ماذا نفعل كمسلمين ؟- بقلم برويز مشرف يمرّ العالم اليوم بمرحلة مضطربة منذ بداية التسعينيات دون أية بوادر تشير إلى تهدئة هذه الأوضاع المتردية. فالمعاناة التي يمر بها الأبرياء، لاسيما أشقائي في الدين الإسلامي، على يد المتشددين والأصوليين والإرهابيين قد ألهمتني للمساهمة في تحقيق نوع من النظام في خضم هذا العالم البعيد كل البعد عن النظام، وهذا ما حثني بالفعل على تقديم إستراتيجية الاعتدال المتنور. لقد أمسى العالم مكاناً خطيراً جداً وغير آمن للعيش فيه. فالقوة التدميرية الرهيبة للعبوات الناسفة وما يرافقها من وسائل متطورة للغاية للتحكم عن بعد، علاوة على انتشار الإرهابيين الانتحاريين قد أصبحت بمجموعها سلاحاً فتاكاً ليست له وسائل مضادة ذات فاعلية تذكر. لكن الواقع الأليم يكمن في أن مرتكبي تلك الأعمال الخطيرة وكذلك معظم ضحاياها هم من المسلمين، وهذا ما جعل غير المسلمين يعتقدون اعتقاداً خاطئاً بأن الإسلام هو دين لا تسامح فيه ويرتكز على الإرهاب وخلق العناصر المسلحة. والمشكلة أن هذه النظرة تنتشر وتتنامى في جميع أنحاء العالم بحيث تربط الإسلام بالأصولية، كما تربط الأصولية بالتشدد وتربط التشدد بالإرهاب. نستطيع بالطبع الاعتراض وبشدة على هذا التصنيف غير الصحيح للإسلام، لكن في الواقع إن هكذا اعتراض أو نقاش لن يحرز أي انتصار في هذه المعركة الفكرية الرهيبة التي تستهدفنا. والأمر الذي يزيد من فتورنا وعدم اكتراثنا هو أننا ربما كنا من أفقر شعوب العالم وأكثرها جهلاً وتفككاً وضعفاً. إن الحقيقة المجردة التي تواجه كل من يشعر بالحماس للحفاظ على هذا التراث المشترك للبشرية وعالمنا المتمثل في كوكب الأرض تكمن في السؤال عن الإرث الذي سنخلفه لأجيالنا في المستقبل؟ من ناحية ثانية، فإن التحدي الذي يواجه المسلمين هو في الخروج من تلك الحفرة التي نجد أنفسنا قابعين داخلها وذلك من خلال بذل الجهود الفردية والتحرير الاجتماعي والاقتصادي. لذا ينبغي القيام وبمنتهى السرعة بما يكفل وقف هذه المجزرة المرتكبة بحق العالم حيث لابد للمسلمين التخلص من هذا الوضع المتردي للحيلولة دون تهميشنا. إن فكرتي حول هذه المعضلة المستعصية تدور حول إستراتيجية الاعتدال المتنور التي أعتقد بأنها مكسب للجميع، للمسلمين وغير المسلمين في هذا العالم. تتألف هذه الإستراتيجية من شقـين. فالشق الأول يحثّ المسلمين لنبذ التشدد والتركيز على التطور الاجتماعي - الاقتصادي. أما الشق الثاني فيتطلب من الغرب بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص حلّ وتسوية جميع الخلافات والنزاعات السياسية بالعدل والإنصاف والمساعدة أيضاً على تطوير الجانب الاجتماعي - الاقتصادي في العالم الإسلامي الفقير. لذا أود في هذا الصدد تفسير وشرح منطق إستراتيجية الاعتدال المتنور والإسهاب حول المنهجية اللازمة للعالم الإسلامي لتنفيذ الشق الخاص به ضمن هذه الإستراتيجية. فأول ما نحتاج إليه هو أن ندرك بأن السبب الحقيقي وراء التشدد والنزعة نحو التسلح إنما يكمن في الظلم السياسي القائم وانتشار الحرمان والفقر. فالظلم السياسي الذي تعاني منه أمة من الأمم أو شعب من الشعوب مقترناً بالفقر المدقع والجهل لا ينتج عنه سوى مزيج متأجج يفضي إلى شعور فظيع بالحرمان واليأس والضعف. فالشعب الذي يعاني من هذه المآسي المرعبة مجتمعة، يًشحن بسهولة بحافز خطير لنشر التجييش وخلق العناصر المسلحة وارتكاب الأعمال الإرهابية