الأربعاء, 29-ديسمبر-2004
المؤتمر نت-عبد الزهرة الركابي -
الانتخابات الأمريكية في العراق
يبدو من إصرار إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن على إجراء الانتخابات العراقية في موعدها المعلن وعلى الرغم من كل الظروف المعروفة والتي لاتؤهلها لأن تكون انتخابات عراقية بحق وحقيقة، بأن الرئيس الأمريكي أصبح “عراقياً” أكثر من العراقيين، حيث أكد في أحد تصريحاته الأخيرة على ضرورة إجرائها في موعدها المحدد، مثلما قام بتكرار معزوفة الدعم الأمريكي لمثل هذه الانتخابات التي يراد لها أن تكون أو بالأحرى لنتائجها المعروفة سلفاً الغطاء الشرعي لتكريس الاحتلال الأمريكي للعراق، إذ يقول الرئيس الأمريكي بوش في تصريحه السالف بشأن الانتخابات المذكورة: “إنني واثق من النتائج”، بعد ان يكون حلفاء الاحتلال المحليون قد أدوا أدوارهم المرحلية والأمريكية في آن على أكمل وجه.

ومن الاستدراك المفيد في هذا الخصوص القول ان الشعب العراقي ليس ضد الانتخابات من ناحية المبدأ، انما هو ضد إجرائها في ظل الظروف الحالية التي تجعلها بعيدة عن تجسيد “الفسيفساء” العراقي بصورة متوازنة وعادلة، وكذلك هناك أمر جوهري مفاده ان الأولوية يجب في هذه المرحلة أن تعطى لعملية إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة الكاملة والتمتع بالاستقلال الناجز، ويبقى بعد ذلك الالتفات الى الفعاليات السياسية وأولها الانتخابات التي من الممكن أن تجرى بمساعدة الأمم المتحدة الى ان يتم الخروج من عنق الزجاجة، ويصل القطار العراقي الى سكة السلامة والاستقرار والأمان.

لذلك يرى المراقبون أن الإصرار الأمريكي على إجراء الانتخابات في ظل الظروف الراهنة والتي لاتأتي لمصلحة الأمريكيين بكل تأكيد، هو انعكاس حقيقي لصعوبة الموقف الأمريكي بعد ان أخفق بلعب كل أوراقه بما فيها ورقة الحل العسكري، حيث ان حرب إنهاء المقاومة العراقية أخفقت عملياً وكانت معركة الفلوجة الثانية خير دليل على ذلك وقبلها معركة سامراء، وبعد ذلك معارك الرمادي والموصل وحتى بغداد.

لهذا بعد أن فشلت أمريكا عسكرياً في حربها ضد المقاومة العراقية بات عليها لزاماً إيجاد مخرج سياسي للخلاص من معضلتها، وهذا المخرج قد يكون في إجراء الانتخابات وفق مايتراءى للمنظار الأمريكي المصابة عدساته أساساً بالضباب والتشويش وعدم وضوح الرؤية، لأن الأمريكيين وبعد كل ماجرى لهم وما واجهوه ويواجهونه في العراق مازالوا مصرين على سلامة نهجهم الذي يتمثل في التالي:

* أولاً: لم يتعظوا من أخطائهم وخطأ حساباتهم لمرحلة مابعد الحرب الرسمية على الرغم من الاعتراف بتلك الأخطاء على مضض او هو جاء باستحياء وتهوين وتبسيط.

* ثانياً: كشف الاحتلال الأمريكي عن مخططه السافر جراء “تعليبه” الانتخابات في مقاسات مسبقة، كي تكون نتائجها مضمونة بالنسبة للمشروع الأمريكي في العراق، حيث يرمي المخطط أو المشروع الأمريكي الى جعل العراق مرهوناً لأمريكا وضعيفاً من خلال تقطيع أوصاله في حال استحالة تكريس الاحتلال ومن خلال نتائج هذه الانتخابات (الأمريكية) التي تتغطى بصبغة عراقية، وذلك بتقسيم العراق بصورة (شرعية) حتى لوكانت هكذا انتخابات منقوصة وجزئية وغير شرعية في واقعها، إذ تتمخض نتائجها عن تعزيز الكيان الكردي المستقل في شمال العراق بذريعة الاتحاد الفيدرالي، وخلق حالة طائفية على الأرض بين الجنوب والفرات الأوسط من جهة والوسط والشمال العربي من جهة أخرى، وهذا مايفسر الدعوات الطائفية التي انطلقت من الحض والتشجيع الأمريكيين، التي تطالب بقيام كيانين مستقلين على غرار الكيان الكردي في منطقتي الجنوب (البصرة والناصرية والعمارة والكوت) والفرات الأوسط (النجف وكربلاء والحلة والديوانية والسماوة) من أجل الضغط تهديداً على الشمال العربي والوسط كي يوقفا مقاومتهما للاحتلال الأمريكي والانخراط في المشروع الأمريكي أسوة بالفئات الأخرى التي انغمست في المشروع الأمريكي بدوافع المصالح الفئوية الضيقة.

بالنسبة للانتخابات المشكلة لاتكمن في تقديمها شهراً أم تأخيرها شهراً، انما القضية تتعلق في إجراء عملية انتخابية ديمقراطية في بيئة وظروف غير طبيعية جراء الاحتلال القائم والذي هو من حدّد ورسم خطوط وسياقات وآليات العملية الانتخابية، وهو بالتالي لن يكون الجهة المحايدة التي تحرص على مصلحة الشعب العراقي على اعتبار ان الحيدة في مثل هذه العملية تظل مفقودة ماعدا الحرص من جانب الاحتلال على ضمان مصالحه وأهدافه، وهذا بالطبع يتعارض مع مصلحة أي شعب يطمح الى تحقيق أهدافه ومصالحه مثلما يروم الشعب العراقي في هذا الاتجاه.

أبرز العوامل التي تبطل عملية الانتخابات هو عامل الاحتلال بكل لبوساته وملحقاته المحلية والتحالفية، ناهيك عن ان آلية الانتخابات لاتتماشى مع توجهات ومطالب الكثير من القوى السياسية والاجتماعية العراقية التي ترفض هذه الانتخابات وهي على هذه الشاكلة والآلية والظروف السائدة، وكل هذا يجعل من المستحيل على القوى المعارضة والمناهضة للاحتلال، المشاركة فيها، خصوصاً ان بعض القوى المشاركة في المشروع الأمريكي تبدي استعدادها لتوفير الغطاء الأمني لها وكأن الغطاء الأمني للاحتلال أصبح في حكم الميؤوس منه، إذ صرح أحد مسؤولي تلك القوى بأن (فيلقه) قادر على توفير 100 ألف عنصر لحماية أماكن إجراء الانتخابات التي يشارك حزبه فيها، مع العلم ومن خلال معايشة كاتب السطور للمعارضة السابقة طيلة 14 عاماً فإن مثل هذا المسؤول يظل بعيداً عن الحقيقة 180 درجة، وأبسط دليل على ذلك انه لو ان مثل هذا المسؤول لديه مثل هذا العديد من الجيش لكان بمقدوره الإطاحة بالنظام السابق.



تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 04-أكتوبر-2024 الساعة: 09:20 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/17923.htm