الثلاثاء, 25-أبريل-2006
المؤتمر نت – عبدالعزيز بن بريك -
عمالة تنحت في صخر الرزق
الطريق إلى الرزق كما يصورها العامل عبده حيدر الصبري ليست كما يتصورها البعض بأنها محفوفة بالتعب والنكد وسيلان عرق الجبين ـ بل هي كما يفلسفها بكل بساطة قدر محتوم وحظ مرسوم بوجه كل واحد وحين سألته ماذا تعني فلسفته في الرزق أجاب روح إسأل أصحاب الملايين. أما أن تسألني فأنا بكل بساطة يومي عيدي ما أحصل عليه أصرفه وأنام بكل بساطة بعد أن أملي بطني بأي شي، نحن لا نخوَر.. فإن كسرة خبز هي الحلم الكبير.
لم يكن عبده حيدر على قدر كبير من الثقافة وهو يسرد لي كل هذه الهموم والمخارج الصحيحة من الآلام يحييها ويجعلها ترقص طربا ليس من الألم كما قال الشاعر ولكن بإيمان صافٍ وهو يسَلم لواقعه الذي جعله هكذا بهذه الحالة دون أن يتطلع بشكل سرطاني أو حلم يودي به كما قالها إلى ( المهلكة) قلت له وهل تعتقد أن عملك على الرصيف وأنت تنتظر من يأتي إليك لكي تصلح له حنفيه آو مد أنبوب ماء منضمون.
قال لي والابتسامة تملؤ وجه نحن مش زي أصحاب المكاتب الذين ما يرضون بأي مقاولة إلاَ وقاموا بشفط الزبون. عملنا يا أخي مضمون و( جرنتاي) لا مغشوش ولا فيه ( كميشن) نعمل ونكدح قدام الزبون وبعدها يعطينا ( المشقاية) لإن الزبون عندما يرتاح لعمل تكسبه للمرة القادمة وعملنا يا أخي بكل اختصار ينطلق من أعطي العامل أجره قبل أن يجف عرقه) ومن هذا يتعامل معنا الناس بهذه الطريقة.
وأردفت: ولكن هذا العمل مش مضمون دائم ويأتي عندما يكون هناك زبون ـ قال لي وبثقة مطلقة ( الله ما ينسى عباده ويرزقهم).
كان الشارع مكتظ بالمارة وبلحظة وقفت سيارة وخرج منها أحدهم والتف العمال حوله وغاب عبده حيدر في الزحام.
وفي الطريق إلى الشارع العام في مدينة الشيخ عثمان كان الوقت ظهرا وشمس عدن الحارة تصُب أشعتها على رأس ذلك الرجل الذي مد مظلة ( كاذبة) تنفذ حرارة الشمس منها ولا تمنع حتى خيط ظل ،إقتربت من ذلك الرجل الذي يعرض بضاعته وهي عبارة عن خردوات ـ سألته حتى في وقت ألظهيرة تبيع أشياء النساء وأنت تعرف أن النساء يخرجن في العصرـ قال لي الرزق ليس له حدود أو وقت أو لون أو رائحة ضحكت وكانت ابتسامته قد سبقتني هو الآخر قائلا لي: تصدق أن الشراء في هذا الوقت أفضل للبعض من وقت العصر أو المساء لإن الناس أصناف منهم من لا يرغب بالخروج في وقت العصر أو يُخزن ومن النساء تُفضل بعد أن تخرج من العمل تمر تشتري أغراضها بدلا من الخروج ليلا.
قلت له لماذا لم تداوم في شارع الحب بالشيخ عثمان حيث أن هذه الخرداوت محبوبة للنساء؟ قال لي أنا لا أتقيد بمكان واحد فالرزق مفتوح وليس له سور كما يتصوره البعض فالحرية في البيع هي الحرية بذاتها ولكن أن تتقيد في مكان واحد فإنه يعني أنك لا تلزم لعمل البيع خاصة وان لديك جاري(عربية) أسرع من الدكان.
وكان بالقرب مني بائع ( المساويك) الذي كان منهمكا في تشريب أعواد المساويك لكي يقوم بتجهيزها للرجل العجوز الذي ملَ من الوقوف، صارخا في وجه بائع المساويك ( هيا الشمس أحرقتني وأنت تتأخر في تقليم المسواك) لم ينبي البائع ببت شفه.. ولكن مدَ عود المسواك وهمش الرجل العجوز بعد أن رمي بالعشرة ريال على مفرش البائع، قلت له وايش من دخل في بيع المسواك. قال لي البائع انتم تعتقدون ان من يبع الأشياء الصغيرة في نظركم ( أهبل) والله العظيم ان قناعتي في هذا أفضل من قناعة التاجر الذي يبيع في اليوم بالمليون. لانني اقتنع بما أبيع دون ( هم أو هرم) لان شغلة البيع والشراء فيها البركة سواء صغرت هذه الحاجة أو كبرت.. وأنا مرتاح من شغلتي هذه والله صبرني على هذه المعيشة الذي أكل منها ذهب ـ قاطعته وأي ذهب أو مال من بعد هذه التجارة ؟ قال لي إسأل من في هذا السوق وأردف الذهب الذي اقصده أنني مقتنع بما أحصل عليه. أحسن من البعض ومدَ يده أمام متجر لبيع الأدوات الكهربائية والمنزلية قائلا لي. عرفت صاحب المحل مُنذ ما يقارب الثلاثين عاما وهو في هذا الشارع في الشيخ عثمان كان في سني والآن إذهب وشوف حالته وشوف حالتي.. يا إبني التجارة تجيب المرض والهموم وكثر التجارة كما قال أصحاب زهار خسارة للنفس والروح، معظم من عرفتهم من التجار فيهم الضغط والسكر والقلب أما أنا والحمد لله مرتاح لعملي هذا.
لم استمر في الحديث كانوا هناك في الشارع بائع الزبيب وماسح الأحذية والخراز وبائع العصير والملابس والأشياء القديمة لم أقترب منهم كانت الشمس اللافحة تزيد هؤلاء صرامه وصحة وهم يقفون في الطريق ينحتون في صخر الرزق عن أشياء تملئ بطونهم ويوماً يقضون فيه نهارهم بعيدا عن التعب والهموم التي لا تنتهي.

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 11-أكتوبر-2024 الساعة: 11:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/30020.htm