معالجة المشكلات اليمنية معالجة المشكلات اليمنية من يتابع أحوال اليمن خلال الأسابيع الماضية يدرك أن هناك مشكلة حقيقية في عدد من المحافظات الجنوبية، التي كانت تشكل جزءاً مما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الإعلان عن وحدة شطري اليمن في شهر مايو/أيار ،1990 ما يثير الكثير من الأسئلة والاستفسارات عن مغزى تحريك هذه المشكلات في هذا الوقت وهذا الظرف بالذات، وليس قبل ذلك، على الرغم من أن أسباب المشكلة قائمة منذ سنوات، يتجاوز بعضها عشرة أعوام بقليل. فالقضية المتعلقة بإحالة مئات من العسكريين إلى التقاعد الإجباري كانت إحدى مخلفات حرب صيف ،1994 التي أراد الحزب الاشتراكي اليمني من خلالها إعادة التجزئة وفصل جنوب اليمن عن شماله وإعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل مايو ،1990 ولذلك فما أن انتصرت الإرادة الشعبية لاستمرار وحدة اليمن، شرعت الحكومة في اتخاذ العديد من الإجراءات الرسمية تجاه المئات من ضباط وأفراد القوات التي قاتلت مع الحزب الاشتراكي، وذلك بإحالة معظمهم إلى التقاعد إلا من رغب في الاستمرار في الخدمة العسكرية، وتوالت إجراءات من هذا النوع على مدى السنوات التالية، لكنها فيما بعد لم تقم على أساس سياسي، إذ جاءت في إطار برنامج للإصلاح الإداري في صفوف الوظائف المدنية والعسكرية. يؤكد القائمون على مراجعة حالات التقاعد التي تمت خلال السنوات الماضية، أن جزءًا ليس بالقليل منها حدثت فيه أخطاء غير مقصودة، كما أن صدور قانون جديد للتقاعد قبل حوالي ثلاث سنوات أدى إلى حدوث فوارق كبيرة بين معاشات من تقاعد قبله ومن تقاعد بعده، جعل لغة التظلمات تتصاعد شيئاً فشيئاً لدى كل من تقاعدوا قبل صدوره، فيما كان هناك رفض حكومي مستمر لمساواة هؤلاء بأولئك باعتبار مثل هذا الإجراء مخالف للقانون. وإلى جانب كل ذلك، فإن هناك الشق السياسي في المسألة المنطلق من الحرص على إبعاد كل العناصر المسيسة أو الحزبية من الجيش إعمالاً لنصوص قانون الأحزاب، الذي يحرم العمل الحزبي على المنتمين للقوات المسلحة والأمن، حيث كان من المعروف أن معظم قيادات الجيش الموالي للحزب الاشتراكي الذي حكم في جنوب اليمن قبل الوحدة، كانوا من المنتمين له عقائدياً عدا الذين قرروا طوعاً التخلي عن الانتماء الحزبي فيما بعد، فهؤلاء تمكنوا من العودة للعمل في صفوف القوات المسلحة في مرحلة ما بعد حرب صيف ،1994 وبعضهم يشغل الآن مناصب عليا وقيادية وميدانية في ألوية الجيش اليمني، إلا أن كل الملابسات السابق ذكرها أسهمت في تحريك قضية المتقاعدين وإعطائها أبعاداً سياسية لم تكن متوقعة على الإطلاق. يمكن القول بكل تأكيد إن من حق الذين تمت إحالتهم إلى التقاعد قسراً أو أولئك الذين فضلوا التقاعد على التخلي عن انتمائهم السياسي، أن يطالبوا بحقوقهم المشروعة من دون حاجة لتسييسها، ذلك أن التسييس يضعف الحق القانوني ولا يقويه، وهم يدركون أنهم مهما فعلوا لن يمكنهم الجمع بين العمل في صفوف الجيش والانتماء الحزبي طالما كانت هناك قوانين تحول دون ذلك. وفيما بدأ المسيسون منهم بتحريك القضية وخلط الحابل بالنابل فيها، ومحاولة استثارة عواطف مئات من الضباط المتقاعدين في المحافظات الجنوبية بأنهم مستهدفون لأنهم جنوبيون فقط، وليس لأسباب أخرى، على الرغم من أنهم يعلمون أن مئات مثلهم من أبناء المحافظات الشمالية تمت إحالتهم كذلك إلى التقاعد، فإن الأمر لم يقتصر على ذلك فقط، بل بدأ هؤلاء المسيسون بالحديث عن قضايا من نوع حق تقرير المصير للجنوب والاستفتاء على الوحدة والعودة إلى مرحلة التشطير والتجزئة تساندهم أصوات بعض المعارضين في الخارج. وعلى الرغم من عدم حدوث تجاوب يذكر معهم من أي قطاعات شعبية في المحافظات الجنوبية، فإن الرئيس علي عبدالله صالح أدرك مبكراً مخاطر الصمت عن مثل هذه الدعوات وقرر معالجة الأسباب التي قد يؤدي استمرار تجاهلها إلى عواقب سيئة، فأصدر توجيهات صارمة إلى وزارة الدفاع التي يشغلها أحد أبناء المحافظات الجنوبية بمراجعة ملفات المتقاعدين العسكريين، وإعادة كل من ثبت أن تقاعده تم بطريق الخطأ إلى الخدمة من جديد، كما قام بتشكيل لجان في جميع المحافظات بلا استثناء لتلقي طلبات المتظلمين مدنيين وعسكريين، الأمر الذي أدى إلى سحب البساط من تحت أقدام المسيسين، خاصة بعد أن تمت تسوية أوضاع المئات منهم إما بالعودة للخدمة أو بالترقية أو بتسوية الرواتب. كل من يتابع أسلوب الحكم في احتواء الآثار الناجمة عن حرب صيف 1994 يدرك جيداً مدى الجدية في إغلاق ملفاتها ونزع كل فتائل توظيفها سياسياً، وعمل على تعميق أواصر الوحدة الوطنية بتخصيص معظم موارد الدولة لإحداث تنمية في مختلف الجوانب في المحافظات الجنوبية، ناهيك عن أن هذه المحافظات ممثلة في كل السلم الرسمي للدولة ابتداء من نائب الرئيس ورئيس الوزراء وأمين عام الحزب الحاكم وآلاف من القادة الحكوميين والعسكريين والأمنيين في مختلف مرافق الدولة، ومن ثم فإن أي حديث عن غبن وتهميش لأبناء المحافظات الجنوبية سيبدو حديثاً خارج الواقع القائم بالفعل. *الخليج |