نصر طه مصطفى -
ما نتمنى أن تقوله الحكومة
كان حديث رئيس الوزراء الدكتور علي مجور في مجلس النواب يوم السبت الماضي نابعا من القلب ويحمل صدقا بالغا في أعماقه وإدراكا عميقا لمخاطر دعوات التجزئة التي تبثها عناصر الحراك في بعض المحافظات الجنوبية، وبنفس القدر ولاشك كان حديثه عن حركتي الحوثي والقاعدة... إلا أنه يعنيني هنا أن أقف مع حديثه الهام
عن تيار الحراك الذي يمكن وصفه بالهدام وليس ذلك الذي يطالب بالحقوق المشروعة في إطار الدستور والقانون وتحت ظل البلد الواحد الذي ناضل من أجل وحدته آباؤنا وأجدادنا في الشمال والجنوب على السواء.
أهمية حديث الدكتور مجور ينبع من كونه يقدم الصورة الحقيقية لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية الذين عانوا من قسوة التشطير وعرفوا قيمة الوحدة على المدى البعيد حتى لو كان لديهم معاناة معيشية في المدى الحاضر... فهذا الرجل تحدث عن معرفة وعلم ويقين وليس عن مجاملة ومداهنة لأحد، فهو – لمن لا يعرفه – رجل نظيف اليد نزيه الذمة قوي الشخصية صاحب قيم نبيلة ومبادئ أخلاقية ثابتة إضافة إلى أنه على خلق رفيع وأدب جم، فهو بذلك ليس محتاجاً لنفاق أحد أو قول غير ما يعتقده... والشيء الآخر والمهم أنه ليس مسيسا بالمعنى المتداول للمصطلح فهو أكاديمي من فئة التكنوقراط مثقف ومحب للأدب والشعر، كما أنه من جيل أمكن له أن يراقب صراعات الرفاق في الجنوب قبل الوحدة ويتأمل فيها بما يكفي ويدرك نتائجها الكارثية وهو يعد رسالة الدكتوراة في فرنسا ثم يعود إلى عدن ليتسلم مهامه العلمية كأكاديمي في جامعتها خلال السنة الأولى من قيام الجمهورية اليمنية، ويتدرج في مواقعه العلمية والإدارية حتى وصوله إلى رأس السلطة التنفيذية بقدراته وكفاءته وسمعته الحسنة.
لقد كان رئيس الوزراء محقا وهو يخاطب العقول النظيفة عندما قال أن من يريدون الانفصال اليوم باسم الحقوق وقضايا الأراضي هم أنفسهم الذين طالبوا به في عام 1994م ولم تكن أي من هذه القضايا مطروحة مما يؤكد أن المسألة هي مسألة تجزئة وتمزيق من حيث المبدأ بالنسبة لهم... لكننا مع ذلك نجد أن من المهم ألا نضع الجميع في سلة واحدة فهناك من يطالبون بالحقوق وهم متمسكون بالوحدة، وهناك من يطالب بالحقوق ويناور بالوحدة للضغط السياسي رغم عدم جواز ذلك، وهناك من لا تشكل الحقوق أي هم بالنسبة له لكنه يناور باسمها من أجل الحصول على مكاسب سياسية في ظل الوحدة، وهناك من لا تشكل الحقوق بالنسبة له أي هم ويريد اتخاذها سلما للتجزئة والتفتيت وليس حتى العودة لما كان عليه الحال قبل عام 1990م... وأتصور أن من المهم أن يتم التعاطي بشفافية بالغة مع القضايا التي تسببت في الإشكاليات الحاصلة في المحافظات الجنوبية والشرقية، فهذا ما ينقصنا حتى نسحب البساط على الذين يقومون بالتعبئة الميدانية الخاطئة للناس ضد الوحدة... وعلى سبيل المثال أنا على يقين أن مشكلة الأراضي كانت ولازالت لغزا عند غالبية المواطنين لا يعرفون الصدق فيها من الكذب لأنها أديرت بالشائعات والتعبئة الخاطئة، ومثلها ما أطلق عليه بالتقاعد الإجباري للعسكريين بعد حرب 94 حيث لا يعرف معظم الناس الحقيقة من الكذب فيها، وهكذا فمعظم قضايانا تدار بالشائعات ويصدر فيها الكثيرون أحكاما فاصلة، مع أن الشفافية فيها من الجهات المعنية ستنزع معظم الألغام التي تزرع في النفوس وتسحب البساط من تحت أقدام دعاة الفتنة الذين ضللوا الناس وصوروا لهم الأمور على غير حقيقتها... إنني أتمنى على الدكتور مجور أن تعطي حكومته هذه المسألة ما تستحقها من الأهمية فوالله إن ما يجري من تعبئة نفسية في الميدان أضعاف مضاعفة لما تقوم به بعض الصحف والمواقع الإلكترونية وأكثر تأثيرا وخطرا منها... فهل ندرك هذه الحقيقة؟!