الانتخابات العراقية .. ولعبة الشُطّار ! بين مؤيد ومقاطع ومتحدٍّ، ورابع محايد لا يدري ما الذي يجري، وإلى أين سيفضي.. انطلقت صباح الجمعة الانتخابات العراقية بدءً من العراقيين المقيمين في المهجر ضمن 14 دولة بينها ثلاث دول عربية فقط هي سوريا والأردن والإمارات، وتشرف عليها منظمة الهجرة الدولية. أما صباح اليوم الأحد فسيتوجه ما يقارب 15 مليون مواطن عراقي للاقتراع في 9.000 مركز انتخابي بما فيها المراكز الانتخابية خارج العراق، وفي ظل درجات قصوى من الحذر الأمني. وتتبع الانتخابات نظام التمثيل النسبي من خلال قوائم انتخابية تمنح الفائز 55 مقعداً في المجلس الوطني يتم اختيارهم من القائمة الفائزة. القوى الوطنية العراقية المؤيدة للانتخابات تعتقد أنها الخطوة الأولى لإقرار أمن العراق وإعادة إعماره؛ فيما قاطعت الجهات (السنية) الرئيسية وتنظيم مقتدى الصدر الشيعي الانتخابات كونها ترى أن الأولوية لأمن العراق الذي سيضمن حماية الديمقراطية، وكذلك لجلاء الاحتلال الذي يترجم الحرية والاستقلال الوطني اللذان يتصدران أي مشروع لامتلاك الإرادة الوطنية الحرة المؤهلة للانتخاب. الطرف الثالث لم يكتف بالمقاطعة بل هدد بتصعيد المقاومة" العنف" وعمل المستحيل لمنع إجراء الانتخابات وأعلن أنه سيقوم بنسف المراكز الانتخابية يوم الاقتراع معتبراً الانتخابات مؤامرة لتكريس الاحتلال وتشطير العراق طائفياً وعنصرياً وجغرافياً.. فيما ظلت هناك أعداد كبيرة من العراقيين مترددين بين جميع المعادلات السياسية السابقة حيث أن الحسابات اختلطت عليهم بفعل الفوضى والشك وانعدام الثقة بالشعارات الوطنية. ربما لو تأملنا الوضع العراقي جيداً لوجدنا أن كل فريق يفكر بمنطقة الخاص وليس بمنطق الوطن كاملاً! فالشيعة متحمسة للانتخابات كونهم يشكلون بنسبة 64% من الشعب العراقي، وبالتالي فالأغلبية مضمونة وإذا لم تأتهم السلطة عبر الصناديق يكفيهم فتوى واحدة من السيد السيستاني باستخدام القوة لينقلب العراق رأساً على عقب مثلما فعلوها عام 1934م أما الطائفة السنية فإن 67% منها يقاطع الانتخابات كونهم يدركون النتائج مسبقاً بحكم نسبتهم الضعيفة خاصة وإن الأكراد المحسوبين على السنة لهم وضعهم الخاص والمستقبل الذي لا يضيف شيئاً لثقلهم السياسي علاوة على أن أجهزة النظام العراقي السابق كان غالبيتها العظمى من مناطق سنية وهي في الوقت الحاضر ما بين معتقل ومطارد وممنوع من المشاركة. أما الذين يتحدون الانتخابات ويتبنون خيار العنف فهم في الغالب ينضوون تحت مظلة الذرائع الدينية المذهبية التي تخشى من أن تؤول أمور الحكم بأيدي الشيعة وفقاً لما صرح به الزرقاوي مؤخراً. والملاحظ أن معظم عناصر النظام السابق التي تطاردها قوى عديدة وجدت في هذه الجماعات الدينية ملاذاً وحيداً بعد أن أيقنت أنها في عداد الموتى أو المعذبين في سجون الاحتلال. لكن فئة أخرى التحمت بحلف المواجهة المسلحة بتسهيلات ودعم بعض دول الجوار العراقي التي تخشى أن يؤدي الاستقرار الأمني في العراق إلى تشجيع الولايات المتحدة على تهديد أنظمتها، أو ممارسة