اما تزال ميتا يا صديقي ؟؟ بقلم حميد شحرة عندما هوى عبدالله سعد محمد احد المع الصحفيين اليمنيين قبل ست سنوات من اعلى قصر في حضرموت ليدخل في غيبوبة استمرت شهرين . كنت اتوقع ان ينهض عائدا الى الحياة لكنه مات . اتذكر صديقي عبدالله كلمااصبت في عزيز, يقرر ان يدخل في غيبوبة بارادته نادرا ما تنتهي بعودة الروح . * الى روح احبتي في غيبوبتهم ووفي ذكرى عبدالله أرفع سماعة الهاتف، وبدون شعور، أطلب رقمك، تمر لحظات جارحة ومؤلمة تلك التي تفصل بين رفعي للسماعة ووضعي لها من جديد، وأنا استشعر آنفاسي ثقيلة، وشئ ما يجثم على صدري، وشعور بحزن آخر يدهمني، ويلقي بغصة ملتهبة في حلقي. أنت ميت الآن، ولن أسمع صوتك، ولن تسمع صوتي، إنها حقيقة أتناساها باستمرار، وثمة شعور خادع يقول لي بأنك لم تمت.. عشرات الأرقام الهاتفية في مفكرتي، بعضها لأناس عرفتهم، وربما صادقتهم، ماتوا فلم أعد أتذكرهم أو أتذكر أرقام هواتفهم، لكنك لا تبارح ذاكرتي، ورقم هاتفك يتسلل كثيراً إلى واعيتي فأرفع السماعة لأكتشف الحقيقة من جديد.. أنت ميت الآن.. عشرات المرات هممت أن أهاتفك كي أدعوك إلى جولة من جولاتنا تلك، التي نتأمل فيها قبح هذا العالم وسخافات الأدعياء فيه. ومئات المرات اشتقت فيها إلى جلسة من جلساتك التي تتناثر فيها تعليقاتك ونفثات صدرك الحكيمة وهي في ذروة هزلها وعبثها، الحزينة، وهي تملأنا ضحكاً.. أنت ميت الآن.. وما من ميت مثلك أيها لعزيز، جعل الموت فكرة لا تبارحني، ماذا يعني الموت؟.. وماذا يعني الموت؟! وماذا يعني الموت؟! أين أنت الآن ؟ وما شكل هذا البرزخ الذي تعيش فيه؟! هل موتك يعني أنك حقاً ميت..؟! ألم يعد هناك شيء منك، ومشاريعك التي أنجزت. ومشاريعك المؤجلة، أين هي الآن في عقلك وفي مشاعرك، بل هل تعقل أو تشعر.أم أنك مازلت في غيبوبة طويلة، لا شيء فيها غير الظلام، لا فرح لا حزن.. لا ألم.. لا شيء أبداً.. (هل كانت الحياة تستحق كل هزائمك وانتصاراتك.. وكل خصوماتك الجارحة..؟!) هل هي جديرة بأن نعيشها محاربين؟! أنت الآن ميت، لن تستطيع أن تحدثني عن مشاريع جديدة لن تتحقق.. ولن تشكو لي من فشل مشاريعك القادمة.. ربما تريد أن تسمع شيئاً من أخبار الحياة بعد رحيلك عنها..فقد كنت تنثر أخبارها وأنت حي من أبنائها.. فدعني أخبرك.. إنها كما عهدتها، حقيرة وتافهة، ومازال الأدعياء يصولون ويجولون، ويحظون بالتكريم أحياء وأمواتاً.. ومازلنا نحن نقترض ثمن الخبز، ونحاول أن نكون شرفاء بالتواطؤ مع الفساد، ونعلن كل يوم أن أجمل الأيام لم يأت بعد.. ولعل أجمل الأيام هو يوم نسقط من علٍ وندخل في غيبوبة.. تنتهي بالموت.. لم يعد هناك ما يبهج، والبهجة القليلة التي تزاورنا لا طعم لها، والأصدقاء.. يرحلون باكراً إلى عالمكم.. أجمل الأصدقاء يموتون في سن العطاء، وهم يعانون من العقم.. فإذا ما عاشوا فإنهم يعيشون كرها.. ولا يعرفون طعم الإبتسامة.. أنت الآن ميت.. جسدك النحيل يثوي تحت التراب،، وروحك في عالم آخر.. ورقم هاتفك يلح على ذاكرتي، أخشى أن أتجاهل الحقيقة.. وأسمع صوت محمد.. أو إياد من الطرف الآخر.. فماذا.. أقول عندئذ.. يا عبدالله. هل أقول: أما زال أبوك ميتا؟!.. *27/5/2005 |