السبت, 19-فبراير-2005
المؤتمرنت - عبدالفتاح الشهاري* -
للحوار .. فنون
من المؤكد أنك لست صاحب الفكر الخالص، وليس كل نقدك يصب في خانة النسب المطلقة من الصحة أو الخطأ، وفي نفس الوقت من البغي أيضاً أن يتم تحويلك بسبب نقدك إلى حاقد، وأن توصم بصفات قد تجانب الصواب تماماً في مسار خطك واتجاهك.
كما للنقد فن، فإن للحوار فنون، وفي محيطٍ يحوي مجتمعًا بذاته فإنه مهما اختلفت الرؤى والاتجاهات فلا يمكن أن يتجرد المرء من أحاسيسه، ومشاعره الخاصة به، والتي يؤلفها مع عقله وفكره لكي يوجهها جميعاً في خدمة دينه، ووطنه، ومجتمعه.
إن وجود الصراع بكل أشكاله من فكري، أو عقدي، أو طائفي، أو مذهبي، أو حتى سياسي، واقتصادي وغيره الكثير هو أمرٌ فطري فطر الله عليه الكون، ولكن محددات الصراع وماهيته هي التي تختلف بين عالمي الإنسان والحيوان، ففي حين أن الصراع في العالم الثاني هو الصراع من أجل البقاء، فإن الصراع لدى الإنسان هو صراع العقل، والمنطق، هو صراعٌ ينتهي إلى ما انتهى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مخالفيه (لكم دينكم ولي دين).
قد تختلف مع الآخر، كما قد تختلف مع نفسك أيضًا، وكلا الاختلافين لا ينقصان من قدر من خالفته، ولا ينفيانه، وإلا لأصبحنا جميعاً في خانة من نزدري رأيه نتعامل معه بمقولة: (من ليس معنا فهو ضدنا) وهو النهج الذي نبذه كل عاقل، فليس في الكون نسبٌ مطلقة، فيما لم ينص عليه الشرع صراحة بالكتاب والسنة..
ومسألة التصنيف، والتحجيم، والتقزيم، والتنويع ليس لأحد الحق في إطلاقها على آخر ما لم يكن هو نفسه متبنيها صراحة، معلناً عنها بوضوح، لأن هذا الإشكال وهذا البناء ذو الأساس الهش من بدايته يجعل الحوار مع الآخر ينطلق من منظارٍ أسود قاتم لا يرى فيه إلا ما تكرهه نفسك، ويجعلك تقفز من التعبير عن الإعجاب بهندامه القويم السليم لتنطلق إلى بقعة تراب متسخة في أسفل قدميه كان من الطبيعي أن تلتصق به أثناء سيره على الأرض، فبدأت بها لتشن جام غضبك عليه.
ولهذا فينبغي لرواد أي تنظيمٍ، أو حزبٍ، أو مذهبٍ، أن تكون من أولى أدبياتهم لتلاميذهم وتابعيهم هو تعليمهم فنون الحوار مع الآخر المخالف لهم حتى يؤلفوا به القلوب، ويأسروا به العقول، وتبقى لهم إن لم تكن الريادة فعلى أقل القليل التقدير الطيب في النفوس، لأنه بحجم ما تكون لديك الملكة في حوار الآخر وإقناعه سيكون لديك المقدرة على جذب من تحب إلى ما تحب.
* رئيس مركز صدى الشرق للدراسات والبحوث
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 28-أبريل-2024 الساعة: 06:38 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/19355.htm