الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 09-يونيو-2024 الساعة: 08:21 ص
ابحث ابحث عن:
أخبار
الثلاثاء, 05-أغسطس-2003
المؤتمر نت - لقد عاش العرب في وطنهم الكبير قروناً - سواء في ظل الازدهار أو في ظل الانكسار - متعاونين يشد بعضهم بعضا في ساعات العسر وفي ساعات اليسر، ولم يحدث أن واجهوا مثل حالات التنافر والقطيعة الراهنة.. ولم تطلع من أوساطهم طوابير من الخونة بهذا القدر وبهذا العدد، ولم يظهر في ساحاتهم - منذ تكلم الوطن العربي اللغة العربية - من يسمي الاحتلال تحرراً والمقاومة للاحتلال جريمة.

المؤتمرنت-بقلم الدكتور عبد العزيز المقالح -
التلوث السياسي..ودور المفكرين الخضر

لقد عاش العرب في وطنهم الكبير قروناً - سواء في ظل الازدهار أو في ظل الانكسار - متعاونين يشد بعضهم بعضا في ساعات العسر وفي ساعات اليسر، ولم يحدث أن واجهوا مثل حالات التنافر والقطيعة الراهنة.. ولم تطلع من أوساطهم طوابير من الخونة بهذا القدر وبهذا العدد، ولم يظهر في ساحاتهم - منذ تكلم الوطن العربي اللغة العربية - من يسمي الاحتلال تحرراً والمقاومة للاحتلال جريمة.



تكثر الأحاديث - في هذه الأيام - عن التلوث المادي الذي يصيب البيئة الطبيعية بالعطال، ويتسبب في الكثير من الكوارث التي لا يمكن الاستهانة بها، كما لا يجوز التقليل من آثارها السلبية و التدميرية على الأرض والإنسان، لكنه من المؤسف أن أحداً لا يكاد يشير من قريب أو بعيد إلى تلوث آخر ربما يكون هو الأخطر على حياة الإنسان وأساليب سلوكه في الحاضر والمستقبل، وأعني به التلوث الناتج عن السياسات اللا أخلاقية التي تسعى - عمداً ومع سبق الإصرار - إلى تشويه روح الإنسان وتدمير أخلاقياته. إن هذا التلوث الأخطر لا يجد - حتى الآن - أدنى مقاومة ولم تتأسس بعد أحزاب «المفكرين الخضر» الذين يتولون مقاومة هذا النوع من التلوث الذي يعمل - ليل نهار - على تجريد الإنسان من أهم قواعد التعامل الأخلاقي مع محيطه القومي والإنساني.
والمثير للقلق، بل وللرعب أن الذين يلوثون البيئة ويفسدون جماليات الأرض بمصانعهم المنتشرة في أنحاء العالم، والتي لم تسلم منها بلدان الفقراء والجياع والمرضى، هم أنفسهم الذين يقومون بإفساد وعي الناس وينشرون التلوث السياسي ويعملون على ترويج سياسة الكذب والخداع والتضليل ولا يكفون عن تأجيج النزاعات وتعميق الأحقاد بين الشعوب ووضعها في حالات صراع لا تنتهي.
ومن المؤكد أن ما يشهده الوطن العربي من خلافات ظاهرة ومستترة، ومن صراعات طائفية ومذهبية وعرقية ما هو إلا بعض تجليات هذا التلوث البشع الذي ألقى بالمواطن العربي في دوامة من الأحداث، لم تكن في حسبان المجانين فضلاً عن العقلاء، وليس هناك في الوطن العربي من يماري أو ينكر أن هذا التلوث المستورد وراء المآسي والمحن التي تؤرق وجدان الأمة وترهق ضميرها وتشتت صفوف أبنائها.
لقد عاش العرب في وطنهم الكبير قروناً - سواء في ظل الازدهار أو في ظل الانكسار - متعاونين يشد بعضهم بعضا في ساعات العسر وفي ساعات اليسر، ولم يحدث أن واجهوا مثل حالات التنافر والقطيعة الراهنة.. ولم تطلع من أوساطهم طوابير من الخونة بهذا القدر وبهذا العدد، ولم يظهر في ساحاتهم - منذ تكلم الوطن العربي اللغة العربية - من يسمي الاحتلال تحرراً والمقاومة للاحتلال جريمة.
وستكون ضرباً من العبث تلك المحاولات الهادفة إلى القضاء على التلوث الخارجي تلوث البيئة ما لم ترتبط بمحاولات جادة في مقاومة التلوث السياسي المنافي لأخلاقيات السياسة بوصفها عملاً راقياً يقوم على التعامل الموضوعي في القضايا العامة داخلياً وخارجياً، وبعيداً عن كل المؤثرات الشخصية والمواقف القائمة على المخاتلة والتزوير وبيع الأوهام والمتاجرة بالقيم وتقويض كل معنى للكرامة الإنسانية.
لقد نجح تلوث البيئة في إفساد الطبيعة الجميلة وأدى إلى قتل بعض الأنهار والأشجار والى اختفاء بعض المخلوقات البديعة، واستطاع في بعض البلدان أن يحجب الرؤية البصرية، لكن التلوث السياسي نجح في قتل الإنسان نفسه وفي حجب الرؤية الأهم نحو الحاضر والمستقبل.
كما نجحت السياسات الفاسدة في أن تطلق دخاناً كثيفاً على المعاني والألفاظ فتتحول الأمانة إلى خيانة، والعبودية إلى حرية، وتمكن هذا التلوث الخانق من الإساءة إلى الإنسان والى أشكال المعرفة التي واكبت تطوره بتحويلها إلى وسيلة تدمير وقهر والى صنع طبقة سميكة من المعلومات المضللة التي تغطي الضمير الإنساني فلا يعود قادراً على التفريق بين الصديق والعدو، بين القاتل والقتيل، وبدت الصورة مقلوبة والألوان متضاربة، واللغات مبهمة، وفي مناخ هذا التلوث ارتفع مستوى البلاهة والبلادة وارتقت مكانة كل من يمتلك طاقة أكبر من الحقد والفظاظة.
ومن هنا فإنه دور عسير ذلك الذي سيناط بالمفكرين الخضر هؤلاء الذين يؤرقهم واقع البيئة الفكرية والسياسية ويحزنهم ما أصاب العقل البشري من انتكاسة في الأخلاق وما يرتكبه نوع من الساسة الذين أفسدوا واقع الحياة الإنسانية بمضاعفتهم جرائم الحروب والإبادة وإصرارهم على حكم العالم حتى بعد أن يتحول إلى جثة هامدة لا حراك فيها ولا حياة، ولا حرية ولا عدل ولا ابتكار.

نقلا عن يوميات الثورة العدد(14146) الثلاثاء5/8/2003م




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر