الدكتور-سيف العسلي -
وإذا الوحدة سألت
إن من أعظم الظلم تخلص مرتكبي الأخطاء من تحمل مسئولية أخطائهم ورمي المسئولية عن ذلك على من لا علاقة له بها لأن ذلك ظلم مركب فعدم تحمل مرتكبي الأخطاء مسئولية الأخطاء التي ارتكبوها ظلم في حد ذاته وتلفيق التهم لتحميل مسئولية ذلك على الأبرياء ظلم ثان إذ يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة النساء "ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا" .
ويصدق هذا الأمر على الوحدة اليمنية والتي هي نتاج واجب ديني وطني تفاعلا عبر مرحلة تاريخية طويلة إذ يقول الله تعالى في سورة آل عمران"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون".
فالوحدة نعمة من الله والنعمة لا يمكن أن تتحول إلى نقمة تحت أي ظرف من الظروف.
ومع ذلك فإن المتتبع لما يجري على الساحة اليمنية من لغط حول الوحدة اليمنية وإقحامها في الصراعات السياسية وتحميلها مسئولية الأخطاء التي ارتكبتها بعض القوى السياسية هو في الحقيقة من أقبح الظلم وكأني بالوحدة وهي تسأل هؤلاء ما هي الذنوب الذي ارتكبتها حتى أظلم هذا الظلم كله؟ .
إن هذا المقال هو في حقيقة الأمر اعتذار مني للوحدة التي ظلمت ولم تجد من يدافع عنها إنني أقول لها أيتها الطاهرة إن ظلمك ظاهر وجلي وانك فعلاً لاتستحقي ذلك على الإطلاق إنني وبكل خجل وباسم اليمنيين جمعياً أتقدم إليك بصادق الاعتذار واسترحمك بكل الحب الذي تكنينه لأبناء اليمن أن تصفحي عنهم سواءً أولئك الذي اتهموك زورا وبهتانا بالتسبب بالأخطاء التي ارتكبوها بأنفسهم إذا ما تابوا عن ذلك أم أولئك الذين تقاعسوا عن الذود عن طهارتك إذا قاموا بما يجب عليهم وإنني أقول أنه لا عذر ولامبرر لتصرف الطرفين فطهارتك فوق الشبهات وإنني لواثق أنك سوف تلبي طلبي هذا منك وتسامحيهم وثقتي هذه مستمدة مما أعرفه من تاريخك المجيد.
فعمرك في الحقيقة هو عمر الحضارة الإنسانية كلها وبالتالي فإنك تتمتعين بالنضج الكبير فقد وجدت عند أول لحظة من فجر التاريخ بل لقد كنت أول خطوة من خطوات الحضارة البشرية وربما لا يدانيك في هذا العمر الطويل سوى وحدة الصين.
إن التشكيك فيك هو من قبل التشكيك في الحياة والحضارة الإنسانية فإذا كان من غير المقبول القول بأنه لا وجود للبشر على وجه الأرض فإنه من غير المعقول القبول بسماع من يقول بأنه لا يوجد شعب أسمه اليمن يمتد من صعده إلى المهرة ومن الجوف إلى تعز ومن أبين إلى الحديدة ومن صنعاء إلى عدن.
إن سماحنا بمثل هذا التشكيك تقصير كبير من قبلنا في حقك إننا نعترف أننا قد ظلمناك أو على الأقل ساهمنا في ذلك فقد قصرنا في حقك أيها الوحدة عندما سمحنا لبعضنا أن يتلفظ بعبارات تنفيك وعندما سمع بعضنا ذلك الكذب ولم يرد عليه بأقسى العبارات التي تليق به فمن حقك إذاً أن تسألي لماذا وقع عليك كل هذا الظلم.
إننا لانجد إزاء ذلك إلا أن نعتذر لك عن ذلك وأن نتبع ذلك بتصدينا الحازم لمن يردد ذلك فقد كان علينا أن نقول لكل من اتهمك بأنك سبب التدهور الاقتصادي وانعدام الوظائف والفقر والفساد بأنك مسرف كذاب فهل كان الشطران قبلك متطورين اقتصادياً وهل كانت توجد في الشطر الجنوبي من اليمن وظائف حقيقة أم أن ما كان موجوداً هو وظائف وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع وهل كان الشطران قبلك من أغنى دول العالم أم كانا من أفقر دول العالم إذاً فإن اتهامك بذلك هو ظلم فادح.
كان علينا أن نقول لمن يتهمك بأنك كنت سبباً في مصادرة الأراضي وإهدار الثروة إنكم دجالون فقد كان الشطر الجنوبي تحت سيطرتكم المطلقة وكانت كل أراضيه وثرواته المتباكى عليها ملكاً لكم وفي قبضتكم ومع ذلك فإن شعبنا اليمني في الشطر الجنوبي من اليمن كان يعاني الأمرين ونتيجة لذلك فلم يكون هذا الشطر أغنى من الشطر الشمالي بل لم يكن حتى مساوياً له في الغنى والثراء.
