الحوار خارطة الطريق للتغيير إنني كمواطن يمني أنتمي إلى هذا الوطن أحزنني واقع الحال الذي أوصلتنا إليها السلطة الحاكمة والمعارضة ، وأحزنني الواقع المؤلم الذي أدى إلى تجميد قنوات الحوار بين أطراف ألأزمة السياسية وانسداد أفقها خلال هذه الفترة العصيبة من حياتنا ، والتي أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من التناحر والاقتتال بديلا عن الحوار الهادف والمفيد ، وبسب عدم وجود وضوح بالأهداف الحقيقية والنية الصادقة لدى جميع أطياف العمل السياسي والحزبي ، وغياب المنهج الموضوعي لدى البعض ، قد أدى إلى الكثير من التعتيم واختلاط الرؤية ودخول الشأن السياسي من يحسن ومن لا يحسن ، ولابد أن نعترف بان العمل السياسي والحزبي بكل تنوعاته الفكرية والأيديولوجية وبكل أبعاده وتوجهاته هو أشبه بالوسيط الكيميائي الذي يحدث التفاعل المطلوب ويعيد صياغة الأمة ويؤهلها لكيفية التعامل مع قيمها وتوظيف إمكاناتها الحضارية . ولقد بات واضحا تماما أن ريادة عملية الإصلاح والتغيير والانتقال باليمن إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية نموذجية في المنطقة العربية ليس امتيازا لأحد محدد , ولا هو مسؤولية أحد محدد , بل هو مسؤولية كل من قال : ( أنا يمني ) أيا كان موقعه وأيا كان انتماؤه , ولطالما توفر الإجماع أو شبه الإجماع على أن يكون الحوار الوطني الشامل فيصلا في تحديد مسؤوليات التغيير والإصلاح , فإن أي احتكام لغير هذا الحوار هو خروج على الإجماع , وبالتالي , خروج عن الرأي العام اليمني ، لأن الحوار هوا البيئة الأصح لتنفيذ التغيير , وأنه ليس صحيحا أبدا أن المناخ السياسي للحوار غير مناسب أو غير متوفر , بل تؤشر إلى أن المعارضة لا يريد ون حوارا , ولا يهمهم الحوار ونتائجه بقدر ما يهمهم التستر وراء ذريعة بيئة الحوار ومناخا ته .. سعيا إلى أهداف أخرى مختلفة تماما وغير معلنة . ونستغرب أن تقابل دعوات الحوار من قبل بعض القوى السياسية والحزبية بالرفض والمواقف المتعنتة والمتشددة، التي يغلب عليها طابع التهور والتطرف الذي يتصادم مع روح الديمقراطية وقواعد ممارستها، بل ومع الإطار العام الناظم لمسارات التداول السلمي للسلطة والتنافس البناء والشريف على كسب ثقة الناخبين في صناديق الاقتراع ، وما يبعث على الاستغراب أكثر أن من يرفضون الحوار يتحججون بأن زمانه قد فات، وأن الأحداث التي مرت بها اليمن قد تجاوزت منطق الحوار، دون أن يقدم هؤلاء البدائل التي يمكن أن تحل محل الحوار رغم أنه لا يوجد بديل لمعالجة المشكلات والخلافات والتباينات والقضايا الشائكة سوى الحوار . والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: إذا كان هؤلاء لا يريدون الحوار فماذا يريدون ؟ خاصة وأنه لا شيء يمكن أن يحل محل الحوار إلاّ الحوار؟ وبالتالي فإن من يرفضون الحوار، إنما هم بذلك الرفض يتخلون عن التزامهم بالديمقراطية لصالح تكريس عوامل الفوضى والتصادم والصراع الداخلي، ودفع اليمن إلى أتون حرب أهلية دامية تعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي، الذي يظل خطراً قائماً، إذا ما احتكم الفرقاء السياسيون لمنطق العنف بدلاً عن الحوار ، ولماذا تسعى هذه القوى السياسية والحزبية إلى إغراق اليمن في أتون الفوضى والمشاريع الانقلابية، وهي تعلم أنها لن تسفر إلاّ عن المزيد من الانفلات والتوتر والقلق والدماء والأشلاء، في حين أن ما يحتاج إليه اليمن هو الاستقرار والأمن والأمان، وعودة الحياة إلى طبيعتها الهادئة، وحل الخلافات والمشكلات القائمة عن طريق الحوار والتفاهم، والحرص المشترك على مصلحة اليمن..؟. وإذا كان الآخرون وفي مقدمتهم مجلس ألأمن والأمريكيون والإروبيون ومجلس التعاون الخليجي قد تعززت لديهم القناعة بأنه لابديل لليمنيين عن حوار شامل، يساعدهم على الوصول إلى توافق خلاّق وبنّاء وإيجابي إزاء كل ما يتصل بحاضر ومستقبل وطنهم، فإن من الأحرى أن يكون اليمنيون أنفسهم قد وصلوا إلى هذه القناعة، وأدركوا أنه لا غنى لهم عن الحوار والجلوس حول طاولته، خاصة وأنهم قد لامسوا - عن قرب - المعاناة التي تسببت فيها الأزمة الراهنة، وما يكابده المواطنون هذه الأيام من ويلات وهموم جراء تأثيرات هذه الأزمة التي تجاوزت الجانب السياسي لتمتد إلى مختلف الجوانب الاقتصادية والمعيشية والأمنية والاجتماعية.. ولابد أن الأطراف الحزبية قد استفادت من دروس الأشهر الستة الماضية، وتأكد لها أن الاندفاع نحو الإثارة والتأزيم، والانقلاب على الشرعية الدستورية والنهج الديمقراطي، والسعي إلى تعميم الفوضى لن يستفيد منها سوى أصحاب المشاريع الصغيرة والمتربصين بالوطن وأعداء وحدته وكل من لا يريدون له الخير والاستقرار والتطور والنماء. ومن بديهيات الحوار بين أي طرفين أن يتفقا أولا على موضوع الهدف النهائي والعريض للحوار ، وبالتالي على الغاية الأساسية له،ومن ثم تأتي آليات الحوار وأدواته وطرائقه والحلول الممكنة في كل عقدة من عقده , فاليمن الآمنة المستقرة والذي نريد جميعنا - سلطة ومعارضة - أن يتم التغيير فيها ديمقراطيا وسلميا ويجب أن يجلس من أجلها الجميع بدون استثناء على طاولة الحوار والنقاش من خلال الدعوة الموجهة للمعارضة من قبل ألأخ/ رئيس الجمهورية في كلمة صحيفة الثورة اليومية بضرورة البدء بالحوار الشامل ضمن حراك سياسي وإعلامي واسع ومفتوح للجميع وبقوانين ناظمة تساوي بين الجميع, للقيام باعتماد القائمة النسبية للانتخابات والانتقال إلى النظام البرلماني بدلا من النظام الرئاسي ودستور قابل للتعديل أو حتى الاستبدال الكامل وتصحيح السجل ألانتخابي واعتماد الحكم المحلي كامل الصلاحيات بناء على مبادرة ألأخ/ الرئيس والذي أعلنها في إبريل الماضي . لقد حدد ألأخ/ الرئيس التأكيد على دعوة كافة القوى السياسية أن تعود عن غيها وتثوب إلى رشدها وتستجيب للحوار مع نائب رئيس الجمهورية للخروج من ألأزمة الراهنة التي عمل البعض على الزج بالوطن في أتونها ليعود ألأمن والاستقرار إلى ربوعه وتعود السكينة والأمان والطمأنينة بدلا من محاولة ألانقلاب والتأمر وإثارة الفتن والعنف والإرهاب ، والذي تمارسه أحزاب اللقاء المشترك والذين لم يتركوا وسيلة بغية الوصول إلى السلطة إلا استخدموها حتى ألأعمال ألإجرامية والإرهابية المشينة اقترفوها .. ليصل بهم الحال إلى قطع الطرقات والكهرباء ومنع إمدادات الغاز وكل المشتقات النفطية والتلاعب بحاجة المواطنين الخدمية الحيوية ، مخيرين الوطن وأبنائه بين وصولهم إلى السلطة أو الدمار والخراب والفوضى وهذا ما رفضه شعبنا ولم يسمح به ، وسوف يتصدى لهم ويعيد ألأمور إلى نصابها الصحيح التي يجب أن تكون علية إذا استمرت أحزاب اللقاء المشترك مع حلفائهم من عناصر القاعدة والحوثيين يعبثون باليمن أرضا وإنسانا ، ويريدون أن يعيدون اليمن إلى أزمنة الفرقة والتمزق وعهود ألأنظمة الشمولية ودولة الثكنات البوليسية التي تقوم على العنف والإرهاب وتكميم ألأفواه تحت أي مسمى . إن الوطن ملك لكل أبنائه ومسئولية حمايته والحفاظ عليه ليست على أحد دون سواه