الثلاثاء, 06-ديسمبر-2005
المؤتمر نت - يشيّع اليوم، في الاسكندريّة، جثمان الأديب المصري ألفريد فرج الذي «انطفأ» أوّل من أمس في مستشفى سانت ميري اللندني، بعد صراع طويل بذل خلاله كل ما بإمكانه لتجاوز وهن القلب. وواجه ألفريد المرض بصبر في السنوات الأخيرة... المؤتمرنت ـ الحياة -
صاحب «حلاق بغداد» و «الزير سالم» يشيّع اليوم في الاسكندريّة
يشيّع اليوم، في الاسكندريّة، جثمان الأديب المصري ألفريد فرج الذي «انطفأ» أوّل من أمس في مستشفى سانت ميري اللندني، بعد صراع طويل بذل خلاله كل ما بإمكانه لتجاوز وهن القلب. وواجه ألفريد المرض بصبر في السنوات الأخيرة، بالأسلوب الهادئ الذي طبع مسيرته كلّها منذ منتصف القرن العشرين، وبالنزعة الخلاقة التي جعلت صاحب «حلاق بغداد» يسكن وجدان الجمهور العريض، بابتسامته المهذّبة، المطمئنة، ونظارتيه اللتين تحملان بصمات الستينات، وشاربين هما من علامات زمن آخر، كان المثقف فيه يلعب - أيّام الحلم الناصري - دوراً فاعلاً في بناء المجتمع الجديد...
برحيل ألفريد فرج تسدل ستارة الفصل الأخير على مسيرة فنيّة وفكريّة وثقافيّة استثنائيّة في تاريخ الفنون المشهديّة، على امتداد العالم العربي. إنّه آخر الكبار في جيل صنع العصر الذهبي للمسرح المصري خلال الستينات. وتعتبر تلك المرحلة الخصبة منعطفاً حاسماً في تاريخ مسرحنا الحديث الذي كان الراحل أحد صانعي حداثته وحيويّته وهالته السحريّة على امتداد نصف قرن... والتقى في مسرحه أكبر نجوم المسرح المصري مثل سعد أردش ويحيى الفخراني... وصولاً الى نور الشريف الذي يقدّم هذه الأيّام آخر أعماله في القاهرة بعنوان «الأميرة والصعلوك».
بدأ ألفريد فرج (مواليد 14 حزيران - يونيو 1929) حياته الأدبيّة مقرّباً من توفيق الحكيم، فإذا به وريث مشاغله النظريّة، وتساؤلاته عن موقع الفرجة من الثقافة العربيّة، واجتهاداته الجماليّة التي سيعمل لتطبيقها وتطويرها مع متطلّبات العصر الجديد. والكاتب هو من أبناء الثورة الناصريّة أدبياً، جاءت ابداعاته مواكبة لمشروعها الاجتماعي والوطني والثقافي. مشاهد طرد الاحتلال الانكليزي من مصر سكنت مخيلته شاباً، وأثّرت في تكوينه، قبل أن يجد في المشروع الناصري مادة وحيه الأدبي... هكذا سيعكس مسرحه الهاجس الاجتماعي أوّلاً، وهمّ الهويّة الوطنيّة والقوميّة وكيفية تأكيدها وترسيخها وتكييفها مع العصر. وكان فرج بين أوّل المنخرطين في المرحلة الجديدة التي سرعان ما ستحظى برعاية الدولة وتحتضن صحوة المسرح العربي.
«صوت مصر» كان عنوان أولى مسرحياته التي قدمها حمدي غيث على الخشبة العام 1956، ثم تلتها «سقوط فرعون» في العام التالي، وفيها محاولة لاستيحاء التراث الفرعوني، قبل أن ينتقل الى التراث العربي والاسلامي. المسرح الجديد سينشغل بالصراع الطبقي، ويمجّد البحث عن الحريّة والانعتاق، ومنه ستطلع اتجاهات الواقعية النقدية التي برزت بقوّة في روايات نجيب محفوظ وأفلام صلاح أبو سيف.
هذا الوعي السياسي دفع ألفريد فرج الى البحث عن قوالب وأشكال جماليّة مناسبة، فغرف من التراث العربي شأنه في ذلك شأن الكاتب السوري سعد الله ونّوس. واستلهم التراث، تحديداً ألف ليلة وليلة، في البحث عن «حدوتات» وقصص يمكنها أن تحمل خطاباً معاصراً وعبرة سياسيّة. ووظّف التراث الشعبي توظيفاً ذكياً في مسرحيات مثل «حلاق بغداد و «الزير سالم» وغيرهما. في الأولى يستعير فرج حكاية «محسّن بغداد» من «ألف ليلة وليلة»، وفي الثانية استقى الأحداث من السيرة الهلاليّة، وشحنها بصراع درامي يقرّبها من التراجيديا الإغريقية.
ومثل ابناء جيله، تأثّر ألفريد فرج بمسرح برتولت بريخت الهادف الى توعية المشاهد، فكانت «علي جناح التبريزي وتابعه قفة» (السيد بونتيلا وتابعه ماتي)، وبعدها بسنوات «عطوة أبو مطوة» (أوبرا القروش الثلاثة)... التي جاءت تعكس نضجاً جمالياً، وعلاقة واضحة بالكوميديا الساخرة.
وآخر كتب ألفريد فرج جاء بمثابة وصيّة حضاريّة، على شكل مرثيّة لـ «شارع عماد الدين» الذي احتضن تاريخ الفن المسرحي والسينمائي في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، وشهد تألق نجوم مثل نجيب الريحاني ويوسف وهبي وأم كلثوم ومنيرة المهدية وسيد درويش. وفي السنوات الأخيرة كرّس الكاتب الجزء الأبرز من وقته للدفاع عن حقوق المؤلف المهدورة في مصر والعالم العربي.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 09-مايو-2024 الساعة: 08:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/26300.htm