الإرهـاب والعدالـة الاجتماعيـة مشاريع وخطط الاصلاح المفروضة علينا من الخارج تملي بشكل قاطع على ولاة الأمر الضرب بقبضة من حديد على “الارهابيين” وجندلة رقابهم، دون تحديد دقيق لمن هو الارهابي، في خلط مقصود للأوراق، وبدون تمييز بين الارهابي الحقيقي، والمقاوم للاحتلال في فلسطين أو في الحدود اللبنانية “الاسرائيلية” والطفل الذي يرمي دبابة بحجر راجماً فيها كل المعاني والرموز الإبليسية البشرية. كما أن هذه المشاريع الاصلاحية المستوردة تريد منا أن نذبح كل الشباب المتورطين في الارهاب وأعدادهم تقدر بعشرات الآلاف من أبنائنا، دون أية محاولة لفتح حوار معهم أو إصلاحهم واستتابتهم أو إزالة الأسباب الموضوعية التي تمثل التربة الخصبة لظهور الارهاب. في سياق حديثنا عن النموذج الارهابي تعرضنا لأشكال الحرمانات وفوضى التنمية وسوء توزيع الأموال والثروات وسجن آلاف الشباب في أقفاص اليأس من الحاضر والمستقبل كطبقة أولى من طبقات هرم الأسباب والعوامل المولدة للإرهاب. فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن شعارات العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات ضمن أدنى الحدود المقبولة قد ارتبطت بمراحل وشخصيات ومشاريع ظهر إفلاسها أو خداعها، فهمنا كيف عمل الإحباط في نفوس الشباب مولدا الارهاب الذي هدف ويهدف الى تقويض أركان المجتمعات التي قالت وقالت ولم تفعل شيئاً. إن من أوائل مراحل الإصلاح تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وفتح أبواب النجاح والانجاز أمام الجميع، بدلاً من التأكيد على قيم الفردية والإنجاز الشخصي وحرية التنافس الشرعي وغير الشرعي والديمقراطية التي تزيد المتخمين تخمة وتزيد الجائعين تضوراً وشراسة. والحديث عن العدالة الاجتماعية أمر لا يروق لمن يملي علينا معاني الاصلاح ومراحله، ذلك أن المقصود عندهم من الاصلاح هو مزيد من الظلم الاقتصادي الاجتماعي واستمرار القدرة على الحفاظ على مصالحهم في المنطقة. ولن يتم هذا بالتأكيد في أجواء الحريات واستثمار جميع القدرات وفتح أبواب الانجاز وتحقيق الذات أمام الجميع. ومن المضحك المبكي أن أي حديث عن العدالة الاجتماعية صار ينسب الى الشيوعية والاشتراكية في تجاهل تام وتعام عن تراث بشري كبير عمره آلاف السنين يدور حول معاني العدالة الاجتماعية، وأديان سماوية عظيمة وربما أهمها الاسلام تجعل تحقق العدالة الاجتماعية واحداً من أهم مقاصدها. خلال الخمسين سنة الأخيرة وصف كل من يدعو الى العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص أمام الجميع حتى من المنتمين الى الحركات الاسلامية بأنهم “مشايخ حمر” نسبة الى اللون الأحمر المميز والرامز للمرحلة الشيوعية، الأمر الذي جعل البرجوازية أو الرأسمالية وأخيراً العولمة الثقافية والاقتصادية ظواهر تنتمي الى الاسلام بوصفه دين إطلاق اليد في الملكية الشخصية وجميع الأموال وكنزها والدين المرشح أصولاً ليكون دين السلاطين ووعاظهم. ولو اكتفينا بالتعاليم الإسلامية المتصلة بإخراج زكاة المال وإعطاء الصدقات لتحقق جزء كبير من أحلام وأهداف العدالة الاجتماعية، فكيف يكون الأمر لو استمعنا الى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو يؤكد على إعطاء كل من له فضل من المال لمن لا مال له، وكل من له فضل ركوب لمن لا ركوب له، وكل من له فضل سلاح لمن لا سلاح له، حتى ظنّ مستمعو أن لا حق لهم في طعام الغد. لقد أثبتت التجارب البشرية أن العدالة الاجتماعية هي صمام أمام وأمن المجتمعات، في حين أن الظلم الاجتماعي يفتح الأبواب والنوافذ لكل أشكال الانحراف والإجرام والإرهاب. قد لا يتصف كل إرهابي بالفقر والحرمان وخيبة الأمل. ولكننا هنا أمام تيار فكري وانفعالي وحركي منبعه الحرمان، وأركانه ظلم اجتماعي وخلل في الحراك الاجتماعي يصعد بالصعاليك الى السطح وينزل بالجادين الذين يعيشون على قيم الصلاح ورفض الفساد الى الأعماق، وقناعة الإيمان الذي يسعى إلى تغيير المنكر بالقتل أو الذبح أو التفجير. << الخليج >> |