الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الخميس, 16-مايو-2024 الساعة: 04:52 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الجمعة, 05-أكتوبر-2007
المؤتمر نت -    ا.د/ جهاد عودة -
نحــو تطـوير النظــام الرئاسـي
لابد من التنويه في مقدمة هذا المقال‏,‏ أولا‏:‏ أن النمط الدستوري للنظام الرئاسي يأتي في أشكال مختلفة‏.‏ فكل من الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ وفرنسا‏,‏ وروسيا‏,‏ والبرازيل‏,‏ وشيلي‏,‏ وإندونيسيا‏,‏ وغيرها كلها نظم رئاسية‏,‏ ولكنها مختلفة من حيث القواعد المنظمة لعلاقة سلطات الدولة مع بعضها البعض‏,‏ ثانيا‏:‏ إن تطور النمط الدستوري لنظام الحكم لا يعكس في المقام الأول تفضيلات ثقافية‏,‏ ولكن اعتبارات مرتبطة بتفاعلات ونمط العلاقة بين الدولة والمجتمع‏.‏ وإنه يمكن التحول من شكل رئاسي ما إلي شكل آخر‏,‏ طالما أن محددات العلاقة بين الدولة والمجتمع مازالت في الأغلب الأعم كما هي مستمرة عبر الزمن‏.‏
في البدء كان الإعلان عن تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤ تمر المصري للإصلاح السياسي والدستوري‏1999‏ مؤشرا حادا علي أن هناك تغيرا يلوح في الأفق متعلقا بالفكرة القانونية السائدة لدي أفراد من المجتمع السياسي المصري‏,‏ تتجه نحو تفضيل ثقافي للنمط الدستوري للنظام البرلماني‏.‏ وأخذ هذا الاتجاه مسعاه الجاد بتوقيع نحو ما يربو علي‏150‏ شخصية حزبية قيادية وعامة من الاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة‏,‏ علي نداء يطلب التحول من النظام الجمهوري الرئاسي إلي النظام الجمهوري البرلماني‏.‏ ومنذ ذلك الوقت أخذت الدعوة تنمو‏,‏ ولكن من غير قوي وأفكار مجادلة ومناقضة لها‏.‏ حيث إنه من الجدل الفكري لهذه القضية ونقيضها تبرز الحقيقة التي ربما تكون هي الحفاظ علي النظام الرئاسي‏,‏ ولكن مع تغير قواعد التفاعل المؤسسي والعلاقة بين السلطات داخله‏.‏
يجب الفصل أولا بين قضيتين‏,‏ الأولي‏:‏ قضية الحريات والانتخابات‏,‏ والثانية‏:‏ هي شكل نظام الحكم‏.‏ والخلط بين القضيتين خطأ منهجي‏,‏ يقود إلي فساد الاستدلال العقلي ويضع الحياة السياسية علي مشارف الفوضي‏.‏
وبالنسبة لشكل نظام الحكم‏,‏ فالخبرة التاريخية توضح أننا كنا في نظام برلماني قبل الثورة‏,‏ وكانت الحياة السياسية تتسم بعدم استقرار سياسي شديد‏,‏ حيث كانت أحزاب الأقلية تزور الانتخابات بهدف الهيمنة علي البرلمان‏.‏ إضافة إلي ذلك لايجب إغفال فساد الوفد كما تجلي في الكتاب الأسود وحكومات مابعد عام‏1940.‏ وبالمقابل فإننا الآن نعيش في ظل شكل من أشكال نظام رئاسي معطلة فيه آليات المحاسبة البرلمانية والمحاسبة السياسية بحيث قزمت الإرادة البرلمانية في الممارسة اليومية‏,‏ وربما هناك وقائع عديدة تشير إلي أن نظاما بهذا الشكل لا يساعد علي حياة اقتصادية وسياسية سليمة حيث إن تعطيل رئة البرلمان لا تساعد الجسد السياسي علي الصحة والحياة بقوة‏.‏
وبالنظر حولنا نجد أن النظم التي تنهج النمط البرلماني‏,‏ تعاني فسادا بنائيا‏,‏ كما هو الحال في إسرائيل واليابان وإيطاليا وبالمقابل يلاحظ وجود أنماط من النظام الرئاسي‏,‏ ليست فيها أية ضمانات لعدم الفساد‏..‏ وهناك وقائع كثيرة في النظامين الفرنسي والأمريكي تشير إلي ذلك‏.‏