كان علينا أن نقول لهم بأنه لا معنى لأي قانون إذا كان ضد إرادة الشعب ويتعارض مع وحدته فما يتباهون به من قانون ما كان في الحقيقة إلا وسيلة لتقتيل الأبرياء وتكتيم الأفواه والفصل بين الأقارب وإشاعة الإرهاب.
كان علينا أن نقول لمن ينشر الأوهام ويدعي بأن الانفصال سيجلب للشطر الجنوبي الغنى وسعة العيش أنك شيطان مريد فالشيطان يعد الناس بالأوهام ثم عندما تتبدد هذه الأوهام ينكر ما قاله فهؤلاء أشبه ما يكون بالشياطين كما حكى الله تعالى في كتابه العزيز في الأعراف "يا بني أدم لا يفتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوأتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لاترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لايؤمنون" ويقول أيضاً في سورة إبراهيم"وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم".
كان علينا أن نقول لهؤلاء إنكم مفسدون في الأرض حتى ولو أدعيتم غير ذلك إذ يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة البقرة"وإذا قيل لهم لاتفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون وإذا قيل لهم أمنوا كما أمن الناس قالوا أنؤمن كما أمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لايعلمون وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا أمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون الله يستهزيء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين".
فأي فساد أكبر من زرع الفتن وتحريض المواطنين ضد بعضهم البعض.
إن من يقول إننا شقينا بسببك فهو كذاب مهين فقد كنت معنا منذ أن وجدنا على وجه الأرض وكنت سبب سعادتنا وتطورنا وعزتنا وقد حاولوا أن يقضوا عليك عندما فرضوا الانفصال فشقونا وذللنا فاليمن كان دائماً قوياً وعزيزاً ومتطوراً عندما يكون موحداً وكان ضعيفاً وذليلاً عندما يفرض عليه التجزؤ والتشرذم لبعض الوقت ولذلك فإنه عندما يفيق ما يلبث أن يعمل على إعادة الوحدة مهما كان ثمن ذلك إنني أقول لك إننا قد تعلمنا الدرس وبالتالي فلن ننخذع مرة ثانية فلن نسمح بأي نوع من التجزئة مهما تطلب منا ذلك من تضحيات.
لقد كان علينا أن نقول لهؤلاء بأنكم حتماً ستفشلون فالله تعالى يقول في كتابه العزيز في سورة الإسراء"واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا".
لقد صمدت خلال هذا العصر العديد أمام كل صفوف التحدي و المؤامرات ولذلك لقد أثبت بما لا يدع أي مجال للشك بأنك لست عابرة ولا مؤقتة ولا تنصاعي لرغبات البعض وابتزاز اتهم ومراهناتهم إنك لم ولن تكوني نتاج عاطفة فالعاطفة ناتجة عنك ولذلك فإنك لم تكوني منة ولا كرماً من أحد وبالتالي فإنه لايستطيع أحد أن يتحكم بك بحسب هواه فيصفك بالعمل الوطني النبيل متى شاء وبالاحتلال والإقصاء متى شاء إنك أكبر من أن تكوني مطية لأي انتهازي فيجلك متى يشاء ويستهجن بك متى يشاء لم تكن الايدولوجيا سبباً لوجودك في يوم من الأيام ولن تكون سبب موتك في أي يوم من الأيام.
لقد كنت القاعدة والتجزئة هي الاستثناء ولذلك فإن التجزئة لم تصمد لذاتها وإنما استمرت لبعض الوقت لوجود عوامل خارجية فحالة التشطير الحديثة التي استمرت خلال الفترة من 1839 إلى عام 1990 ما كان لها أن تبقى لهذه الفترة الطويلة لولا وجود الاستعمار البريطاني والحرب الباردة.
ورغم طول هذه الفترة فإنك لم تغيبي عن الذاكرة وبالتالي فإنك لا تحتاجين اليوم إلي اندماج فالحروب لم تكن بسببك وبالتالي فإنها لن تنجح في القضاء عليك فقد كنت موجودة قبل وجود مصطلح الشطر الشمالي والشطر الجنوبي وستستمرين بعد اختفائه.
إنك لم تكوني نتاج أي سلطة بل أن السلطة هي نتاج لك ولذلك فإنك ستبقين وان تعددت السلطات أو تغيرت فقد كانت كل سلطة وجدت على أرض اليمن تدعي أنها هي وحدها التي تمثل مشاعر وتطلعات كل اليمنيين لا توجد أي وحدة في العالم لها ما لك من صفات وخصائص.
