الثلاثاء, 12-أبريل-2005
عبدالله الحضرمي -
سماسرة الفتنة
لا يتطلب الأمر بحثاً طويلاً لمعرفة ما وراء سطور بيان أحزاب المشترك حول أحداث التمرد المسلح في مران صعدة.
ونجد أن هناك جملة توضيحية لامناص من طرحها قبل الدخول في مناقشة ذلك الموقف. فقد ثبت عبر سلسلة تجارب أن هذه الأحزاب تمارس العمل السياسي بوجدان بدوي يسكن الأدغال، تتقاذفه نوازع العنف وتحركه مشاعر الثأر ورغبات الانتقام ، إذ تحفظ الذاكرة واراشيف الصحف بالعديد من المواقف التي بنيت على قاعدة الثأر السياسي من السلطة وليس على أساس السياسة .
فعندما أشعلت فتنة التمرد الأولى بقيادة الحوثي الابن، لم تستطع قيادات بارزة في أحزاب اللقاء، إخفاء ما غمرها من شعور طاغ بلذة (فش الغل) وبدت الأنباء التي تنقل مشاهد الدماء واغتيال الجنود والهجوم على مباني ومؤسسات الدولة في محافظة صعدة، مصدراً لراحة بال قادة معارضين التفوا حول نيران الفتنة لكي يمنعوا خراطيم المياه عن إطفائها.
واليوم يجد المرء عين الموقف وذات الدافع في تعامل المشترك مع تجدد التمرد المسلح على يد الحوثي العجوز، فبعد صمت خاله المرء مؤشراً على تصحيح رؤيتها صوب القضايا الوطنية ، أصدرت أحزاب اللقاء بياناً يجرم في معناه قيام الدولة بواجبها الدستوري في حفظ الأمن والسلم الاجتماعي وسيادة القانون.
وتنهض الفضيحة سافرة بلا خجل ،تتمطى وسط سطور البيان الأخير، عبر ما أطلقته الأحزاب من إدانات لما أسمته باستخدام القوة في معالجة هذه القضية ، هل هناك خيار أخر غير القانون الذي يقتضي استخدام القوة لمواجهة حركة مسلحة ؟ حسناً ..إن المعارضة لم تقل لنا عن البديل المفترض في وضع كهذا وما إذا كان طبيعيا مواجهة حركة مسلحة بقبل ساخنة حارة ، ولكن بمستطاع المرء وضع هذه الإدانة على طاولة التشريح ليجد نفسه أمام نتيجة مفزعة تتمثل في خيارين كلاهما مر.
الأول، إن أحزاب المعارضة داخل اللقاء المشترك، هي على حال من البدائية والجهل بواجبات الدولة ومسؤولياتها الدستورية وكذلك الجهل السياسي والقانوني بما يعنيه ،من كافة النواحي، قيام تمرد مسلح يدعى قادته أحقية إلهية كهنوتية في حكم البشر.
الثاني، أن الأحزاب المذكورة تعرف كل شيء ،لكنها تغض الطرف بدافع السعي إلى إرهاق الدولة ومؤسساتها بفتن وتوترات داخلية واضعاف شوكتها تمهيداً لعملية انقضاض على الحكم بعيداً عن خيار التداول السلمي الذي فشلت في ميدانه.
وفي كلا الخيارين –يا للتفاهة أو يا للغباء- فإن المعارضة قد وضعت نفسها في مأزق أخلاقي وقانوني سيتطلب خروجها منه وقتاً طويلاً.
إن الغباء في قراءة المعطيات والأحداث يتساوى –في نتائجه- مع الاستغلال السيئ للأحداث واتخاذها سلماً لأهداف خيانية مشبوهة.
وفي نهاية الأمر لا يكون هذا الحزب أكان الإصلاح الذي يدخر السلاح وحقد الهزيمة الديمقراطية، أم كان الاشتراكي الذي تتنازعه ثارات انهزام مشروعه الانفصالي، أم أحزاب الأنابيب التابعة سواء السلالية والعائلية، أم جميعها كافة، لا يكونون صالحين ومؤهلين لإدارة الحكم.
تواصل الفضيحة السياسية سفورها عند معرفة التوقيتات التي أعلنت فيها أحزاب المشترك مواقفها من الأحداث.
وسواء في التمرد الأول أم في تجدده على يد الحوثي الأب، فإن بيانات المشترك صدرت في اللحظات التي بدأ فيها تداعي التمرد وانهياره، ليجد المتأمل أن انهيار جبهات التمرد مثلت انهياراً لأهداف المعارضة وهو الأمر الذي جعلها تسارع بلا تردد إلى إصدار بيانات تبعتها دفعة من التصريحات ، تصب في اتجاهين غير متعاكسين ..تأييد المتمردين من جهة ، وإدانة إجراءات الدولة ضدهم من جهة أخرى. والهدف، بالطبع، يتمثل في محاولة تدارك الهزيمة عبر شحن المقاتلين في صفوف التمرد وحفزهم على إعادة ترتيب صفوفهم ،وفرض وقت إضافي للفتنة.
وليس لغوا أن مطالبة المعارضة بتشكيل لجنة تكون طرفاً فيها لا يعكس الرغبة في إخماد الفتنة وانما رفع السنة اللهيب. ويمكننا الرجوع إلى دور المشترك في لجنة الوساطة مع تمرد الحوثي القتيل.. فحينما أعطيت هذه الأحزاب فرصة استرداد بعض اعتبارها، وشكل رئيس الجمهورية لجنة ميدانية برئاسة عبد الوهاب الآسي مساعد أمين عام حزب الإصلاح، فعلت كل شيء لإثبات تواطئها مع المتمردين ، وخسرت الكثير على مستويات السمعة والقاعدة الشعبية.
ويمكن القول أن الحكومة قد أحسنت صنعاً بالاستجابة لنفس المطلب حول تشكيل لجنة تقصي، ولكن في نهاية المطاف هناك حقيقة على أحزاب اللقاء تحمل وطأتها.
فإذا فشلت المعارضة في أن تحك ظهرها بأظافر الحوثي القتيل فإن الرجاء السيئ لن يتحقق بأصابع ملكي عجوز.
#
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 02-مايو-2024 الساعة: 06:33 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/20720.htm