ولكنها مسئولية الجميع ، إذ يمكننا القول معتقدين أن الأصوب والأصلح لبلادنا هو الجلوس على طاولة المفاوضات والحوار الذي لا يستثني أحداً أو يستثني أي قضية من القضايا الخلافية والتي تحترم فيها إرادة الناس ولا يزايد بها أوعليها أو يصادرها على الناس أحد وبما يؤدي إلى فصل السلطات وقداسة القانون واحترام وتفعيل العمل المؤسسي الممنهج ، الذي لا يتأثر بمزاج الذات أو غيابها ويدرك اليمنيون جميعا أن البدايات دائما صعبة ومرتبكة , وقد تنطوي على كثير من سوء الفهم أو الظن , لكنهم لن يستطيعوا تمرير أو تقبل ضيق الأفق وضآلة الهدف والتمحور حول التفاصيل الصغيرة في مقابل تجاهل أو إهمال الهدف الكبير والسامي للحوار المتصل بأمن اليمن وبتحولاته الديمقراطية السلمية والوطنية ضمن الشرعية الدستورية والأهم من هذا وذاك أنهم - أي اليمنيين - لن يحتملوا نكران دمائهم وتضحيات شهدائهم على يد المجموعات الإرهابية المسلحة من عناصر القاعدة ومن الخارجين عن النظام والقانون في محافظة أبين ،وتعز ، ومأرب ،وصنعاء ، ولدينا ثقة بأن الكثير من العقلاء في أحزاب اللقاء المشترك ما يزال بمقدورهم تصحيح الاعتوار الذي لازم مواقف أحزابهم خلال الفترة الماضية بفعل سيطرة مجموعة من الغلاة على قيادات هذه الأحزاب ، والسير بها في اتجاهات لا تتسق وأهدافها والغايات التي وجدت من أجلها .. حينها قد نشعر أننا وضعنا أقدامنا واثقين في بداية الطريق الأسلم لحياتنا وحياة الأجيال المستقبلية التي ستسخر من صراعاتنا وحروبنا ودمائنا التي أرقناها ظلما وعدوانا على بعضنا البعض. وفي ألأخير هذا الوطن لم يعد بحاجة إلى قيم الدمار والموت والاستلاب ومصادرة الحريات والقمع والاضطهاد والاستبداد بقدر حاجته في ظرفه الحالي إلى قيم الخير والنماء والسلام والعدل أي إلى قيم الحياة فالله لا يدعو إلا إلى دار السلام والحرب ليست أكثر من استثناء لضرورة الترافع بين الخير والشر ، لذلكً نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة فاحصة لمجمل شعاراتنا ومفردات خطاباتنا مع وعي كامل بتموجات اللحظة وملامحها البارزة ومعطياتها التي يجب أن نتعامل معها بوعي وبمسئولية تاريخية ، لأن شعار الأمس قد يلبي وجدان اليوم أو طموحه وقد يتنافي مع قيمة وثقافته ، فالحياة ليست ثابتة ولكنها في تطور مستمر وحداثة دائمة بحكم طبيعتها وفطرتها التي فطرها الله عليها . نحن قادمون على شهر رمضان المبارك وربما يكون أشد وطأة من زمن الأزمة السياسية التي أدخلنا فيها المشترك منذ ستة أشهر وأكثر وإن لم يتدارك عقلاء المشترك وعقلاء هذا الوطن تلك التداعيات وبما يكفل تحقيق قيم الحق والعدل والخير والنماء والانتقال السلمي للسلطة على أساس الثوابت الوطنية والشرعية والدستورية ، وبما يتوصل به أطراف الأزمة السياسية المعارضة والحكومة فالوطن لم يعد قادراً على تحمل مزيداً من الأزمات الخانقة ، كما أنه أصبح ينتظر موقفاً واضحا وصريحاً من اللقاء المشترك نحو الدعوة التي وجهت له من قبل رئيس الجمهورية لحل الأزمة السياسية ، والخروج باليمن من عنق الزجاجة ، وينتصر على عوامل الفناء ويستعيد من خلاله مجده وشموخه وقدرته على الثبات في مواجهة العواصف والأنواء ، وفي شهر الغفران هل يجرؤ من ارتكب إثما بحق ألآخرين أن يتطهر من ذلك لكي ينام قرير العين لأذنب له ولم يأكل مال أحد ما ظلم احد ولا قهره ما كذب على أحد ؟ أم أن العزة بالإثم أضحت سجيته وأساسا للتعامل ؟ اللهم وفقنا لما تحب وترضى . والله من وراء القصد والسبيل . |