ولذلك فمن حقك أن تغضبي عندما يحاول البعض أن يستغلك لتحقيق مصالحه الخاصة ومن حقك أن تغضبي حينما يحاول البعض أن يقحمك في الصراعات السياسية ومن حقك أن تغضبي إذا ما حاول البعض أن يبيعك في سوق العمالة الخارجية ومن حقك أن تغضبي إذ يصفك البعض بأبشع الصفات ومن حقك أن تغضبي عندما يتنكر لك البعض لأتفه الأسباب.
لكنني أقول لك لا تعبأي بكل ذلك فقد وقع لك مثل ذلك من قبل بل إنك قد أتهمتي بأسوأ من ذلك فما عليك إلا أن تسامحي من تاب وان تؤدبي من استمرأ الغي يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الأعراف"وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لايقصرون".
فلن ينجحوا في تمرير كذبهم وباطلهم إن على هؤلاء أن لا يغتروا إذا ما نجحوا في الاصطياد في الماء العكر فالحقيقة لابد وأن تظهر وتفضحهم كما فضحت من سبقهم في الغي وفي هذه الحالة فإن التاريخ سيسجل لهم الفشل ولك النجاح في سجل الإنجازات التاريخية إنك لازلت قوية وكأنك في سن الشباب وكما خرجت في الماضي من كل هذه المحاولات منتصرة فإنك ستفعلين هذه المرة أيضاً فقط سيخزى كل من تنكر لك.
إنني لا اعتذر لك عن فعلة هؤلاء القبيحة فإن فعلت فإنني سأكون متنكراً لك مثلهم إنني اعتذر لك عن إهمالنا في الرد على هؤلاء وإسكاتهم وربما أن عذرنا في ذلك هو التسامح الذي تعلمناه منك إنني اعترف بأن بعضنا قد تمادى في التسامح إلى مستويات لا تقبلينه ولا ترضينه.
نعم قد تتعدد الأحزاب التي ننتمي إليها وقد تتعدد الرؤى الفكرية التي نعتنقها وقد تخطى الحكومات وقد يخطى بعضنا تجاه بعضنا البعض وقد يظلم بعضنا بعضا نعم قد ننتقد بعضنا بعضا لذلك وقد نطالب بحقوقنا الحقيقية أو المتوهمة وقد نتنافس على السلطة أو على الثروة أو على أي شيء أخر لكن ذلك لايبرر هروب بعض الجبناء ولاسعي هؤلاء إلى اختطاف الوحدة لجعلها وسيلة للابتزاز والضغوط فالشخص لا يسمح بجعل عرضه ونفسه وسيلة للابتزاز ومن يقبل بذلك فإنه يتخلى عن إنسانيته وكرامته فالوحدة هي كرامة كل يمني وبالتالي فإنه لا يسمح لأي أحد كان من كان بأن يختطفها تحت أي مبرر كان وعلينا أن نقف جميعاً ضد من فقدوا كرامتهم وسعوا لاختطاف الوحدة لتحقيق أي مكاسب بخيسة.
فقد أدركنا الآن أنه إذا استبحت فلا مجال لأي اعتزاز لنا وإذا أهدرت حقوقك فإنه لا معنى لإدعاء بأي حقوق لنا وإذا أفشلناك فلا قيمة لأي نجاح أخر ندعيه لنا وإذا نكثنا في تعهداتنا لك فلن يصدقنا أي أحد نتعهد له.
فمن الآن فصاعداً فلن نسمح لكائن من كان أن يقحمك في أي صراع سياسي بهدف الكسب الرخيص فلنختلف في البرامج السياسية كما نشاء لكن في كنفك أنت ولنختلف في المصالح التي نسعى لتحقيقها ولكن في ظل سمائك الوارفة ولنسمح في التميز والتباين فيما بيننا ولكن تحت عباءتك الدافئة وإذا أراد بعضنا أن يكيل السباب للبعض الأخر فليفعل ولكن دون الإساءة لطهارتك ولنطالب بحقوقنا مهما كانت ولكن تحت رعايتك ومباركتك ولنطالب بالتغيير في الحكومات والأشخاص ولكن بهدف حمايتك.
إنني أعدك إننا من الآن لن نتمادى في هذا التسامح الذي يصل إلى حد التفريط بك فقد كان التسامح وسيلة من وسائل تقويتك وبالتالي فإنه لا ينبغي أن يتحول إلى وسيلة للإضرار بك ومحاولة لإضعافك إنني أقول لك إننا قد أخطأنا وقد أدركنا أخطاءنا وإننا نرجو منك أن تسامحينا عن أخطائنا هذه التي سوف لن تتكرر.