خلاصة القول إن القضية ليست برلمانية أم رئاسية‏,‏ ففي الواقع لا يوجد شيء يجعل من النظام البرلماني ـ من ناحية الأصالة الدستورية ـ أفضل من الرئاسي أو العكس‏,‏ فهناك نظم برلمانية مورس فيها احتكار السلطة لمدد طويلة‏,‏ وهناك نظم برلمانية كانت الوزارات تتغير كل عام أو عامين‏.‏ أما بشأن النظام الرئاسي‏,‏ فنحن نعلم أن عدم احتكار السلطة في الولايات المتحدة أو في فرنسا‏,‏ لم يساعد في منع سوء استخدام السلطة‏,‏ وهناك أمثلة كثيرة في بلدان العالم‏.‏
إذن القضية الرئيسية هي النزاهة‏,‏ وليست القيود القانونية أو الدستورية أو الشكل المؤسسي‏.‏ فهذه القضايا يتم التواضع عليها أو تغييرها في ظل وجود اتفاق سياسي عام‏.‏ والنزاهة ليست قضية اخلاقية‏,‏ ولكن في الأساس إجرائية تنصرف إلي القدرة المؤسسية علي ايجاد إجراءات متماسكة ومتكاملة مع بعضها البعض‏,‏ في إطار دولة دستورية‏,‏ وهي تلك الدولة التي تتصف في النظرية والفقه بالتوازن بين السلطات الثلاث والضمان الدستوري لحقوق وحريات الأفراد‏.‏ في هذا السياق يمكن أن نعدل نظامنا الرئاسي ليعكس بشكل أفضل مضمون الدولة الدستورية‏.‏
وهكذا فإن القضية الكبري ليست هي شكل نظام الحكم‏,‏ ولكن في مصادر الثقافة السياسية القانونية التي تؤسس مفهوم النظام العام الدستوري‏,‏ وهو النظام الذي يصوغ احتمالات القواعد المنظمة للسلطات‏,‏ في إطار فكري تتناسب فيه قيم الحداثة والتقليدية في أسلوب إدارة نظام الحكام وبناء الشرعية السياسية‏.‏ وهذا لا يتأتي إلا بتأسيس فلسفة عامة للدولة لمصلحة إقامة الدولة الدستورية‏.‏
فالنظام الدستوري المصري منذ الإعلان الدستوري في‏10‏ فبراير عام‏1953‏ حتي دستور‏1971‏ وتعديلاته تبرز فيه المبادئ الدستورية الرئيسية التالية‏:‏
‏1‏ ـ أولوية السلطة التنفيذية كما هو الحال في النظامين الفرنسي والأمريكي‏.‏
‏2‏ ـ ثنائية السلطة التنفيذية بين رئيس جمهورية ورئيس وزراء‏,‏ وهي الثنائية التي عكست قلقا وتساؤلا في الفقه والشارع السياسي‏,‏ حول مدي استقلالية كل منهما في مواجهة الآخر‏,‏ هذا مع التسليم من حيث المبدأ بسيادة وسمو موقع رئيس الجمهورية‏.‏
‏3‏ ـ المسئولية الوزارية أمام البرلمان‏,‏ وهي العملية التي أصابت الكثير بالإحباط بسبب عدم وجود القوانين الصحيحة للمساءلة حول السياسات العامة الوزارية‏.‏
‏4‏ ـ التعددية الحزبية‏,‏ وهنا يلاحظ أن التعددية ليست مذكورة إلا في باب الدولة‏,‏ كتعريف لها دون أن تذكر في باب نظام الحكم‏.‏ ومن أجل سيادة مبادئ الدولة الدستورية الرئاسية‏,‏ يجب ذكر التعددية كأحد مبادئ نظام الحكم‏.‏
‏5‏ ـ الحريات العامة والضمان الاجتماعي‏,‏ وهنا يمكن القول إن الدستور المصري في تطور قد حافظ علي هذه القيم‏.‏
من هذه المنطلقات تأتي أهمية الدفاع عن النظام الجمهوري الرئاسي‏,‏ باعتبارها ليست فقط حقائق تعبر عن تطور النظام العام الدستوري المصري‏,‏ ولكن أيضا تعبر عن حقائق ديمغرافية وجيوبلوتكية‏.‏ إن الدفاع عن النظام الرئاسي قد يتطلب تطويره ليتناسب مع العصر‏,‏ وهذا كما يحدث في الأمم الأخري التي تريد المعاصرة والاستمرار‏.‏
*استاذا العلوم السياسية بجامة حلوان
*عن 26 سبتمبر




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر