يوميات رمضانية (8)

المؤتمرنت- خاص- نزار خضير العبادي -
نصوص تراثية نادرة من رحاب السعيدة

بقدر ما نؤكد على غزارة الموروث الشعبي اليمني، بقدر ما يصبح التنوع إحدى السمات المميزة لذلك الموروث الذي رسخ وجوده، وحافظ على كيانه الحضاري من المسخ، أو الإندثار. ومن الواضح أن العمق الحضاري له، جعل منه فلسفة ثقافية متينة، ونفيسة يحرص اليمنيون على تجاذب مفرداتها، وتداول عناصرها الفكرية والأدبية. وعلى هذا الأساس كانت زوامل الوعظ الديني تترجم جانباً مهماً جداً من حياة الفرد، كما يجسده المثال التالي:
*سلام له قولاً ومعنى *** يا ما خلق ما قل يفنى
حتى الجبال السود تفني *** والسماء تنهار
يوم القيامة ما اجتمعنا *** نوقف نحاسب من خلقنا
ومن فاز بالجنة *** ومن خاب دخّلوه النار
وكما وقف الزامل السابق مترجماً لأغراضه الدينية، فإننا على جانب آخر نجده يتناول الحدث التاريخي لحقبة قديمة، ربما لم يتحدث عنها بإسهابٍ الكثير من المؤرخين، كما هو الحال مع زامل قبائل (الشوافي) الذي يعود إلى عام (1256هـ) أيام ثورة الفقيه (سعيد بن صالح بن ياسين الهتار) الذي أعلن ثورته انطلاقاً من قريته (الدنوة) ليقوم بإخضاع عدد كبير من مناطق اليمن الوسطى، حتى وصل بلاد يافع، إلاّ أن ثورته لم يكتب لها النجاح نتيجة لادعاء الفقيه سعيد الهتار بأنه هو (المهدي المنتظر) فانقلبت عليه القبائل، ولقي مصرعه في مسقط رأسه (الدنوة)، وما زال هناك مسجد يحمل اسمه في تلك المنطقة من لواء إب، والزامل الذي قيل فيه هو:
*ياباه سعيد ياباه *** كل القُبُل جابهْ
أسلمتنا المحنةْ *** والعسكر الزُّوَبهْ
ياَباهْ سعيدْ ياباهْ
وهناك زامل آخر يعود تاريخه إلى عام (1629م) وهو للشيخ (البكري)- من بلاد يافع- إذْ كان يفاخر بالانتصارات التي حققها رجاله في حربها المناهضة للنفوذ الإمامي، بعد أن أمست (ذمار) عاصمة لدولة الأئمة.
*تعز َخذْناها وأخذنا قعطبةْ *** وإب والراحةْ ونجد الجاحْ
ويوم أخذناها وأخذنا مابها *** وانتم بها أمسى السمر فيها متاح
إن الفن الزواملي رافق الحياة الإنسانية اليمنية إلى مختلف ميادينها وحقبها التاريخية، حتى صار جزءً متصلاً بمفرداتها، وتقليداً لمعظم فعالياتها وأنشطتها اليومية، وربما تحول إلى لغة خطاب سياسي في بعض المراحل التاريخية اليمنية.
ولا أظن أنَّ في الأمر غرابة حين نجد الزامل يوثق صفحات من الصراع الثوري والنضال السياسي الذي حمله الوطنيون من أجل تحرير يمنهم الحبيب من قبضة الأنظمة "الثيوقراطية" التي حكمت اليمن بعد انتهاء الاحتلال العثماني عام 1918م.
فعندما فكر الوطنيون بالتخلص من الإمام يحيى بن حميد الدين- وولي العهد أحمد في ضربة واحدة بنفس اليوم، كانوا يتوقعون نجاح العملية ضد ولي العهد (أحمد) كونه في (تعز) وفشل عملية صنعاء ضد الإمام يحيى، لكونها مقر الحكم الرئيسي الذي تشدد فيه الحراسات، لكن الذي حدث كان العكس تماماً، إذ قُتل الإمام يحيى (1948م) بينما نجا ولي العهد، وحينها قال القردعي هذا الزامل:
*ِهلّي عليّ ياذي العلوم الملمة *** ما لهذا الخبر قد جاني خلافي
أشرقت من حيث ماهي ملمّة *** وأظلمت من حيث ما لجو صافي
أما في محافظة البيضاء ؛ فنجد من الشعراء من يؤرخ لإحدى حملات الإمام على البيضاء التي أراد الإمام اخضاعها لنفوذ دولته، فينشد هذا الزامل:
*يا قلعة البيضاءَ وَاْ حَيْد السنا *** باتخِّبرِشْ كم جا من القبلة زيود
سبعة وسبعين ألف ذي عّديت أنا *** من عسكر الشامي توطي بالحيود
من المؤكد أن الحديث بهذا المحور لا تشبعه الكتب، فكيف الحال بمقال صغير في صحيفة ..! لكن ما نريد قوله هنا هو: أننا بأمس الحاجة إلى تناول مثل هذه النصوص الأدبية الرائعة في أمسياتنا الرمضانية، كي تصبح جزءً من ثقافة أبنائنا وخزينهم التاريخي عن وطنهم، ومن أجل أن نزرع في نفوسهم الاعتزاز بتراثهم الحضاري؛ فيعملوا على حمايته وكتابته والتفاخر به أينما حلّوا. وبالتأكيد إن صدور الآباء والمثقفين مليئة بالنماذج الرائعة من الفن الزواملي اليمني.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 08-مايو-2024 الساعة: 09:30 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/3975.htm