آثارنا في خطر ! عُرض منذ أيام قليلة على محطة ( إم. بي. سي ) تقرير إخباري عن قلعة صيرة التاريخية العريقة ودورها النضالي على مر العصور في صد هجوم المعتدين الأجانب على المدينة ، إلى هنا الأمر يبعث على الفخر والاعتزاز، لكن الملفت للنظر وما يستوجب الوقوف بحزم لمعالجته هو التشويه الظاهر الذي تعرض له هذا المعلم التاريخي، وكان واضحاً في صور التقرير، فلا يكاد جدار من جدرانه يخلو من عفن الشخبطة بعبارات مبتذلة تمت بأيدي العابثين دون الشعور بقيمة وأهمية هذا الأثر التاريخي ووجوب الحفاظ عليه وصيانته كشاهد على التاريخ، حقاً نستغرب حالة الإغفال الشديد والتقصير المفرط تجاه هذا الأثر التاريخي والسياحي المعروف، وغياب أعمال الإنقاذ والترميم وبذل الجهود للتثقيف والتوعية المتعلقة بأهمية الحفاظ على الآثار، فمثلاً الكتابة عليها ومحوها أحياناً يفقدها قيمتها التاريخية . هذا الخبر جعلني أركز على المتحف الوطني ( بعدن ) الذي لم يشهد أي تحسن ملحوظ في مستوى أدائه، على اعتبار أنه مركز إشعاع حضاري، ويلعب دوراً توعوياً ثقافياً داخل محيطه، ويصبح بمثابة الوسيط الذي يوطد المعرفة والتواصل بين القديم وتأثيره وارتباطه بالحاضر، فكان على المتاحف أن تعي حجم مهمتها في فتح قنوات اتصال وتعاون مع المجتمع المحلي، وتسعى إلى تجميع الأفكار وتنظيم البرامج لتأدية الدور المطلوب وإيصال رسالتها إلى المجتمع؛ حتى يتنامى ويتعاظم دورها كمؤسسة علمية ثقافية، تسهم في حفظ وجمع وحماية كل ما يتعلق بالتراث والتاريخ ، بالأخص إذا عرفنا أن فهم التاريخ يحدد هويتنا بين الأمم والشعوب، والشواهد التاريخية هي الأكثر بلاغة في معرفة الهوية، فالتاريخ المقرون بالشواهد المادية هو الأقرب صدقاً ويشكل رافداً في إغناء معلوماتنا عن المجتمعات القديمة، بالتالي يتحدد هدف المتاحف في الحفاظ على الموروث الحضاري والتعريف بإسهاماته في ركب الحضارة الإنسانية عبر العصور و إيصاله للأجيال المتعاقبة بكل أمانة، فلا أعتقد أن المتحف الوطني بمحتوياته الضئيلة وفقره الشديد قادر أن يرتقي ويشكل مركزاً حضارياً ووسيلة تواصل بين حضارة عظيمة سادت ثم بادت، وحاضر يحتاج إلى وعي وفهم تاريخي يرفع من الذات الإنسانية والتخلص من الإحساس بالدونية . كل منطقة في بلادنا غنية بالشواهد التاريخية التي تحكي عظمة الإنسان القديم وتثير غريزة الانتماء للوطن، وتمثل استحضار الجانب المشرق في حياتنا؛ إذ علينا التنبه أن عدم الاعتناء بها والتغاضي عنها يعرضها بحكم مرور الوقت إلى خطر حقيقي بفعل تدخل الإنسان والعوامل الطبيعية فتصاب بالتآكل والزوال، هذا ما يجعلنا نتطلع مستقبلاً إلى تفعيل دور المتحف في صيانة المخلفات الأثرية وتحمل مسؤولية التراث العمراني في كل محافظة واستغلال هذا الإرث في خدمة وتنشيط الاستثمارات السياحية. بالتأكيد إن إسهام المتحف داخل محيطه يساعد على خلق بيئة صحية من شأنها أن تطلق حرية التفكير والتأمل وتنمي قوة الملاحظة والمقارنة والمفاضلة بين القديم والمعاصر، ولم يتأتَ ذلك إلا عبر إعداد المكان الملائم وتأهيل كوادره في مجال تقنيات المتاحف، والاستعداد للبدء في تأدية دوره ، ففي الجانب الفني يعمل على تنمية الذوق الجمالي من خلال مشاهدة روائع الأعمال الفنية من تماثيل متعددة الأحجام ونقوش بكافة أشكالها ومفروشات وحلي؛ حيث سجل فنانو تلك العصور أفراحهم وبؤسهم وانتصاراتهم وهزائمهم، أما دوره التعليمي والتربوي فيكون بدرجة أساسية في دعم البحث العلمي، وتوفر قاعة خاصة بأفلام الفيديو ولوحات الشرح والشرائح الملونة التي تستخدم في تفسير مقتنيات المتحف ويستمر دوره في نشر ثقافة الوعي التاريخي عبر وسائل الإعلام المختلفة والبروشورات المشجعة على ارتياد المتاحف والتعلق بالتاريخ والتراث وإبراز الدور الحضاري وما يجسده من قيم دينية واجتماعية نعتز بها، والعمل الثقافي يكمن في استضافة بعض المعارض الثقافية التي تتماشى مع دوره التوعوي وإقامة المحاضرات والندوات وحلقات النقاش الدائمة، فلو وصل الأمر إلى تلك المراحل المتقدمة سنكون على ثقة تامة من تغيير سلوك الناس تجاه تاريخهم ليصبحوا على درجة من الحرص والوعي بأهمية الحفاظ على الآثار من الاحتضار . |