الإثنين, 25-مايو-2015
المؤتمر نت - نبيل عبدالرب نبيل عبدالرب -
مؤتمر التأسيس لعرقنة اليمن
بقدر ما حاول المؤتمرون في الرياض استعارة بعض مقررات مؤتمر الحوار الوطني بين اليمنيين في موفنبيك صنعاء، لإضفاء الصبغة اليمنية على المؤتمر وإعلان الرياض المنبثق عنه، إلا أن الإعلان الذي اعتبره المؤتمرون إحدى مرجعيات أية عملية سياسية قادمة في اليمن تضمن تأسيساً لمرحلة جديدة من الفوضى وإعادة رسم المشهد اليمني وفق المصالح الخليجية -ولا نقول إعادته لنطاقه الخليجي الطبيعي- أو التأسيس لما يمكن تسميته عرقنة اليمن.

لعل محاولة التطرق إلى أبرز ما حصل في العراق عقب احتلالها العام 2003 ستكون مجدية لتحديد ملامح لمفهوم العرقنة وأوجه الشبه بينها وبين ما تسعى الصهيوأميركية إلى تعميمه على عديد بلدان عربية، اليمن إحداها.

عندما وضع الجنود الأمريكيون وحلفاؤهم أقدامهم على عاصمة الرشيد وصدام، كان السياسيون الصهيوأمريكيون جاهزين بخططهم السياسية لما بعد إنهاء العمليات العسكرية الرئيسية، التي سارعوا لتنفيذها بقرارات حل المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية واجتثاث البعث، في توجه إقصائي واضح أوجد فراغاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً هائلاً في الوضع العراقي ملأه برضى ومساندة أمريكية سياسيون ومليشيات عسكرية موالية لإيران، قاموا بدورهم بإدارة الشأن العراقي بثقافة انتقامية زادها سوءاً اتخاذها منحىً طائفياً ساهم بشكل حاسم في نشوء تنظيمات شديدة التطرف أبرزها تنظيم داعش المنشق عن القاعدة والأزيد تشدداً منها، وأوجد بيئة لصراع مرير بين العراقيين وحوّل العراق الذي كان الأكثر استقلالاً من بين البلدان الشرق أوسطية والعربية، إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية بدماء عراقية.

يبدو أن إعلان الرياض استفاد من قرارات بريمر في العراق ليكون وثيقة تسعى لإجهاض آمال اليمنيين في الاستقلال والاستقرار.

الإعلان اعتبر نفسه –بداية- إحدى مرجعيات العملية السياسية المرتقبة في اليمن، كالمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن، ومقررات مؤتمر الحوار الوطني، ومع كونه إعلانا من طرف واحد وفي عاصمة الدولة التي تقود تحالفاً حربياً على اليمن، تأكد اتجاهه الاستبعادي بحديثه عن مساءلة القيادات السياسية والعسكرية والأمنية "الضالعة في الانقلاب على الشرعية"، ومحاكمتها وهو بذلك يناقض المبادرة الخليجية وآليتها المشتملة على قانون الحصانة، بالإضافة إلى استكماله عملية تدمير ما تبقى من المؤسستين العسكرية والأمنية، التي شاركت بطبيعة الحال قياداتها في مختلف المستويات في ما يسمى "الانقلاب على الشرعية" بإخضاعها للمحاسبة والمساءلة والمحاكمة، وبالمقابل الشروع في بنائهما على "أسس وطنية ومهنية" حسب ما ورد في الإعلان، وإن كانت النقطة الأخيرة مطلباً وطنياً بلورتها مكونات مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء في مقررات المؤتمر، إلا أنها تضعنا أمام تساؤل عن مصير المقاتلين اليمنيين الموالين للسعودية وعما إذا كانوا في ظل موجة المحاسبة لقيادات الجيش والأمن سيحلون مكانها، مثلما حلت المليشيات العراقية المناهضة للجيش والأمن العراقيين السابقين محلهما، ما يمكن اعتباره حلاً غير معلن للجيش والأمن اليمنيين.

كذلك حوى الإعلان إشارات عديدة توحي بنوع من الاجتثاث لما وصفها بالقيادات السياسية المنقلبة عن الشرعية ومحاسبتها، ما يعني استبعاد قيادات في المؤتمر الشعبي، وأنصار الله الحوثيين، وهم القيادات السياسية الأكثر فاعلية على الأرض، وبناء أرضية انتقامية بين المكونات اليمنية، كما مارس الإعلان التوجه الاجتثاثى والإقصائي بإغفاله اتفاق السلم والشراكة الموقع عليه من الأطراف السياسية اليمنية والمدعوم أممياً.

أما ما يتصل بإعادة اليمن إلى إبط المملكة السعودية فقد اعتبر إعلان الرياض بيانات مجلس التعاون لدول الخليج الخاصة بالأزمة اليمنية، ورسالة هادي إليهم بالتدخل العسكري مرجعيات للعملية السياسية المفترضة.

وتطرق إلى "ضمان ألا يكون اليمن مصدراً لتهديد أمن الدول المجاورة واستقرارها"، والضمان ليس إلا عنواناً عريضاً لوضع ريشة رسم المشهد السياسي والأمني والعسكري اليمني بين الأصابع السعودية..

إعلان الرياض يعني الكثير، وبالأساس توضيع اليمن كحلبة اقتتال طويل الأمد بين أبنائه لا ضابط لها إلا الفوضى.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 28-أبريل-2024 الساعة: 10:24 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/122772.htm