نيكولاس كريستوف - خطاب ابن لادن وما يجب فعله
هاجم أسامة بن لادن، في التسجيل الصوتي الذي بث في الآونة الأخيرة، اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية في جنوب السودان واتهم الولايات المتحدة بالتخطيط لإرسال «قوات صليبية لاحتلال دارفور» وسرقة ثرواتها النفطية تحت ذريعة حفظ السلام. وناشد اسامة بن لادن المسلمين بالتوجه الى السودان والتزود بالسلاح، من ألغام ارضية وقذائف «آر.بي.جي»، والاستعداد «لحرب طويلة الأمد» ضد أفراد قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة وغيرهم من كفار، على حد قوله.
يسلط هذا التسجيل الصوتي لأسامة بن لادن، ان المنهج المتشدد غالبا ما تترتب عليه مخاطر حقيقية. من السهل علينا ان نناشد الامم المتحدة بإرسال قوات الى دارفور، ولكن ما سيحدث عندما تبدأ عناصر هذه الجماعات إسقاط مروحيات الامم المتحدة؟
لعله من المناسب ان نلقي نظرة على الخطوات التي يجب على الولايات المتحدة اتخاذها مع اقتراب موعد الحشد المقرر له يوم الأحد المقبل للمناشدة باتخاذ خطوة لوقف المذابح في دارفور. من المؤكد ان أول خطوة ينبغي على واشنطن اتخاذها، هي وقف القتل اولا ثم إرسال قوات حفظ سلام فاعلة تابعة للامم المتحدة لا يقل قوامها عن 20 الف فرد بكامل التجهيزات اللازمة. ولكن بسبب الحساسيات القومية، التي يحاول اسامة بن لادن إثارتها، يجب ألا تكون هناك قوات اميركية على الارض. ومن الأفضل ان تتألف هذه القوات من جنود وضباط من تركيا والأردن وبنغلاديش وباكستان ودول مسلمة اخرى، بالإضافة الى أعداد محدودة من القوات الأوروبية والهندية. يمكن ان توفر الولايات المتحدة مساعدات في عمليات النقل الجوي، كما يمكن ان يساعد حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقوات مؤقتة اذا تطلب الأمر.
ثانيا، يجب على الولايات المتحدة وفرنسا فرض منطقة حظر جوي ومراقبتها انطلاقا من قاعدة آبيش الجوية في تشاد، وهي خطوة وصفها خبراء عسكريون اميركيون بأنها عملية، خصوصا اذا تضمنت تدمير أي طائرة عسكرية سودانية تستخدم في شن غارات على المدنيين.
إلا ان هذه الخطوات ربما تترتب عليها مخاطر حقيقية. فعقب تدمير أية طائرة عسكرية سودانية من المحتمل ان يجري التخطيط لشغب «عفوي» يتسبب في سحل الاميركيين العاملين في مجال الإغاثة او الصحافيين.
ولكن يجب أن نتذكر ان الحكومة السودانية تعاني من الضعف وتفتقر الى الشعبية والتأييد، وعندما حاولت ان تنظم مظاهرات احتجاج ضد الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية فشلت فشلا ذريعا.
وطبقا لدراسة ستنشر في العدد المقبل من مجلةForeign Policy يعتبر السودان، الدولة الأقل استقرارا في العالم بأسره. فإذا مارست الولايات المتحدة ضغوطا، سيضطر القادة السودانيون الى التراجع، مثلما فعلوا عندما وقعوا اتفاق السلام الذي انهى الحرب الأهلية في جنوب السودان.
هناك ايضا وسائل اخرى، الى جانب فرض منطقة للحظر الجوي وممارسة الضغوط، مثل الدبلوماسية العامة. إذ يجب ان نرد على اسامة بن لادن بتسليط الضوء على ضحايا دارفور المسلمين (الكثير من العرب وقفوا الى جانب حكام السودان، ولا يدركون ان كل ضحايا الإبادة في دارفور مسلمون).
بوسع البيت الابيض توجيه الدعوة للناجين من الإبادة في دارفور لتسليط الضوء على محنتهم، ولكي يحكوا مآسي ذبح أطفالهم وتدمير مساجدهم. يمكن ايضا نشر صور المآسي والفظائع التي ارتكبت في دارفور، كما من الممكن ايضا ان يلقي الرئيس بوش خطابا رئيسيا حول دارفور ويرسل وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس وطاقما كبيرا من صحافيي التلفزيون الى واحد من معسكرات لاجئي دارفور في تشاد.
وساهمت مادلين اولبرايت في وضع نهاية للفظائع التي كانت تحدث في سيراليون، عندما سافرت الى هناك والتقطت لها صور مع الأطفال الذين بترت الميليشيات أطرافهم. تلك الصور وضعت سيراليون في صدارة الأجندة العالمية.
بوسع الولايات المتحدة ايضا تنظيم اجتماع قمة في اوروبا أو العالم العربي يخصص للنظر في مسألة دارفور، ويمكن تعيين مبعوث رئاسي مثل كولن باول، كما يمكن ان تجعل الولايات المتحدة قضية دارفور مسألة اكثر اهمية في علاقاتها مع دول مثل مصر وقطر والأردن والصين.
عندما بدأت دارفور تظهر في وسائل الإعلام العالمية، كان عدد الضحايا 70 ألفا، ووصل عدد الضحايا الآن بين 300 و400 ألف، وربما يصل قريبا الى مليون. ترى، اذا لم نتخذ خطوة الآن، متى سنتخذها؟
الشرق الاوسط |