فيصل جلول -
إلى متى تظل المعارضة اليمنية في قاعة الانتظار؟
لا يمكن لتيارات المعارضة الشرعية في اليمن أن تبقى طويلا في قاعة الانتظار. ولا يمكنها أن تتجاهل دعوات الحوار من اجل حل المشاكل اليمنية إلى اجل غير مسمى. فالانتظار ليس إستراتيجية صالحة للعمل السياسي في بلد يعيش تجربة ديموقراطية.
قد يصلح كخطوة تكتيكية لأمد قصير لكن الانتظار يهدد بتهميش المعنيين به على المدى البعيد وذلك للأسباب التالية:
اولاً: لأن المشاكل التي تستدعي المعالجة هي مشاكل يمنية وليست حكومية حصراً وبالتالي فإن الامتناع عن الاستجابة للحوار الوطني للنظر في حل هذه المشاكل هو في احد وجوهه امتناع عن المشاركة في معالجة قضايا الوطن من طرف تيارات تقدم نفسها للرأي العام اليمني بوصفها تيارات وطنية.
وإذ يعتقد بعض القادة في المعارضة أن قضية الوحدة والانفصال بشقيه الجهوي والمذهبي قضية حكومية فهو ينضم دون أن يدري الى دعاوى وحجج الانفصاليين وبالتالي يفقد المسافة التي تفصله عنهم. والمثير للدهشة في هذا المجال أن الانفصالي يرد على السياسة الحكومية بطلب تقسيم الوطن فيما المعارض الوحدوي الشرعي يمتنع عن المشاركة في الحوار حول هذه المشكلة بحجة أن التقصير الحكومي هو المسؤول عن معزوفة الانفصال.
بكلام آخر يطلق المعارض الوحدوي الشرعي النار على انتمائه الوطني وفي ظنه أنه يضغط على الحكومة وهو في هذه الحال يضعف حجته الوطنية مع الحكومة ويخسر وطنيته مع الانفصال الذي يطال الوطن الباقي ابدا فيما الحكومة يصنعها الرجال وهي ليست أبدية.
ثانيا: لان امتناع المعارضة عن الحوار في القضايا الوطنية يتناقض مع موقعها كطرف يدعي انه الوجه الأخر للحكومة أو حكومة الظل وقد يكون مفهوماً ان يمتنع المعارض عن إعانة الحكومة على تنفيذ بعض سياساتها الداخلية التي لا تتناسب مع برنامجه ومفاهيمه وأهدافه.
لكن عندما يمتنع عن التعاون مع الحكومة في التصدي للمخاطر التي تهدد الوطن فانه يتصرف كمن يطيح بسبب وجوده.
فالمعارض يشترك مبدئيا وموضوعياً مع الحكومة في العمل الوطني وعليه فإن كل خسارة وطنية هي خسارة مشتركة للمعارض وللموالي في آنٍ معا اي للمسرح الذي يشترك الطرفان في إدارته.
ثالثاً: لأن عقد الديموقراطية الذي ينظم عمل السلطة والمعارضة ينطوي على اعتراف متبادل لكل طرف بالطرف الآخر فعندما تعترف السلطة بالمعارضة كشريك وطني جدير بالشراكة وبالحوار الوطني وترد المعارضة بالامتناع عن الاعتراف بهذه الشراكة عبر الامتناع عن المشاركة بالحوار الوطني فإنها تتسبب بأذى كبير لشروط التعاقد الديموقراطي.
رابعا: لأن بعض أطراف المعارضة تعتقد أن الديموقراطية شرط لتوليها السلطة غداً صباحاً وإن لم يتوفر هذا الشرط فمعنى ذلك أن الديمقراطية هي "ديكور" للسلطة القائمة.
تعاني هذه النظرة من عطب قاتل، لأنها تفترض ان الديمقراطية هي السلطة ولا شيء غير السلطة في حين ان الديموقراطية عندنا وعند غيرنا هي عملية تراكمية تنهض على مشروع استراتيجي لمعالجة المشاكل والقضايا الوطنية بالوسائل السلمية والحوار والتشاور والتراضي والمشاركة الوطنية لكل مكونات البلاد التي ارتضت التعاقد الديموقراطي أما تولي السلطة فهو نتيجة من نتائج المشروع الوطني وليس سبباً من أسبابه أو السبب الوحيد لتبنيه.
خامساً: لأن بعض المعارضة بات أسير سياسة تعبوية خاطئة فهو لم يكف منذ سنوات عن وضع مناصريه في مواجهة دائمة وحادة مع السلطة بوصفها سلطة وليس بوصفها راعية لمشروع وطني وبالتالي يمكن أن تخطيء وان تنجح في إدارة هذا المشروع.
ولعل الموضوعيين في صفوف المعارضة يدركون في سرهم على الأقل أن المسرح السياسي اليمني كان خلال العقد ونصف العقد الأخير حافلاً بالمشاهد المشرفة على أصعدة مختلفة وان ظواهر الفساد ونهب الأراضي والحقوق المنتهكة لا تختصر المشهد السياسي اليمني ولا تختصر أداء السلطة ولعل الإصرار على حصر نتائج ممارسة السلطة بالسلبيات المذكورة ينطوي على سؤ نية وبالتالي يساهم في توسيع المسافة التي تفصل بين السلطة والمعارضة ويعيق حل المشاكل الوطنية بالحوار والمشاركة.
سادساً: لأن مطالبة السلطة بإجراء اصلاحات جذرية كشرط للحوار في وقت تجابه فيه البلاد فتنة انفصالية مزدوجة ومشروعاً إرهابياً يسعى لأفغنة اليمن هذه المطالبة لا تتناسب مع الأولويات السياسية المطروحة في اليمن من جهة وتنطوي من جهة أخرى على إخفاق كبير في تشخيص المشاكل المطروحة ووسائل حلها.
فعندما يشب حريق في منزلك تسعى لإطفاء النار أولا وتبحث من بعد عن أسباب الحريق وعن كيفية تفاديها لكي لا تتكرر ثانية .
لهذه الأسباب مجتمعة يمكن القول أن الامتناع عن المشاركة في حوار وطني يتصدى للمشاكل والمخاطر اليمنية من شأنه أن يتسبب بأذى كبير للمعارضة وان يؤدي إلى تهميشها فالذي يجلس في قاعة الانتظار قد يبقى فيها طويلاً إذا ما قيض للحكومة أن تتصدى بنجاح للمخاطر الوطنية وقد ينتقل إلى قارعة الطريق إذا ما اختارت الحكومة أن تعالج تلك المشاكل بوسائل غير تلك التي اعتمدتها حتى اليوم.
لا. الانتظار ليس خياراً استراتيجياً موفقاً في بلد يعرف فيه الجميع الجميع.
والرهان على تراجع السلطة تكتيك لن يحالفه الحظ.ذلك ان المواجهات الوطنية في هذا البلد تهمش المنتظرين .
هيا إذن إلى الحوار الوطني فاليمن يستحق التراجع عن إستراتيجية أخفقت خلال العقد الأخير على كل صعيد.
*عن 26 سبتمبر