والتشدد. إذا أردت المدافعة والذود عن أبناء ديننا الإسلامي دون تقصي الأسباب التي تدفع بلصق صفة الإرهاب والتشدد بالمسلمين، فإني ولاشك سأكون متهاوناً في موقفي هذا. فقبيل اندلاع الحرب الأفغانية ضد السوفييت، كانت المشكلة الفلسطينية لوحدها سبباً وراء الاضطراب والقلق الذي ساد العالم الإسلامي ودفع بالمسلمين نحو وحدة عامة وشاملة في مناصرة الفلسطينيين ضد إسرائيل. كما أن الحرب الأفغانية التي نشبت في الثمانينيات بتسهيل من الغرب ومساندته لخوض حرب بالوكالة ضد الاتحاد السوفيتي قد شهدت ظهور الإسلام المسلح وتأجيج صفوفه وشحنها نحو التشدد. فالإسلام كدين قد جرى استخدامه لتوجيه جماهير المسلمين وكسب تأييدها على المستوى العالمي. ونتيجة لذلك فإن الأعمال الوحشية والتطهير العرقي ضد المسلمين في البوسنة، والثورة الشيشانية، ونضال كشمير نحو الحرية والانتفاضة الفلسطينية قد ثارت جميعها في التسعينيات بعد انحلال الاتحاد السوفيتي. ومما زاد الطين بلـّة ارتفاع وتيرة التجييش وخلق العناصر المسلحة في أفغانستان التي كانت بأمسّ الحاجة إلى تهدئة الأوضاع بعد نهاية مرحلة الحرب الباردة إلا أنها استفحلت وازدادت سوءاً على سوء طوال عقد التسعينيات. إن جرح أفغانستان الملتهب استفحل بوجود مقاتلين من كافة أرجاء العالم الإسلامي وما رافقه من مرحلة مضطربة في بعض الدول الإسلامية جعل الأمور تأخذ مناح واتجاهات متعددة بحثاً عن مناطق صراع جديدة يواجه فيها المسلمون معاناة صعبة. وهذا ما شهد قيام تنظيم القاعدة. وقد حدث ذلك كله في الوقت الذي كانت تتعاظم فيه الانتفاضة الفلسطينية حين استطاعت توحيد المسلمين وإثارة غضبهم في جميع أنحاء العالم. ثم حدثت تفجيرات الحادي عشر من أيلول الفظيعة وما نجم عنها من ردة فعل أمريكية غاضبة ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان. إن جميع ردود الفعل الأمريكية التالية لتلك الأحداث وما رافقها من ردود ومواقف داخل الولايات المتحدة معادية للإسلام والمسلمين، والموقف الأمريكي إزاء فلسطين والعملية العسكرية في العراق قد ساهمت كلها في استقطاب شامل لجماهير المسلمين ضد الولايات المتحدة. إن الحاجة إلى إعادة تلخيص تلك الأحداث والتطورات إنما يهدف إلى إبراز الدليل والبرهان على أن الإسلام كدين لم يكن مسؤولاً عن نشر أو حقن التشدد والنزعة نحو التسلح وإيجاد العناصر المسلحة، بل إن النزاعات السياسية هي التي أدت إلى خلق روح العداء لدى جماهير المسلمين. إن كل هذه الأمور قد أصبحت جزءاً من الماضي ولا يمكن تغيير الوقائع والأمور التي حدثت لن تتبدل، لكن يجب أن لا نسمح لهذه الحالة المتردية أن تتفاقم وتزداد سوءاً أكثر فأكثر، بل ينبغي إيجاد علاج كفيل بإعادة التناغم والانسجام في هذا العالم. إن النداء الآن موجه إلى الغرب من أجل حلّ النزاعات السياسية المتفاقمة بروح من العدل والإنصاف وذلك ضمن مهمة الغرب والتزامه بإستراتيجية الاعتدال المتنور. أما الآن فأوّد الالتفات إلى العالم الإسلامي الذي يجعل قلبي يعتصر حزناً لما آل إليه. فالشيء الذي نحتاجه اليوم هو محاسبة وفحص الذات وما ينطوي عليه من أفكار ودوافع ومشاعر. والسؤال هو من نكون؟ وماذا نفعل كمسلمين؟ وإلى أين نتجه؟ وكيف سنصل إلى الغاية التي نتوجه نحوها؟ إن الإجابة على هذه التساؤلات إنما تكمن برأيي في إستراتيجية الاعتدال المتنور. لقد كان لنا ماض مجيد وتاريخ رائع حين ظهر الإسلام على الساحة العالمية رافعاً راية المجتمع العادل والمتسامح القائم على الشرعية والقيم والمبادئ السامية. لقد كان لدينا إيمان راسخ بالقيم الإنسانية من خلال المعرفة والتنور. لقد زرعنا التسامح في أعماقنا لنصبح مثلاً تحتذي به باقي الشعوب التي تعتنق أدياناً أخرى. إن جيوش المسلمين لم تتقدم في سائر أنحاء العالم لترغم البشر على اعتناق دين الإسلام بقوة السيف، بل إن الفتوحات الإسلامية كانت تهدف إلى تخليص الشعوب من الظلام الذي تعيش في كنفه من خلال فضائل الدين الإسلامي الحنيف المتمثلة في رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي جسد العدالة والشفقة والمحبة والتسامح ومكارم الأخلاق والبساطة بروح من التضحية ورغبة كبيرة في رفع مستوى الإنسانية نحو عالم أفضل. لكن العالم المسلم اليوم يبدو بعيداً كل البعد عن تلك القيم والمبادئ السامية، مما جعلنا متأخرين في النمو والتطور الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي. ومن دواعي الأسف أنه خلال الانحدار الذي مررنا به بقينا على حالنا، متقوقعين على أنفسنا رافضين أن نتعلم أو ننهل من غيرنا. لذلك وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من اليأس والبؤس. لذا لابدّ لنا من مواجهة الحقائق المجردة. فهل الطريق الوحيد أمامنا هو المواجهة وخلق العناصر المسلحة؟ وهل سيفضي بنا هذا الدرب إلى أمجادنا السابقة؟ وهل سيظهر ذلك للعالم مدى تقدمنا وتطورنا؟ أيها الأخوة المسلمون في كل مكان، لقد حان وقت النهوض والانبعاث من جديد. فالطريق إلى الأمام يتجه نحو التنور والتركيز على تطوير الموارد البشرية من خلال خفض مستوى الفقر ونشر العلم والتعليم والاهتمام بالصحة والعدالة الاجتماعية. وإذا كان هذا هو الاتجاه الذي سنسلكه، فلا يمكن تحقيقه باتباع سياسة المواجهة. ينبغي علينا المضي في طريق الاعتدال واتباع سياسة المراضاة كي يتسنى لنا إزالة ومحو الاعتقاد السائد في عصرنا الحالي بأن الإسلام هو دين مسلح يرفض الحداثة والتطور والديمقراطية والعلمانية. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عندما ندرك بأن مبدأ العدالة والإنصاف المطلق ليس متوفراً على الدوام في العالم الذي نحيا فيه اليوم. هذا هو الشق الذي يقتضي التزامنا به في إستراتيجية الاعتدال المتنور والتي ينبغي أن نطرحها أمام عالمنا الحاضر. وإذا كان هذا المنهج الإستراتيجي الذي ينبغي اعتماده من جانب العالم الإسلامي، فما هي الخطوات العملية التي يجب تنفيذها فعلاً؟ إن منظمة المؤتمر الإسلامي هي الهيئة والمؤسسة التي تجمعنا سوية تحت لوائها وإننا بأمسّ الحاجة إلى بث الحياة في تلك المنظمة التي تكاد تكون في زمننا الحاضر عقيمة لا جدوى منها. لذا من الضروري إعادة هيكلة منظمة المؤتمر الإسلامي كي تتمكن من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين وتحقق مطامح العالم الإسلامي وتقودنا نحو التحرر الذي نسعى إليه. ينبغي أن نبدي العزم والتصميم وأن نتجاوز مصالحنا الشخصية في سبيل تحقيق منفعتنا ومصلحتنا المشتركة بالروح التي علمنا إياها ديننا الإسلامي. يجب على العالم ككل والقوى القائمة فيه أن تدرك بأن المواجهة واستعمال القوة لم يعد الخيار المتوفر لتحقيق السلام المطلق. فالعدالة يجب أن تتحقق، كما يجب لمس تحقيقها على أرض الواقع. فنحن لا نريد لأجيال المستقبل أن تذكر بأن زعماء اليوم أخذوا بيد الإنسانية نحو الهاوية. نقلا عن الراي |