المزيد من الضغوط لابتزازها وعليه يكون نقل المعركة المتوقعة إلى ساحة العراق وتصفية الحسابات على أراضيه أمر قد يؤمن تلك الأنظمة ويؤجل المواجهة حتى إشعار آخر وهو الأمر الذي يفسر الخسائر البشرية الفادحة من العراقيين جراء الأنشطة المسلحة التي تقوم بها تلك المجموعات إذ أن ما يهم هؤلاء ليس من سيقتل أو أي مبنى سيهدم بقدر استمرار الحالة الأمنية غير المستقرة في العراق وتفشي الفوضى والفتن. لكن السؤال الأهم هو: هل تمثل الانتخابات فعلاً حلاً موفقاً يفتح آفاق المستقبل العراقي لغده المنشود !؟ لاشك أن الانتخابات العراقية كان بوسعها أن تصبح كذلك لولا أن ظروفها لا تحظى بالسلامة الصحية لاعتبارات كثيرة لا تغيب عن رأس المثقف العربي فالاحتلال نقيض الديمقراطية وأول شروط الحرية الاستقلال وامتلاك الإرادة الوطنية فكيف يمكن أن يتصور المرء أنه بمقدوره بناء دولة ديمقراطية بفوهات المدافع والبنادق؟! إلا أن إصرار الولايات المتحدة على إجراء الانتخابات لا يراد منه سوى أمران: أولهما- إضفاء شرعية على بقائها في العراق من خلال توجيه ازلامها ممن قدمت بهم من صالة مؤتمر لندن لطلب البقاء منها، وبالتالي فإن كل فعل ستقدم عليه لاحقاً ستفسره على أنه حماية للديمقراطية والسلطة الشرعية المنتخبة لكن كي يتحقق لها ذلك فلابد من الأمر الثاني المرجو من الانتخابات وهو: شق الصف الوطني العراقي وإشعال الفتن والصراعات الداخلية بين الطوائف والقوميات والأحزاب عبر الانتخابات التي لن تمثل الإرادة العراقية الكاملة في ظل مقاطعة بعض القوى وتحريم حق الانتخاب على قوى أخرى وتجاهل عشرات أو مئات آلاف العراقيين ممن يقيمون في الخارج كما هو الحال مع تجاهل العراقيين المقيمين في اليمن أو سواهم ممن ينتشرون في دول أوروبا والعالم أجمع وحصر العملية الانتخابية في 14 دولة فقط. اليوم تركيا تتحدث عن كركوك العراقية الغنية بالنفط والأكراد يحاولون اختلاق الذرائع والضغط على بقية القوى لضم كركوك إلى حكومة كردستنان، فتلك هي القنبلة الموقوتة في استراتيجيات الغد عند قوى الاحتلال فيما ستبقى مناطق المثلث السني بمثابة منطقة بركانية ناشطة تتخلها بعض أزمنة الخمود وفقاً للمزاد الاستفزازي للسيد الأمريكي – قائد الاحتلال. واليوم أيضاً ثروات العراق وأمواله مباحة لكل شاطر يستطيع نقلها إلى بنوك بيروت أو سان فرانسسكو ولعل أضعف الإيمان هو ما يبرمه المسؤولون العراقيون من صفقات في عمان أو دبي مع مختلف شركات العالم وقطاعاته بما فيها التي يديرها رجال من الكيان الصهيوني ليس من أحد إلا وينهب سراً وعلانية ويتقاضى مئات آلاف الدولارات عمولة من الشركات الاستثمارية التي تبتز العراقيين في كل ما تعمله. إن مستقبل العراق يمكن أن نقرأه من خلال شيء واحد فقط وهو أن عوائل جميع المسئولين في السلطة العراقية المؤقتة الحالية لا يقيمون على أرض العراق بل هم في العاصمة الأردنية عمان!! فيا ترى هل كان الرهان على بناء مستقبل العراق في الخارج أم الداخل !؟ ذلك ما ستجيب عليه مرحلة ما بعد يوم 30 يناير. -عراقي مقيم في اليمن |