رؤوسكم فإني أراكم من أمامي ومن خلفي” الحديث. وها هو صلى الله عليه وسلم في يوم حنين يهزم الكفار بحصيات رماهم بها كما روى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم قال :”ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب محمد”.
الخليج- أحمد حلمي سيف النصر

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 25-أبريل-2024 الساعة: 11:11 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/21032.htm