المؤتمر نت - ميّز التزام الدستور واحترام نصوصه الحدث المهم الذي شهدته اليمن أخيراً والذي بلغ ذروته بنزول مئات الآلاف الى الشارع لمطالبة علي عبدالله صالح بترشيح نفسه
بقلم / خيرالله خيرالله - نقلاً عن المستقبل اللبنانية -
ما الذي حصل في اليمن؟
لعلّ أهمّ ما في قبول الرئيس علي عبدالله صالح العودة عن رفضه ترشيح نفسه، حقيقة واضحة. تتمثل هذه الحقيقة في أن الرئيس اليمني الذي سعى الى التخلي عن موقعه تأكيداً لرغبته في تكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة، التزم نص الدستور. كان من حقّ علي عبدالله صالح ترشيح نفسه لولاية جديدة أخيرة مدتها سبع سنوات. لكنّه أراد التخلّي عن هذا الحق لأسباب تتعلّق أساساً بتركيبته الشخصية التي دفعته باستمرار في اتجاه أن يكون حاكماً مختلفاً من جهة ورغبته في وضع اليمنيين أمام مسؤولياتهم من جهة أخرى.
ميّز التزام الدستور واحترام نصوصه الحدث المهم الذي شهدته اليمن أخيراً والذي بلغ ذروته بنزول مئات الآلاف الى الشارع لمطالبة علي عبدالله صالح بترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقرر أن تجري في أيلول المقبل. وبالنسبة الى اي شخص ينظر الى الأحداث اليمنية من خارج، ساد اعتقاد بأن رفض الرئيس ترشيح نفسه مجرّد مناورة سياسية، الى أن تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً الى حدّ كبير بعدما عقد الحزب الحاكم، أي المؤتمر الشعبي العام، مؤتمراً استثنائياً أكّد فيه تمسكه بترشيح علي عبدالله صالح وأن لا مرشّح آخر لديه. وواجه الرئيس اليمني المؤتمر بالإصرار على موقفه، لكنّ نزول المواطنين الى الشارع، حسم الأمور نهائياً واضطر الرئيس اليمني الى إعادة النظر في موقفه.
كان لا بدّ من النزول الى الشارع في صنعاء ومشاهدة مئات الآلاف من الذين تظاهروا فيها وفي المدن اليمنية الأخرى تأييداً لعلي عبدالله صالح للتأكد من أن المواطنين اليمنيين أرادوا التعبير عن شعور حقيقي وصادق تجاه رئيس الدولة. وكان لا بدّ من التحدث الى مواطنين عاديين في صنعاء والاختلاط بهم لمعرفة أن مشاعرهم لم تكن من النوع المصطنع أو المزيّف. على العكس من ذلك، كان هناك قلق حقيقي من احتمال تمسّك الرئيس بموقفه، ذلك أن علي عبدالله صالح يمثّل لمعظم اليمنيين الرئيس الذي لا يتخّذ قرارات تحت الانفعال. أثبت ذلك منذ اليوم الأوّل لتوليه السلطة صيف العام 1978 في ما كان يسمى الشطر الشمالي من اليمن (الجمهورية العربية اليمنية). فقد كان هناك ألف سبب وسبب للدخول في مواجهة شاملة مع الشطر الجنوبي خصوصاً في العام 1979 حين حصلت اشتباكات واسعة عند ما كان يسمّى "الأطراف" أي خط الحدود بين شطري اليمن. انتظر علي عبدالله صالح طويلاً وعمل في كلّ مرة على ضبط الأوضاع، على الرغم من أنّه كان في الجنوب عددٌ لا بأس به من المغامرين الذين كانوا يعتقدون أنّ الشمال لقمة سائغة وأن من السهل ابتلاعه وضمّه الى الجنوب. وأثمر انتظار علي عبدالله صالح، ذلك أن الذي حصل مع مرور الوقت أنّ النظام في الجنوب انهار. حدث الانهيار الحقيقي في الثالث عشر من كانون الثاني ـ 1986 عندما انقسم الحزب الاشتراكي على نفسه وحسم "الرفاق" خلافاتهم معتمدين على السلاح ولا شيء غير السلاح. كان سهلاً على علي عبدالله صالح التدخل في الجنوب وقتذاك بحجة أنه يعمل على وقف حرب أهلية يتواجه فيها يمنيون. كانت لديه حجّة أنّه يسعى الى وقف إراقة الدماء اليمنية، لكنّه اعتمد الحكمة بدل التسرع وما لبث أن جاء اليوم الذي تحققت فيه الوحدة اليمنية من دون أراقة نقطة دم واحدة.
في 22 أيّار من العام 1990، انهار النظام هذه المرّة نهائياً في الجنوب، وكان لا بد لأهل النظام من الهرب الى الوحدة لإنقاذ رؤوسهم وتفادي تجدد الحرب الأهلية. وحتى عندما بلغ التوتر ذروته بين طرفي الوحدة في العام 1994، سعى علي عبدالله صالح الى إبعاد السلاح عن الصراع السياسي على الرغم من كل الإهانات الشخصية التي تعرّض لها. ووقع "وثيقة العهد والاتفاق" في عمان في شباط من العام 1994 من أجل ألاّ تكون هناك مواجهة عسكرية، خصوصاً أنّ الحزب الأشتراكي احتفظ بألوية جيشه كما هي رافضاً دمجها في الجيش اليمني. لم يلجأ علي عبدالله صالح الى الحسم العسكري إلاّ بعدما تأكّد من أن لا خيار آخر أمامه وأن الانفصال سيؤدي الى "صوملة اليمن" في أحسن الأحوال.
يتذكّر اليمنيون هذه المحطات وهي بين محطات كثيرة أظهرت أن اسم علي عبدالله صالح ليس مرادفاً للاستقرار فحسب، بل يعني أيضاً التمسّك بالتجربة الديموقراطية التي استمرت في اليمن بعد سقوط مشروع الانفصال.
في مرحلة تبدو فيها التطورات الإقليمية في غاية التعقيد، فضّل اليمنيون الاستقرار على كلّ ما عداه وصوّتوا لمصلحته وتمسّكوا بعلي عبدالله صالح الذي لم يحاول خرق الدستور من أجل البقاء في السلطة، بل اعتمد على الشرعية الشعبية التي هي فوق كلّ شرعية. المهمّ الآن أن تأخذ المعارضة المبادرة وأن ترشح شخصاً قوياً في مواجهة علي عبدالله صالح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. مثل هذا المرشح القوي سيثبت أن المعارضة على استعداد لممارسة اللعبة الديموقراطية الى أبعد حدود ما دام الرئيس التزم الدستور ولم يعتد عليه كما حصل في أماكن أخرى... أكثر من ذلك، دعا المجتمع الدولي الى إرسال مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات وتحديد ما إذا كانت نزيهة أم لا
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 04:20 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/32301.htm